حتى الآن لا أفهم سر الاحتفاء بفنان أو شخصية عامة في ذكرى الوفاة، رغم أن الموت أقل الإنجازات التي قدمها في حياته، ولأن العادة جرت بأن نتذكر في هذا اليوم ما قدمه على مدار مدة بقائه في الدنيا في الكثير من المحطات المضيئة في تاريخه؛ إلا أنني على عكس هذه العادة أهوى البحث عمّا هو بين هذه المحطات التي يمر عليها قطار الصحافة والإعلام دون أن يتوقف أو حتى يبطئ من سرعته، رغم أنها هي التي مدّت الخط على استقامته، وصنعت النجاح الذي نعرفه جيدا دون أن نعي أو نتأمل كواليس صنع هذا النجاح، والثمن الذي دفعه الفنان للوصول إلى ما وصل إليه.
كل ما سبق يدفعني للتساؤل: هل كان أحمد زكي أحد أهم وألمع نجوم السينما المصرية، سعيدا في حياته الشخصية، بعيدا عن الشهرة والأضواء ومطاردات الكاميرات والمعجبين؟
ولماذا ينظر البعض بعين الحسد والغلّ لنجاح شخص ما، ويتحدثون عن الأموال التي يجنيها، والسيارة التي يركبها، والنجاح الذي وصل إليه، دون التفكير في الثمن الذي دفعه من سعادته الشخصية، وصحته، وحياته العائلية للوصول إلى ما وصل إليه؟
ألم يفكروا في الجرح النفسي الذي لازمه طوال عمره بعد أن تزوجت والدته من رجلا آخر بعد وفاة والده؛ ليعيش مع جده وتنقطع صلته بوالدته حتى آخر أيامه عندما أخبره أصدقاؤه بضرورة عودة العلاقة بينه وبينها؛ لأنه سيموت بعد أن تمكن المرض من جسده، وباتت أيامه في الدنيا معدودة؟
ألم يتأملوا علاقته المضطربة بزوجته الفنانة الراحلة هالة فؤاد، وكيف تجرع العذاب في علاقته بها التي انتهت بالانفصال بعد زواج دام لعام واحد فقط وعدة أشهر، رغم حبه الشديد لها؛ بسبب إصرارها على عدم اعتزال الفن، وتدخلات والدها في حياتهما، وحالة الهيستريا التي أصابت الفتى الأسمر عندما شاهد صورة زفافها على رجل آخر بعد أن ظلّت في انتظار أن يعود لها لمدة 5 سنوات؛ لكن العناد الذي تمتعت به شخصية كلا منهما حال دون ذلك، وكيف ثار أحمد زكي حين رأى ابنه هيثم يجلس بجوارها في كوشة الفرح.. لتمر أمام عينيه صورة والدته وهي تتزوج من شخص آخر؟
ألم يعلموا حبه الشديد لطليقته، وكيف تجرع العذاب بعد زواجها من آخر حتى أغلق على قلبه الباب تماما، وظلّ وفيا لحبه لها؛ حتى إنه انهار تماما حين علم بإصابتها بسرطان الدم وتأخر حالتها؛ ليذهب إليها فور علمه بالخبر دون أن ينتظر أن يحدد موعدا لحساسية الموقف وزواجها من رجل آخر، وكيف كان ردّ فعله حين علم خبر وفاتها أثناء تصوير أحد مشاهد فيلم "سواق الهانم" فوق أحد أسطح البيوت القديمة بمنطقة "باب الخلق"؛ حيث همّ بإلقاء نفسه من فوق السطح بعد أن أصابته حالة هيستريا في ظل محاولات مستميتة من فريق العمل لمنعه قبل أن يغادر مكان التصوير، ويقود سيارته بسرعة جنونية ليصل إلى المستشفى الذي يرقد فيه جثمانها، ويردد بانهيار تام وبكاء شديد: “سيبتيني لمين يا هالة؟”.
حتى علاقته بابنه هيثم كانت مضطربة بعد أن باعدت بينهما الظروف وانفصاله عن والدته، ولم يقتربا بالقدر الكافي إلا في الفترة الأخيرة من حياته.
وفي حياته الفنية لم يكن مشواره الفني مفروشا بالورود؛ بل بدأ من تحت الصفر في مدينة الزقازيق في الشرقية، والتحق بدبلوم صنايع قسم خراطة، دون أن يعرف حتى إن هناك معهدا للفنون المسرحية؛ إلا بعد أن لعب الحظ دورا بارزا في حياته؛ حين طلبت منه الفنانة المعتزلة شهيرة بضرورة الالتحاق بهذا المعهد؛ لكن سرعان ما انسحب الحظ مرة أخرى وكشّر عن أنيابه حين واجه "نفسنة" عادل إمام معه في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، وكيف بكى بحرارة حين جاء عبد الحليم حافظ لمشاهدة المسرحية وسلّم على أبطالها إلا هو، وكيف أهانه المنتج ممدوح الليثي حين رفض أن يقوم ببطولة فيلم “الكرنك” مع سعاد حسنى لأنه “واد أسود”، لتسود الدنيا أمام عينيه، ويقبل على الانتحار وقتها ويقوم بتمزيق شرايينه.
حتى إتقانه لعمله كان يعود عليه بالآلام والمشكلات؛ حين يتقمص الأدوار والشخصيات التي يؤديها دون أن ينفصل عنها في حياته الشخصية، فيشعر بآلام شديدة في عينيه؛ بعد أن جسد دور طه حسين في مسلسل "الأيام"، بينما ينام بملابسه ويتركها بلا مكواة أو غسيل ليجسد دور المحامي الفاسد في "ضد الحكومة"، ويعتذر كثيرا لإحدى السيدات التي صافحها دون اهتمام قبل أن يكتشف أنه كان يتقمص شخصية "السادات"، ثم يطلب من المنتج عماد الدين أديب في أواخر أيامه أن يصور جنازته الشخصية، ويضعها في فيلم "حليم"، مؤكدا له أنها ستكون قريبة الشبه من جنازة عبد الحليم حافظ.
وبين الجدران المغلقة، عانى أحمد زكي الوحدة في حياته الشخصية؛ ليقيم وحيدا في أحد الفنادق الكبرى حتى يجد من يخدمه، لينصرف عنه الأصدقاء والمعارف ليلا، بينما يتجرع وحده مرارة الفراق والعزلة، ويشرب الخمر بإدمان شديد لينسى آلامه وأحزانه الشخصية التي أبت أن تتركه مهما شرب.
كان إنسانا حاد المزاج، عصبي لأقصى الحدود؛ لكنه يحمل قلب طفل لا يبحث عن سعادته بقدر ما يبحث عن إسعاد الآخرين، فيضع النقود ليلا على صناديق القمامة ويختبئ في سيارته ليرى فرحة الفقراء وهم يأتون للقمامة بحثا عن الطعام؛ فإذا بهم يجدون رزقا خفيا لا يعلمون مصدره، بجانب حرصه على تحقيق الأمنيات البسيطة للعاملين معه؛ فيعطي التمرجي الخاص به أموالا كثيرة ليحقق حلمه بعمل عمرة، ويتبرع للفنان الشاب الراحل عبد الله محمود بثلاثين ألف جنيه حتى يتعالج من مرض السرطان متمنيا له الشفاء، ومتناسيا أنه هو الآخر مريضا به.
وفي مرحلة الغُسل.. أكد الشخص الذي قام بهذه المهمة أن الراحل أحمد زكي كان يرقد في سكينة وهدوء، وعلى وجهه ابتسامة لا أحد يعرف سر مصدرها.. أهي سخرية من الحياة بكل ما فيها من آلام وعذاب تحملها طوال سنوات عمره حتى وهو في أوج شهرته ونجوميته؟ أم سعادة بالذهاب لعالم آخر خالٍ من كل هذه الهموم والآلام؟!
رحم الله أحمد زكي بكل ما له وعليه، وليتنا نتذكر جميعا نعمة أن يكون الإنسان مغمورا بلا مال وفير، وسيارة أحدث موديل، وأضواء شهرة تسلط عليه، وله معجبين يلاحقوه، إذا كان المقابل أن يتمتع براحة البال.
اقرأ أيضا:
ياسمين رئيس ترقص بعفوية في زفاف شام ابنة أصالة (فيديو)
ذكرى وفاة أحمد زكي- حلم لم يتمكن من تحقيقه ... مشروع ضخم يشارك فيه كل كتاب ومخرجين مصر
تامر حسني يمازح جمهور حفله: في واحد بيبوس هنا
كريم عبد العزيز في برنامج "الدوم" : صوتي رايح اعتبروني أحمد مكي (فيديو)
لا يفوتك: أحمد نادر يحدثكم عن مشروع محمد عدوية الغنائي ويحلل أحدث أعماله "استضعفوني" وعلاقتها بـ "تقدر تطير"
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/36husBt
آب ستور|https://apple.co/3sZI7oJ
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3LRWFz5