يقف ويجز أمام آلاف الشباب في بوليفارد الرياض ، يغني "البخت" ويهتفون وراءة : "عارفني صعب ومش مفهوم .. كلامي دبش أو مش موزون" .
يعبر ويجز عن جيل "ألفا"، الإسم الذي اتفق عليه علماء الاجتماع في تصنيف مواليد الألفية الحالية، هو جيل نشأ وسط تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية عنيفة على مدار العشرية الأخيرة، ويمتلك كافة وسائل الاتصال الرقمية منذ طفولته، ولهذا وعلى عكس الأجيال السابقة التي صنعت أيقوناتها وفقًا لعُرف المجتمع والسلطة الأسرية، فالمختلف في جيل "ألفا" أن هواتفهم المحمولة وحساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي التي صنعت أيقوناتهم وأبطالهم وشكلت ذائقتهم.
لا تعتبر هذه المقدمة تمهيدا لحرب أجيال في السطور التالية، الحقيقة أنني أسعى لأفهم معك ماهو أعمق من بدلة "ويجز" الغريبة التي وصفها الكثيرون ببدلة فطوطة !
هل الإطلالة الغريبة لـ"ويجز" في حفل الرياض محاولة "واعية" للتمرد وطرح أفكار يفهمها "الرابر" القادم من حي "الورديان" بالإسكندرية ؟ أم هي مجرد تقليعة هدفها احتلال عرش "التريند" لأيام ؟
لاشيء يدعو للضحك
وسط الحديث "الصحفي" الدائر عن سعر إطلالة ويجز وبدلته، لم يذهب أحد لما هو أبعد من ذلك، لفهم سبب ارتداء هذه الإطلالة والهدف منه، صحيح أن ثقافتنا العامة في مجال الموضة محدودة جدًا ، أكثرنا إهتماما بالكاد سيعرف أسماء أشهر المصممين، و أهم العلامات التجارية ، ومجموعات المواسم المختلفة التي تطرحها بيوت الأزياء.
هذا جيد وربما ليس مطلوبًا من الجميع أن يتخصص في الموضة، ولكن هل ندرك نحن أو يدرك "ويجز" نفسه أن بدلته الغريبة التي صممها دار أزياء "فالنتينو" هي واحدة من منتجات تهدف لنشر ثقافة "اللاجنسانية" الهادفة لطمس الخط الفاصل بين الهويتين الذكورية والأنثوية ؟!
بالمناسبة إطلالة ويجز تحديدًا لم يتم طرحها عبر موقع بيت أزياء "فالنتينو" تحت تصنيف ملابس Unisex أو الأزياء الموجهة للجنسين ، هذه التصنيفات أصبحت قديمة ، وتجاوز مصمموا الأزياء الداعمين لهذا التوجه فكرة التصنيف الجنسي المعلن للملابس بل تمريره في خطوطهم وتصميماتهم .
نشر "ويجز" صورته بالبدلة "الخضراء" وتفاخر بأنها من تنسيقه الشخصي ، كما ظهر ببدلة أخرى أقرب إلى بيجامة حرير نسائية ، ببحث سريع في موقع "فالنتينو" ستكتشف أن نفس تصميمات بدلة ويجز المطروحة في القسم الرجالي ، تم طرحها في القسم النسائي مع تعديلات لا تبدوا واضحة على الإطلاق ، وهذا يطرح سؤالًا آخر من المفترض أن يجيب عليه ويجز نفسه : هل هو مدرك لفكرة طمس الهوية الجنسية في خطوط الموضة ويتبناها؟ وإذا كان مدركًا لهذه الفكرة فهل هو من المؤيدين لفكرة "اللاجنسانية" بشكل عام وتبعاتها اجتماعيا وإنسانيا؟
أسمع صوتًا يقول " كبرتوا الموضوع ياشباب". معك حق، ولكن دعني أعود معك للوراء قليلًا ، في عام 2008 طُرح فيلم وثائقي بعنوان "Valentino The Last Emperor" "فالنتينو الإمبراطور الأخير"، عن حياة مصمم الأزياء الإيطالي فالنتينو جارفاني وذلك بمناسبة اعتزاله .
تناول الفيلم فلسفة فالنتينو في الحياة ، ونشأته وطفولته ، كل العوامل التي حولت هذا المصمم إلى أسطورة خالدة ، ولكنه أيضًا تطرق إلى فلسفته في صناعة الموضة والتي كانت قائمة على أفكار رآها البعض مجنونة وقتها وعلى رأسها فكرة "اللاجنسانية" ، كل الصورة النمطية المطروحة عن مصممي الأزياء في الإعلام والفن تمس دائمًا هوياتهم الجنسية حتى أن الأمر أصبح مبتذلًا ، ويفسر البعض ذلك بحالة التوحد التي قد يعيشها مصمم رجل مع جسد المرآة وتفاصيله كوسيلة للإبداع والمكسب أيضًا، هذا ليس موضوعنا ولكنه مبرر أساسي للعلاقة المستترة بين رأس المال ومصممي الأزياء .
نحو عالم جديد بلا هوية "جنسية"
وفقا لتقرير نشرته مجلة life فإن تاريخ الملابس "اللاجنسانية" أو بدأ في القرن السابع عشر ، في محاولة لخلق تصميمات أكثر ارتياحية وتحررا من اللباس "الفيكتوري" المعتمد بالأساس على التنورات الواسعة الثقيلة والفساتين المطرزة ، ومع بدء القرن التاسع عشر وتزايد نشاط المرأة العاملة كان هناك حاجة ماسة لإيجاد ملابس أكثر قدرة على التحمل لتزيد نشاط المرأة العاملة للمساواه بأداء الرجل فتغيرت أنواع الأقمشة، وسادت البناطيل والقمصان النسائية ، والمعاطف الثقيلة ، فأصبح للمرأة هويتين مظهريتين دائما، واحدة في العمل وأخرى في الحياة الخاصة، وهذا في حد ذاته مكلف ماديا وهو المطلوب .
هذه الخلفية التاريخية قد تساعدك بشكل أكبر على فهم التطور التالي ، وتحديدا في خمسينا القرن الماضي ، ظهرت مصطلحات مثل الصوابية السياسية، وحقوق المثليين، وتلاها الاعتراف بمجتماعت الـ LGBT ، حركات اعتنقتها مؤسسات حقوقية وفرضتها على حكومات دول كبرى، ثم تلقفتها الأنظمة الرأس مالية لتكسب من ورائها ماهو أكبر سواء في صناعة الإعلام أو الترفيه أو الموضة أو حتى صناعة "الجنس" وما يترتب عليها من تجارة واسعة لملابس وأدوات ومتطلبات أخرى أكثر من احتياجات الإنسان الطبيعي ذي الهوية الجنسية الواضحة .
في ثمانينات القرن الماضي بدأ هذا التيار في الترويج إعلاميا لصورة مجتمعات المستقبل التي لا تفرق بين الذكر والأنثى جنسيًا، واتسعت دائرة استغلال المشاهير خاصة المطربين والممثلين للترويج إلى أطروحاته حول النظام الإنساني الجديد.
ظهر نجم الروك "فريدي ميركوري" ليعلن عن ميوله الجنسية ، كان فريدي قد عبر عن هذه الميول بشكل غير مباشر بملابسه التي اندرجت وقتها تحت مسمى الأزياء الـ Unisex أو "اللاجنسانية".
في ذات الوقت بزغ نجم "برنس روجر" المطرب الأمريكي الشهير والذي اعتبره البعض رمز مجتمع الـ LGBT أو المعروف وقتها بمجتمع "مطموسي الهوية الجنسية" ، ظهر ذلك في استخدامه مساحيق التجميل بشكل مبالغ، وارتداء الملابس ذات التفاصيل الأنثوية الصارخة، حتى تكوينه الجسماني كان أقرب إلى أجساد عارضات الأزياء !
ضمت القائمة أسماء عديدة ، منها جورج مايكل وآخرين ، وجميعهم انتهوا نهايات مأساوية إما بالانتحار بسبب الإكتئاب أو بمضاعفات الإيدز أو الموت إثر جرعات مخدر زائدة .
لم يمثل موت هؤلاء "المفجع" صدمة لعالم يسعى لفرض تغيير لايتوافق مع الطبيعة البشرية -من وجهة نظري- ، بل استمرت مسيرة دعم "اللاجنسانية" عبر الأزياء ، وأصبحت البدلة الرجالية زيًا نسائيًا، والتنورات والشورتات القصيرة ملابس رجالية ، وهو ما عبر عنه الممثل بيلي بوتر بإطلالته "المقززة" في حفل جوائز الأوسكار عام 2019 ، ارتدى بيلي بدلة تصميمها لـ "كريستيان سيريانو" أشبه ببدلة رجالية من الأعلى وفستان من الأسفل ، من المؤسف والمضحك أيضًا أن تجتمع كل عُقد الأقليات والمضطهدين في شخص واحد ، رجل أسود ومثلي جنسيًا ومؤمن بطمس الهوية الجنسية في المظهر !
يفسر بيلي بورتر ذلك قائلًا: "أحببت الموضة منذ صغري ولكنني واجهت حدودا في التعبير عن نفسي من خلال ملابسي، لأنني رجل أسود ومثلي، وهذا يجعل ذكورتي حديث الجميع ، ترتدي النساء البناطيل يوميًا ولكن حين يرتدي رجلًا فستان تثار ضجة ".
لطالما وجدت الملابس "اللاجنسانية" مكانها في المشهد، وذلك رغم ارتفاع اسعارها، وهو مايفسر بالطبع سر ارتفاع سعر إطلالة ويجز الأخيرة التي بلغت مايقرب من 10 آلاف دولار تقريبا .
لمعرفة الأسعار الدقيقة لملابس ويجز في الرياض بالدولار والجنيه من هنا
ليس ارتفاع السعر فقط هو الأزمة بل أيضًا التصميمات المخصصة للأشخاص النحيفين جدا حيث تقول "جو باوليتي" كاتبة أصدرت العديد من المؤلفات عن الموضة والجنس: "يكمن الاختلاف في التمييز بين التصاميم التي تتحدى الحدود بين الجنسين، والتي غالبًا ما تكون على غرار عارضات ذوات المظهر اللاجنسي ، هذا الاختلاف قد يكون أقل تهديدا لتلك الحدود إذا كان جذابا وملفتا لو ارتداه زوجين من جنسين مختلفين .
تذكرت هذه الجملة وأنا أشاهد المقارنة التي أجراها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين بدلة وويجز وبدلة صديقته هدى المفتي ، الصورتان كاشفتان لمدى تشابه التصميم ، وكاشفتان أيضًا لثنائي وجد نفسه داعمًا ومروجًا للأزياء "اللاجنسانية" سواء بفهم أو بجهل .
ترويج للاجنسية أم جهل مؤسف؟
"ويجز" الذي اعترف في حواره مع المحاور الاماراتي "أنس بوخش" بأنه لايفكر ولا يخطط ولديه أربعة أشخاص يفكرون ويخططون له ، أغلب الظن أنه لا يفهم ولا يعرف طبيعة ما يرتديه ومايعبر عنه أو بمعنى أدق مايقدمونه له كي يرتديه.
"أحمد علي" إبن الورديان الذي لم يكمل تعليمه الجامعي ولم يتخرج من الجامعة الأمريكية – بالمناسبة- ، تقبل أن يتحول إلى mainstream من أجل مزيد من الإعلانات والشهرة والنجومية ، خلع ثياب "الرابر" وتلقفته عقول تدير هذا المشروع ، مستغلة حجم التأثير الكبير الذي حققه في وجدان ملايين الشباب والمراهقين ، لن أطرح كلامًا معادًا ومكررًا ومستهلكًا حول الفنان القدوة والنموذج ، فلا المشهد أصبح ملائمًا لذلك ، ولا الوعي الجمعي السائد بين جمهور "ويجز" سيسمح بمناقشة الفكرة أصلا.
ولكن السؤال المهم : هل بدلة ويجز "اللاجنسية" وفقًا لتصنيف صناع الموضة مجرد روشنة قبيحة من شاب مش فاهم ؟ أم فكرة يمررها من يديرون مشروع "ويجز" ومشاريع فنية أخرى كأحمد مالك مثلا ، ولا نعرف سببًا منطقيًا لدفعها دفعا نحو ما يدعى "العالمية" وتحويلها إلى أيقونة معبرة عن هوية جيل مصري جديد .