على عكس فيلم المخرجة نادين خان الأول "هرج ومرج" الذي كان مليئا بالشخصيات، جاء فيلمها الثاني "أبو صدام" مقتصرا على شخصيين رئيسيين فقط، هما محمد ممدوح وأحمد داش، لكن الصخب والواقعية كانا حاضرين في كليهما، وإن كان الأول لم يخل من الفانتازيا.
تعود نادين خان بعد أكثر من 8 سنوات إلى السينما، في فيلم ينتمي لنوعية أفلام الطريق، عن سائق تريلا يدعى أبو صدام "محمد ممدوح" يصعد لكابينة التريلا مجددا بعد سنوات عمل فيها سائق ميكروباص، بسبب ضربه لأحد السائقين.
وكعادة أفلام الطريق فإن اليوم أو الوقت الذي يشهد الرحلة فارق في حياة بطل أو أبطال العمل، ولم يكن اليوم فارقا فقط بل مدمرا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وقدمت المخرجة فيلم طريق يعتمد على الرجال عنصرا أساسيا، بينما تكون النساء عناصر مكملة للقصة الرئيسية، فالزوجة لم تظهر لا صورة ولا صوتا، بينما كان ظهور هديل حسن وزينة منصور في مشاهد معدودة لكنه قوي ومساهم في قصم ظهر البطل. وهذا الاختيار لم يكن تفضيلا فقط، لكنه واقع فرضته الحكاية التي تقدمها نادين خان مع السيناريست محمود عزت.
فرغم تصريحها أنها كانت ترغب في تقديم فيلم عن سائقي التريلا، فالفيلم جاء مهتما بقضية الذكورة أو أزماتها بمعنى أدق، تصادف أن بطل القصة يعمل سائق تريلا، وإن كان هيبة التريلا على الطريق وضخامة حجمها وهيبة سائقها أضفت عمقا على الفكرة التي يتناولها الفيلم.
بكلوز على عجلات التريلا وصوت "أبو صدام" العالي خلال محادثة هاتفية مع صاحب العمل، تدخل نادين، مشاهدي العمل مباشرة في أحداثه دون تمهيد، بينما تعطينا انطباعا أيضا عن شخصية حسن "أحمد داش" التباع الذي ينشغل بهاتفه وتصوير الفيديوهات والحديث مع الفتيات.
وجاء اختيار محمد ممدوح، الذي حصد جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ43، موفقا للغاية، ليس لقدراته التمثيلية فقط، ولكن لأن إمكانياته الجسمانية هي إحدى علامات الفحولة المترسخة في أذهان الكثيرين، ما يزيد من تعميق فكرة الذكورة والهيبة.
يرى أبو صدام نفسه أسطورة وملك الطريق ورجل تعشقه النساء، وجمعيها تنويعات لفكرة الإحساس العالي بالذكورة المترسخ داخله، لكنه لا يحترم الطريق ولا النساء ولا زملاء مهنته، وربما لا يقدر أحدا سوى نفسه.
والخدش البسيط في باب التريلا، الذي سلطت المخرجة الكاميرا عليه كثيرا، ومر عليه أبو صدام كثيرا بأصبعه، ما هو إلا ذلك الخدش الذي حدث لأسطورة ذكورته وإن كان منكرا لكل هذا.
ولذا فإن الرحلة لم تكن على الطريق بقدر أنها رحلة داخل أزمات أبو صدام، هذا الشخص الذي لم يغيره الطلاق أو فقد عمله أو حالة الكراهية من بعض السائقين، والذي اعتبر عودته لقيادة التريلا، بداية لعودة أسطورته، التي يحاول الترويج لها.
وليس مثال أوضح من ذلك، فحين قرر أن يتواضع ويحكي لتباعه عن إحدى قصصه الجنسية، فلم يحك قصة عادية، بل أضفى عليها جوا أسطوريا يليق بنظرته لنفسه، ورغم عدم وضوح أن القصة التي حكاها حقيقية أم لا، فقد بدى واضحا أنها مجرد خيال يعكس رغباته، وربما يؤكد ذلك ارتداؤه الملابس نفسها رغم أن هذا الحكاية مر عليها سنوات طويلة.
"أنا مابمدش ايدي إلا على حق.. لو مايعرفنيش خليه يسأل عني قوله أبو صدام".. هذه بعض الجمل الافتتاحية في فيلم أبو صدام، تعكس أيضا نظرته لنفسه، وهو أمر برع فيه السيناريست محمود عزت بخلق حوار معبر عن شخصيات العمل كأفضل ما يكون، وليس أبو صدام فقط.
المعاندة والعصبية والمكابرة والضرب هي سمات أساسية في أبو صدام، تعكس جميعها إحساس بذاته حين يتعامل مع من أضعف منه، بينما لا يتخلى عن صوته العالي وهو يتحدث عن نفسه مع من أقوى منه، وإن كان في صورة عتاب "يرضيك صبي المعلم غالب عاوزني احمل معاهم الخشب"، "يرضيك يا حاج إن أخوها مقويها عليا".
ليس أزمات فقد العمل والنزول من التريلا إلى الميكروباص، ولا الطلاق أو أزماته مع زوجته الجديدة لرغبته في فرض كلمته عليها، هي الخدوش الوحيدة لذكورة وأسطورة أبو صدام، بل يوجد جرح أعمق من ذلك وهو عدم الإنجاب، فينعكس ذلك في طريقته لممارسة الجنس، حتى مع الراقصة التي أعجبت به ولكنها لم تشعر السعادة.
لقد كانت عودة أبو صدام إلى التريلا فرصة، وزوجته الثانية فرصة، ومكالمته مع المعلم غالب فرصة، ولقائه بالراقصة كذلك، وتوقفيه بالكمين فرصة، لكي يعيد حساباته، لكن تغلبت نظرته وشعوره الوهمي بفحولته وذكورته وأسطورته على كل هذا، فتدمر كل شيء.
ورغم أن بعض الآراء كانت تميل إلى أن نهاية الفيلم لم توضح ما أل إليه وضع أبو صدام، فإن النهاية كانت واضحة بما يكفي، فقد تدمر كل شيء رغبة في أن يحافظ على أسطورة ذكورته الواهية.
وقد نجحت نادين خان في تقديم رؤيتها إخراجيا مع مدير التصوير عبد السلام موسى والمونتير باهر رشيد، واستغلوا الطبيعة جيدا على الطريق الدولي والساحل الشمالي في كسر الرتابة، وكذلك الاستراحات كعادة أفلام الطريق، وعبر جيدا السيناريست بالحوار عن شخصيات العمل، لكن تسليط الضوء أكثر من مرة على ذلك الخدش الذي في التريلا جاء مبالغا رغم وصول المعنى تماما، كذلك الاعتماد على صدفتين لدفع الأحداث.
كما أن اختيار فنانين معروفين ضيوف شرف في الفيلم مثل سيد رجب وعلي قاسم وعلي الطيب لم يضف للفيلم كثيرا، لكن ربما جاءت لأسباب دعائية.
اقرأ أيضا للكاتب:
سيكودراما "محمود ياسين".. بعيدا عن فخ التكرار والمبالغة
"حكيم" الدراما المصرية.. لسان الكاتب وتأكيد المعنى
خلي بالك من زيزي.. ألا تقودك "الصوابية السياسية"
"بين السما والأرض"... الخلاص بالاعتراف وأصحاب الغار
حمل آبلكيشن FilFan ... و(عيش وسط النجوم)
جوجل بلاي| https://bit.ly/3c7eHNk
آب ستور| https://apple.co/3cc0hvm
هواوي آب جاليري| https://bit.ly/3wSqoRC