عندما ذهبت للقاء الموسيقار ومنتج الموسيقى الهندي "أي. أر . رحمان" فكرت في شيئين ، الأول أنني إذا حضرت الندوة الحوارية التي تجمعه بالموسيقار هشام نزيه قبل لقائنا مباشرة ربما أُحبط لأنه بلا شك سيجيب على كثير من الأسئلة التي قد أنوي أطرحها ، ثانيًا أنني لا أملك سوى عشر دقائق فقط للجلوس معه منفردًا ، وفي جعبتي عشرات الأسئلة لصاحب جائزتي الأوسكار لأفضل أغنية أصلية وأفضل موسيقى تصويرية لفيلم عام 2009 .
يهتم نقاد السينما بهاتين الجائزتين ولكنهم يغفلون أيضًا الثمانية وعشرون جائزة المكتوبة باسمه ، على رأسها مثلا جائزة الـ"جرامي" عام 2010 ، وجائزة الـ"بافتا" ، وعشرات الجوائز الدولية والقارية التي تخرج بإنجاز الرجل من دائرة فيلم "المليونير المشرد" الذي كان بلاشك الباب الذي عبر منه إلى العالمية .
فضولي للأسف دفعني لحضور الندوة ولكنني غادرت بعد أقل من نصف ساعة بسبب حرارة الشمس ، وإيضًا مدير الندوة الذي جنب هشام نزيه المناقشة وقاد رحمان نحو منعطف معتاد يبدأ بسؤال عن شعوره بعد الفوز بالأوسكار - ليس وات أبوت يور أوسكار والحمد لله - ويستمر ليصل بنا إلى الحديث عن الطفولة والذكريات ، المهم أنني انتظرته خلف مسرح النافورة ، وكانت هناك طاولة في ركن بعيد هاديء معدة للقاء.
12 دقيقة مع الهندي المؤثر عالميًأ
"الله ركة رحمان " هذا هو الإسم الحقيقي الذي تم اختصاره إعلاميا إلى "إي أر رحمان" ، رجل لطيف ، متواضع ، هاديء ، لا يزعجك سوى تلك اللكنة الهندية الطاغية على إنجليزيته ، إذن سيد "الله ركة" اختارتك مجلة "التايم" كواحد من بين 100 شخصية مؤثرة في العالم .. هل التأثير هنا لسحر الموسيقى أم لما فعله الساحر بهذه الموسيقى ؟
يدهشني أن الإجابة كانت جاهزة : بالطبع الموسيقى ، هي الأساس ، ثم يأتي بعدها ما صنعته منها وهذا مزيج من أشياء عديدة ، دعني أقول لك شيئا .. هذه الموسيقى هي وليدة المجتمع والحياة والطفولة والمواقف اليومية في الشارع والبيت وإلى آخره ، هذه العناصر هي التي صنعت التأثير ، لهذا ربما أكون مؤثرًا لأنني تأثرت بكل ماسبق .
الموسيقى الهندية "سر" ليست ذوقي الشخصي ولكنها تأسر العالم ، ايقاعات الطبول الصاخبة، وخطوط الوتريات التي تصرخ في خلفية مشهد سينمائي راقص ، خلطة جعلت الموسيقى الهندية لونًا مصنف عالميًا وله هويته وجمهوره ، هل كان السر في احتفظها بنكهتها التراثية التي حافظت على هويتها الثابته ؟
هنا يقول رحماني : لا أعتقد أن الجزء التراثي في موسيقانا هو سر الإنتشار ، الفكرة أن موسيقانا قٌدمت للعالم بشكل كرنفالي إرتبط بالسينما والاستعراض ، فأصبح لدى المشاهد في إفريقيا وأوروبا وأمريكا نفس الإنطباع ، صورة ذهنية ربطت بين الموسيقى والكرنفال والإيقاعات التي تحدثت عنها ، لهذا أعتقد أن السينما هي التي جعلت الموسيقى الهندية منتشرة عالميا .
قد تبدو وجهة نظر حقيقية خاصة وأن السينما الهندية بدأت تتخلى عن هذه الصورة الكرنفالية الآن وهو ما انعكس عن معرفتنا بالموسيقى الهندية الحديثة .. ألا تتفق معي ؟
يرد رحمان بثقة : قد لا أتفق معك ، الموسيقى الهندية الحديثة أصبحت أكثر تلاحما مع الموسيقات الأخرى ، لدي تجربة قدمتها في معرض إكسبو دبي 2020 ، لقد أتينا بمقطوعة "المارش التركي" لموتسارت وقدمناها بتوزيع موسيقى إعتمد على الآلات الموسيقية الهندية مع الالات الكلاسيكية التي عزفتها أوركسترا "الفردوس" ، بالإضافة الى تقديم مقطوعات غنائية هندية بموسيقى أوركسترالية كل هذا دليل أن الموسيقى الهندية تتطور وتتلاحم مع موسيقات أخرى .
تراث طويل بين الموسيقى الهندية والمصرية
حديثه عن تزاوج الموسيقات كان مدخلًا مناسبا للحديث عن التشابهات الرئيسية بين الموسيقى الهندية والمصرية ، فهو وكما قال يرى أنهما ينتميان لحضارتين قديمتين ، هذه بداية زرعت بذور التشابهات الأخرى ، منها مثلا نهضة صناعة السينما في الهند ومصر منذ أكثر من قرن ، لدينا بلدين يملكان صناعة سينما ودراما ، وموسيقى ، وثقافة ، ووراء كل ذلك تراث عريق ، هناك بلا شك عوامل مشتركة بين الثقافة المصرية والهندية .
إذن دعني أسألك عن موسيقانا المصرية .. هل تسمعها ؟
رد بحسم : أحيانا ولكن ليس دائما .
وما رأيك فيها ؟
هنا صمت لثواني ثم قال : الحقيقة أن الموسيقى المصرية بالتأكيد تطورت ، ما سمعته كان يعبر عن تطور ولكنه مفقود الهوية ، هناك خليط من موسيقات لاتينية وهندية وخليجية وغربية ، أتفهم أن اللهجة المصرية تستوعب كل هذا وأن هناك موسيقيون يسعون للتطور ولكن أخشى أن يكون ذلك على حساب الهوية .
إذن ربما نحن مشغولون بالوصول للعالمية دون الإستناد إلى موروث محلي قوي ومتطور .. هل تقصد ذلك ؟
يوضح بدقة : لا أعرف تحديدًا ولكن موسيقاكم الكلاسيكية القديمة واضحة الهوية متفردة ، بمجرد سماعها أعرف انها مصرية دون انتظار اللغة المصاحبة.
مكالمة وحيدة مع "آمال ماهر" .. ولايعرف صاحب "لعبت مع الأسد"!
من تسمع او تعرف من المطربين المصريين ؟
أعرف عمرو "حبيبي حبيبي" - يقصد عمرو دياب- هو معروف لدينا بكلمى "حبيبي" المنتشرة في أغانيه ، شاهدت حفله في إكسبوا دبي ، وهو مذهل على المسرح فعلا ، ولديه رصيد كبير من الأغاني المعروفة في كافة أنحاء العالم .
الدقائق تمضي بسرعه .. والحقيقة أنني لدي سؤال أنتظر إجابته منذ عامين تقريبًا .. لماذا تعاون "أي أر رحماني" مع صوتين مصريين فقط هما آمال ماهر و عمرو مصطفى ، آمال في ألبوم "أصل الإحساس" بأغنية تحمل نفس الإسم ، أما مع عمرو مصطفى فوزع رحمان عدة أغنيات ضمن ألبوم "لعبت مع الأسد" ولكنه فاجأني بكواليس هذا التعاون وتفاصيله .
قال رحمان : بخصوص آمال ماهر ، تواصل معي منتج الألبوم وهو شخصية شهيرة في الخليج العربي ، وعرض علي توزيع أغنية لها، وهي تحدثت معي في الهاتف مرة أو مرتين على ما أذكر ، وأعجبت باللحن الذي أرسلوه لي وقمت بتوزيعه وأرسلت تسجيل الآلات "السينشز" لتغني عليه واكلموا بقية التفاصيل الفنية ، أما عمرو مصطفى فلا أعرفه في الحقيقة ولم نلتق أو نتحدث هاتفيا حتى ، تواصل معي أيضًا مفوضين من نفس المنتج وأرسلو لي الألحان ووزعتها ولم أكن أعرف حقيقة من سيغنيها وسمعتها فقط بعد تسجيلها بصوته.