يعتبر سؤال التجديد أهم الأمور التي يطرحها المستمع العربي والمتتبع لمستجدات الموسيقى. فالفنان دائما ما يجد نفسه بين مطرقة المتحول وسندان الثابت. فهو يرغب في مواكبة التحول والتطور الحاصل في سوق الغناء من جهة و في الحافظ على النجاح والهوية الفنية الخاصة به من جهة أخرى، في هذا المقال سأستعرض أهم التطورات التي حدثت في مجال الموسيقى العربية الحديثة منطلقا من تجربة عمرو دياب بكونه رائدا لها.
ما بعد اكشافات كريستوفر كولومبوس
قبل أن أبدأ، سأطرح السؤال التالي : هل يمكن أن ننبهر اليوم إذا سافر شخص من أوروبا إلى أمريكا؟ بالطبع لا. فالأمر صار عاديا منذ أن اكتشف كريستوف كولومبس هذه القارة (طبعا هنا اتبع الرواية المعروفة ولن أدخل في التفاصيل التاريخية). هذا المثال ينطبق على عمرو دياب تماما. فقبل ثلاثين سنة كان أي انجاز أو اختراع موسيقي في الوطن العربي مبهرا. وهذا راجع لرتابة العمل الفني العربي المنحصر بعد حقبة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ في البحث عن بديل يملأ فراغ المرحلة الانتقالية. وكل ما كان مطلوبا آنذاك هو صوت طربي ولحن شجي وموسيقى شرقية. طبعا كانت هناك أشكال اعتبرت هامشية كاللون الشعبي وفرق الروك المستقلة المنغمسة في تعريب التجارب الغربية.
نرشح لك : مذكرات الهضبة 1 - عمرو دياب يكتب عن "أسطورة" عبد الحليم حافظ
في خضم كل هذا ومن بين مجموعة من التجارب المحتشمة، خرج عمرو دياب فبحث عن التجديد. ولعل فيلم "ايس كريم في جليم" ، صور بقوة هذا البحث الوجودي عن التميز والتفرد. فبعد محاولة الانتشار ("ميال") لم يرض هو بالشهرة فقط. فنزل ب"ويلوموني" كتطعيم للمستمع العربي ليتلقى صدمة "نور العين" فتتوالى الصدمات الواحدة تلو الأخرى. فالفلامنكو تلاه اللاتن بوب ثم التكنو ثم الأرن بي ثم الهاوس. ولغاية 2007، كان مجال الانبهار كبيرا. فعمرو دياب كان يسبق الآخرين بسنوات. فكلما لحقوه إلى نوع، جاء هو بنوع جديد. ورغم تشبث غيره بالشرقي، كانت ألبومات ك"أكثر واحد" أو "علم قلبي" تحتوي على أغنية واحدة بالنفحة الشرقية الخالصة.
لكن بعد 2007 وألبوم "الليلادي"، اختلط الحابل بالنابل. فتدرب الموزعون العرب على خوض التجارب الغربية واستخدامها مع المغنيين الآخرين من القدامى (عاصي الحلاني و راغب علامة ووائل كفوري) والجدد (نانسي عجرم وإليسا وتامر حسني ومحمد حماقي). فصار الكل يمتلك وصفة الإنتاج الغربي حتى ولو استخدم تقنية المحاكاة والاستلهام.
وهنا لم يعد عمرو دياب هو السباق لكل شيء. كما لم يعد السفر لأمريكا حكرا على المستكشفين. فمثلا سنجد أن سعد المجرد أول من استخدم الفيوتشر باس و فريق الفناير المغربي أول من استخدم موسيقى الزومبا و كذلك هناك من سبق عمرو دياب لاستخدام التروبكال هاوس والتراب. وطبعا فإن نسبة الانبهار عند المستمع العربي ستقل. والسبب بسيط : لأن الكل أصبح يقدم موسيقى بنكهة غربية. فكيف سيتميز الهضبة الآن؟
سر الخلطة الديابية أو "الرؤية الفنية"
التاريخ يعيد نفسه بطريقة عكسية. ففي زمن الشرقي الطاغي تميز عمرو دياب بالتجارب الغربية. الآن في زمن الغربي سيتميز هو بالشرقي. لكن ليس كما يعتقد البعض. نتذكر هنا تجربة "ويلوموني" التي هي الآن أغنية من روائع عمرو دياب. لكن في زمنها لم تحمل عنوان الاكتمال الفني وهذا باعتراف عمرو دياب نفسه. لكنها كانت مهمة، فبعدها أصبح عمرو دياب أحد أهم مغنيي موسيقى العالم و الفيوجن. فهو فهم أن دوره ليس استخدام الموسيقى الغربية فقط. وهو أمر لن ينجح أبدا، بل سيكون مسخا ونسخا.
فدور عمرو دياب الحقيقي لم يكن فقط إدخال كم هائل من الأنواع الجديدة، لكنه امتلك وصفة النجاح التي استطاع بها انتاج موسيقى تجمع الغربي والشرقي بل وتجمع موسيقى منطقة البحر الأبيض المتوسط بشساعتها في الألبوم الواحد وأحيانا في نفس الأغنية. فمن السهل الآن أن يبحث موزع عن موسيقى من العالم ويوظفها في أغنية. لكن من الصعب أن يضع فيها اللمسة المحلية التي ستجعلها تعيش. وهذا ما قدمه عمرو دياب. فتجارب الدمج عنده متعددة وكذلك فكرة تطويع الإيقاعات.
نرشح لك - هاني شنودة يكتب : إبني عمرو دياب
المقصود هنا هو ذلك الاستخدام البوب للإيقاعات التقليدية الشرقية و الخليجية والمغاربية. فقد استعان مثلا بالموزع الكويتي فهد لكونه يجيد استخدام إيقاعات منطقته وكذلك موسيقى الآرن بي. فحصلنا على ثلاث أساطير موسيقية في ألبوم "علم قلبي" على يده. فقد استخدم إيقاع الرومبا الخليجي في علم قلبي بطريقة خفية تسمع منها الردود فقط في خلفية الموسيقى الإلكترو والآرن بي. واستخدم إيقاع الطنبورة الراقص بنفس الطريقة في "ياكنزي" ليدمج العديد من الثقافات الموسيقية في عبقرية توزيعية (فانك و روك و نيو جاك سوينج وخليجي). أما في أغنية "إنت ماقلتش ليه" فكان الدور على فن الليوة الذي زاده فهد جمالية باستخدام آلة نفخ خاصة بثقافته هي مزمار الهبان الذي يلامس صوته صوت المزمار الاسكتلندي الشهير.
من جهته هاني يعقوب لم يكن أقل جرأة بحيث أنجز توزيعا موسيقيا قمة في الإبداع دمج فيه الآرن بي دائما لكن مع كمنجات شرقية العزف؛ كل هذا لم يكن كافيا بل المفاجأة كانت في استخدام إيقاع التشاتشاتشا الكوبي بأدوات الآرن بي وسيظهر بوضوح في الفاصل الطويل في الأغنية مع الكمنجات. الحديث هنا عن "أنا عايش". في نفس الألبوم نجد كذلك القباحي المغاربي بدربوكته في "لو عشقاني". ألبوم "ليلي نهاري" هو كذلك أعطانا عدة أمثلة مع الموزع نادر حمدي. فقد استخدم الأيوبي في "خذ قلبي معاه" و "إلا هي" و الملفوف في "دايما في بالي" وهذا لطواعيتهما في الأغاني السريعة, لكن ما يثير الاستغراب هو استخدام الإيقاع الصعيدي في "ريحة الحبايب" بشكل خفي ومدروس جدا.
تطويع الإيقاع
التجارب الموسيقية استمرت بعد ذلك ولو بتواريخ متباعدة. فمثلا "لفتها بلاد" استخدمت إيقاعا عراقيا يُعرف بالهيوا مع استخدام آلة الخشبة الشهيرة في الشام و الخليج وذلك مع إيقاع الديم بوو الخاص بالريجيتون. أما في 2016، فقد أعاد استخدام الأيوبي بحرفية مع أسامة الهندي في "رسمها". و في "ماقدرش ع النسيان" لجأ إلى الرومبا الخليجي مرة أخرى بطريقة أوضح لإضافة روح الموسيقى الخليجية.
ابن حميد الشاعري هو كذلك أبدع تحت قيادة الهضبة في استخدام الإيقاع المرسكاوي في قالب الإلكتروبوب ("ملاك الحسن"). وفي تجارب أحدث كذلك، قام بتطويع الإيقاع الصعيدي ودائما مع أسامة الهندي في أغنية تراب Trap : "أول يوم في البعد". ولكي لا ننسى طارق مدكور رفيق درب الميجاستار فقد كانت له تجربة حديثة في أغنية "تحيرك" التي تميل إلى موسيقى الSurf Pop، ولكن المفاجئ هو أن البناء الإيقاعي فيها جاء على الإيقاع الإماراتي، أما عادل حقي فقد كانت له تجربة في "يادلعو" بدمج الديم بوو مع الملفوف والإيقاع الخبيتي والرومبا الخليجية.
وبهذا يكون عمرو دياب فعلا أبا لموسيقى البحر المتوسط بإيقاعاتها وموسيقاها وثقافتها؛ بل ومثالا حيا لموسيقى الفيوجن.
هذا لم يمنعه من تقديم أنواع جديدة. ومع الأسف، هذا لن يظهر بالنظر للاستسهال الغريب الذي يمارسه المستمع العربي. فبالنسبة لهذا الأخير فإن الريجيتون ("روحي مرتحالك" و"هلا هلا"...) والدانسهول ("الله لايحرمني منك" و "جانا"...) والتروبيبوب ("جماله") والزومبا ("أحلى وأحلى" و "لالا") والسبانيش ريجيه ("رسمها"...) هم أمر واحد. وأن الترانس ("عيني وانا شايفه" و "جرالي إيه"...) والهاوس ("نقول إيه" و "وياه"...) والتكنو ("ولا على باله"...) واليورودانس ("تعالي") و الإلكتروبوب ("ملاك الحسن") كذلك أمر واحد! فما بالنا بفروع نفس النوع الموسيقي. فعمرو دياب مثلا قدم أهم فروع الهاوس في مشواره (ديب هاوس وتريبال هاوس ولاتن هاوس وفلامنكو هاوس و فيوتشر هاوس وتروبكال هاوس وجاراج هاوس و الكترو هاوس). وكذلك أهم فروع الروك وأبحر في محيط موسيقى أمريكا اللاتينية.
وأخيرا فإن التجديد الموسيقي يمكن أن يُلخص في ثلاث طرق : الأول هو تقديم نوع موسيقي جديد تماما على المستمع العربي، والثاني هو دمج جديد لعدة أنواع موسيقية، والثالث هو إعادة تقديم نوع قديم بشكل جديد. وهو ما نجح الهضبة في تقديمه.
كذب المنجمون
"هذه الأغنية لن تعيش". لطالما سمعنا هذه الجملة الغريبة من نوعها. وقد قيلت في حق "نور العين" و "علم قلبي" و"كمل كلامك" و "بناديك تعالى"... وتُقال اليوم كذلك. فكيف يحكم هؤلاء على أغنية عمرها شهر أو سنة إذا كانت ستعيش أما لا؟ بأي معيار يحكمون؟ طبعا يعتمدون على انطباعاتهم اللحظية والعاطفية. فالمنطق ليس زميل التسرع.
عمرو دياب هو فنان فريد من نوعه في العالم. لسبب بسيط. لأنه واحد من الفنانين الأكثر غزارة من حيث الانتاج الموسيقي. وهذا باستمرارية رهيبة. فمن يتابع فعلا وبجدية ما يحدث في عالم الغناء سيجد أن جيل عمرو دياب من فناني العالم لم يعودوا كما في السابق. فلا مادونا تبهر ولا برايان ادامس ولا سيلين ديون ولا ستينج ولا بوب ديلان ولا ماريا كاري ولا مجموعات الروك الشهيرة من سكوربيونز وايروسميث وبون جوفي. حتى انتاجاتهم لم تعد بتلك الغزارة. ولاتحقق الكثير من الإشعاع بلغة العصر. بل هذا يمس حتى مغنيين كإنريكي إجليسياس ومارك أنطوني وجينفر لوبيز وبريتني سبيرس. وهنا أسأل المستمع العربي : ماهي آخر أغنية لهؤلاء أبهرت العالم ؟ بل إن البعض يلجأ لفكرة الديو لكي يعيش.
من جهة أخرى ألا يرى المستمع العربي الذي يطالب عمرو دياب بتجديد غير مفهوم أن مغنيي العالم قد عادوا إلى أصول الموسيقى. فأنواع كالديسكو والفولك والسانث بوب والراب القديم عادت لتكتسح الساحة في ألبومات 2020 و 2021 (ألبومات كل من ليدي جاجا و تايلور سويفت ودوا ليبا وذا ويكند وجاستن بيبر ...).
وقد برهن عمرو دياب في كل مرة صحة رؤيته الفنية، وانتصر على منتقديم من النقاد الذين شككوا في مدى مصداقية تجربته الفنية ومدى قدرته على الاستمرار.
الجدل والمواكبة والجودة
مرو دياب من أكثر المغنيين العرب إثارة للجدل. وشهدت كل مرحلة من مشواره جدلا جديدا. فهو الذي تراقص على المسرح بلبس رياضي في زمن البذل وهو من غير اللوك مع نزول كل ألبوم لتزداد الجرأة في كل مرة؛ من الشعر الطويل، للشعر المصبوغ، للقصات الغريبة مرورا بإبراز العضلات والظهور بدون قميص... وهو من غير الموسيقى في زمن الرتابة، وهو من غير فكرة الكليبات العربية وما إلى ذلك. وصولا إلى جدل جديد مبني على كلمات أغانيه. "برج الحوت"؛ "فتفتو الفتافيت"؛ "مندل"؛ "قدام مرايتها"؛ "قاعد سهران"؛ "تتباس" ... وغيرها من الجمل التي شكلت موضوعا مثيرا للمواقع والمستمعين. لكن منتقدي هذا الشكل الجديد هم أنفسهم من انبهروا بكلمات "بالبنط العريض" لحسين الجسمي مثلا.
وهنا يجب توضيح أمر مهم هو الفرق بين مواكبة تطورات العصر والانحذار. فعمرو دياب يمارس دائما هواية المواكبة. فمن الصعب جدا أن تنتج باستمرار كمغني بوب معتمدا على موضوع العلاقة الأبدية بين الرجل والمرأة. وهذا ما يدفع عمرو دياب إلى البحث عن الجملة الجديدة والمفردات المبتكرة والمواقف المعبرة. لكن ما يغفله المستمع أن ما يقدمه الهضبة هو منتج متنوع : أغنية درامية بموضوع عميق وقوي؛ أغنية سريعة بكوبليهات قليلة؛ أغنية تعبر عن مشهد ما؛ أغنية عن السخرية و"قصف الجبهة".
لكن المستمع يرغب دائما بالكلمات القوية في كل الأغاني. فهل كلمات "ليلي نهاري" أو "نور العين" أو "ولا على باله" أو حتى "عودوني" كانت بمستوى الاكتمال الذي يتحدث عنه المستمع حاليا؟ طبعا لا. لأن القصد هنا ليس قوة الكلمات لكن مناسبتها لروح الأغنية ككل. ومن جهة أخرى فإن من يستنكر تكرار عمرو للكلمات في نفس الأغنية ربما يدير ظهره للواقع. فالغناء نفسه مبني على التكرار. فالمدرسون يعتمدون على الغناء لتحفيظ تلامذتهم أحيانا. فأم كلثوم وعبد الحليم و عمرو دياب نفسه في بداياته (ك"ميال" مثلا) والمغنيون الأجانب كلهم اعتمدوا على التكرار. وعلى قولة الزعيم عادل إمام " ما عبدالحليم طول اليوم يقول قولوله قولوله اشمعنا أنا".
نعلم جيدا دور الفنان عمرو دياب في تصحيح مسار الفنانين العرب الجدد. فهو من ينير طريقهم في استخدام الأنواع الجديدة وأحيانا حتى الآلات (البزق والبوزوكي والساز و الجمبش مثلا). الآن جاء الدور على مغنيي المهرجانات. فهو يظهر لهم بمعية شعراء مهمين الفرق بين الكلمة الجديدة المسموعة والكلمة السوقية. وهذا التأثير الإيجابي صرنا نلمسه رويدا رويدا.
ما بعد 2008
تحدثت أن هذا التاريخ كان مفصليا، فبعده صار الكل ينتج موسيقى بلمسة غربية واضحة. وذكرت كذلك أن عمرو دياب استمر في إدخال أنواع وفروع جديدة للموسيقى العربية. لكن الجميل، أنه استمر في النجاح بلغة العصر. فبعد فترة السيطرة على مبيعات الكاسيت وجوائز كالأسطوانة البلاتينية والوورلد ميوزك دخل مرحلة جديدة. فسيطرت ألبوماته على مواقع ومنصات جديدة كالأيتونز وأنغامي وسبوتيفاي وديزر و دخل إلى قوائم البيلبورد العالمية.
هذا دون أن ننسى اهتمام المواقع والقنوات الأجنبية (كموقع البيلبورد والقناة الفرنسية TV5). و كذلك اختيار دي جي عالمي كمارشميلو الاشتغال معه من دون المغنيين العرب. هذا إن دل على شيء فهو يدل على استمرارية النجاح المبهر. وهذا مع التذكير بالرقم القياسي الذي أدخله لموسوعة جينيس والأربع جوائز التي حصل عليها في يوم واحد ضمن فعاليات الوورلد ميوزك أوورد 2014.
ومن جهة أخرى وضع صورته، وحيدا، على أهم ساحات نيويورك و تعاقد نتفليكس معه من أجل مسلسل جديد. وهذه كلها انجازات عجز عنها نجوم الجيل الجديد.
وحتى على مستوى اليوتيوب - ونعرف جيدا المشاكل التي تعرضت لها قناة عمرو دياب- فمجموع مشاهداته السنوية هي الأكبر عربيا وكذلك فهو يحقق أهم الأرقام عربيا على التريند العالمي ويكفي كذلك أن أغنية "بحبك أنا" حصلت على المركز ال16 على البيلبورد في تصنيف اليوتيوب. قائمة ضمت أغنية ديسباسيتو. دون أن ننسى أنه أول من حصل على الدرع الذهبي.
هناك أيضا من يطرح فكرة أن أغاني عمرو دياب لم تعد تترجم. لكن ما أدرانا بذلك وهل قبل برنامج "الحلم" كنا نعرف كل الأغاني المترجمة لعمرو؟ فهل نحن نتابع موسيقى أذربيجان و اليونان وقبرص ورومانيا وروسيا وبيلاروسيا و كرواتيا و غيرها من الدول؟ طبعا لا. فكيف لنا أن نعلم أو نجزم. وفي انتظار جزء ثان لبرنامج "الحلم"، فلا يسعنا سوى السكوت.
طائر الفينيق المتجدد
غالبا ما نسمع عبارة " عمرو دياب فنان ذكي"، وهي فكرة صحيحة. فهو على مدى مراحل متفرقة من مشواره، استطاع أن يستفيد من التجارب التي يمر بها وهذا منذ بدايته. فبعد تجربة الأغاني المتأثرة بالمواضيع الجدية والموسيقى الغربية في "يا طريق"، انتقل لموسيقى تلمس المستمع كمغني بوب مصري. وكانت تجربة ملاهي شارع الهرم مهمة كما يقول هو، فقد عرف حينها معنى الhit، ومعنى أن تواكب وتلامس أذواق شريحة مختلفة من المستمعين، ومعنى أن تكون مطلوبا.
فطن بعدها أن الفنان يجب أن يختفي وراء عمله الفني، وألا يجيب الآخر إلا به. وهي فكرة عميقة نجدها كذلك عند كبار الكتاب الذين يتبنون هذا المبدأ (كميلان كونديرا و موريس بلانشو). وبهذا صار عمرو دياب مقلا من حيث الظهور الرسمي. كذلك فإنه عرف ضرورة تواجده في أي شيء قد يخدُم تجربته الموسيقية، فكانت السينما ملاذه مقدما ثلاث تجارب سينمائية مهمة؛ أولها واحد من أشهر أفلام الأطفال في الوطن العربي (العفاريت)، وآخر يُعتبر من أهم الأفلام الغنائية المصرية (آيس كريم في جليم). بالإضافة لتجربة مهمة بالنسبة إليه جمعته بالأسطورة عمر الشريف (ضحك ولعب وجد وحب). ولأنه رأى أن السينما لن تقدم له جديدا اتجه للفيديو كليب. وهو ما نجح فيه في تجارب "راجعين" و"نور العين" و"عودوني" و"تملي معاك" على سبيل المثال.
سنجد كذلك أن الهضبة اختار توقيتا مناسبا في كل مرة لتغيير الشركة المنتجة. وحتى طريقة إصدار الألبوم تغيرت. وبالرغم من أن البعض يرى أن نزول الألبوم على شكل أغاني منفردة يُؤثر على المنتج الفني، لكنها وبمنطق السوق تمكن للفنان من الاستمرار في الإنتاج وتوفير الموارد المالية ليشتغل مع كبار الشعراء والملحنين والموزعين والعازفين.
اقرأ أيضًا :