طرحت شبكة "نتفليكس" منذ أسابيع قليلة فيلم "تشرنوبل 1986" من بطولة وإخراج دانييلا كازلوفسكي، أوكسانا أكينشينا، فيليب أفديف .
الفيلم نال تقييما ضعيفا على موقع IMDb حيث حقق 5.1 نقطة في صدمة كبيرة لصناع العمل اللذين حاولوا تقديم رواية "روسية" للحادث الشهير ، وذلك ردا على مسلسل "تشرنوبل" الذي عرضته شبكة HBO عام 2019 ، وحقق نجاحًا كبيرًا وقتها .
إقرأ للكاتب : روبي وإعادة اختراع "العجلة"!
المسلسل القصير الذي انتجته أمريكا وبريطانيا قدم رؤية سياسية وفنية مشحونة بالاتهامات للنظام السوفيتي السابق، أبرزها التكتم على الحادث وأسبابه مما تسبب في كارثة بيئية وصحية عالمية أضرت بقارة أوروبا بالكامل نتيجة تسرب الإشعاع النووي لمساحات شاسعة تجاوزت حدود الإتحاد السوفيتي .
مسلسل "تشرنوبل" تسبب في إثارة الرأي العام الروسي وإعلامه الذي رأى أن المسلسل يمثل فصلا جديدًا من الحرب الباردة بين القطبين، وكأن صناعه أرادوا تشويه صورة روسيا بتذكير العالم بحادث نووي أُلقيت مسئوليته بالكامل على النظام السوفيتي، وتصوير قادته وكأنهم مجموعة من السفاحين معدومي الضمير .
إعلان مسلسل "تشرنوبل" إنتاج HBO
الآن ظهرت الرواية الروسية للحادث من خلال فيلم "تشرنوبل 1986" والذي قدم قصة إنسانية حول رجل مطافيء يدعى "أليكسي" فارق حبيبته منذ سنوات وعاد ليجدها أنجبت طفلا ، فيكتشف أن هذا الطفل هو إبنه، وخلال استعداده للتقاعد وبدء حياة جديدة مع أبنه ووالدته تقع كارثة تشرنوبل التي يتضرر منها الأب والإبن .
يصاب الطفل الصغير بالإشعاع النووي ويصبح على شفا الإصابة بالسرطان، بينما ينضم الأب لفرق الإطفاء التي واجهت الكارثة النووية وسقط منها عشرات الضحايا المصابين بالإشعاع النووي .
تظهر بوضوح الفوارق بين روايتي المسلسل "الأمريكي" الذي عُرض عام 2019 ، والفيلم الروسي المتاح الآن على منصة "نتفليكس".
على سبيل المثال اعتمد المسلسل في تجريمه للنظام السوفيتي على تجسيد معاناة رجال الإطفاء باعتبارهم ضحايا تم اقتيادهم إلى هلاكهم تحت مسمى الواجب دون أدنى رحمة ، ركز صناع المسلسل على تصوير بشاعة الحروق التي تعرضوا لها.
مشاهد لجلود ذائبة وحروق مخيفة، يقابلها مشاهد الإهمال والقسوة في المستشفيات، واجتماعات قيادات الحزب الشيوعي التي تسعى لتكميم الأفواه وتضليل العالم حفاظا على سمعتها حتى ولو على حساب حياة مواطنيه والأجيال التي لم تولد بعد .
أما في الفيلم فكانت القصة الإنسانية هي البطل، مشاعر رجل الإطفاء الحائر بين الواجب الوطني وأبوته العائدة في ملامح طفل يصارع آثار الإشعاع النووي ، لكن أي من هذه المشاهد لم يحمل إدانة واحدة للنظام السياسي ، بل بالعكس جاء النظام السوفييتي نزيها وشفافا بل ومضحيا بقياداته في سبيل إنقاذ الوطن.
يتجلى هذا في مشاهد القبض على مسئولي المفاعل وإتهامهم صراحة بالإضرار بالوطن ومحاكمتهم، بل أظهر الفيلم سرعة استجابة النظام للتعامل مع الكارثة بإجلاء سكان مقاطعة تشرنوبل وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لهم ، بل إرسال ضحايا الإشعاع للعلاج في سويسرا على نفقة الحكومة السوفيتية .
نحن أمام عمل حاول تجميل صورة شٌوهت في عمل سابق، لا أحد يعلم تمامًا أي الروايتين أدق ، ولكن المثير للإعجاب حقًا هو سرعة الرد الروسي بتقديم عمل فني على منصة عالمية رائجة يرد على رواية فنية أخرى حققت نجاحًا وقبولا عالميا عن عرضها.
إعلان فيلم "تشرنوبل 1986" إنتاج Netflix
الأكيد أنه لولا عرض مسلسل "تشرنوبل" الذي حصد الجوائز العالمية واحدة تلو الأخرى لما فكرت روسيا في تبرئة صورتها أمام العالم بعد 35 عامًا من وقوع الكارثة النووية الأبشع عبر التاريخ .
وكأننا أمام مباراة فنية بين قطبي العالم ، أحدهم هاجم والآخر قرر الرد بهجمة مرتدة، إن لم تحرز هدفًا في مرمى الخصم ، فعلى الأقل تركت رواياتها موثقة فنيا في أروقة منصات المحتوى الترفيهي لعلها تصل لأكبر قدر من المشاهدين .
إقرأ أيضًا :
"حتة من قلبي" .. هل تنجح محاولة حسين الجسمي لاستنساخ "الطبطبة"؟
ألبوم "نانسي 10" .. محاولة ناضجة لإعادة إكتشاف "المغنية" نانسي عجرم