أؤمن تماما بالحرية المطلقة، أنت حر طالما لم تضر، طالما لم تؤذ أحدا، أو تجرح مشاعره، أنت أيضا أدرى الناس بظروفك الخاصة التي تحتم عليك أفعالا معينة قد لا يتفهمها آخرون لم يمروا بها، قاعدة تبدو بديهية، لكن ذكرها ضروريا عند الحديث عن أزمة النجمات اللاتي حضرن فرح الجونة بعد ساعات من دفنهن للفنان الراحل سمير غانم.
ولعل ضرورة التذكير بالقاعدة يوجه للطرفين، المؤيد، والمعارض لحضور النجمات، فحضور مناسبة سعيدة تصادف حدوثها في ذات اليوم الذي حدثت به أخرى حزينة أمر وارد الحدوث، وكلاهما واجب تحتمه عليك اعتبارات الصداقة، والعشرة، فمن يحزن يحب أن تشاطره أحزانه، ومن يفرح يحب أن تتقاسم معه فرحه، وكونك استطعت القيام بالأمرين معا أمر يحسب لك لا عليك، لكن هل يعني حضورك لحفل زفاف عشية دفن صديقك أن تتراقص وتتمايل وتبالغ في اظهار الفرحة كان أمرا لم يكن؟؟ هذا هو مربط الفرس، وهو السبب الأساسي في أن رواد مواقع التواصل الإجتماعي قد صبوا جام غضبهم على الفنانة الكبيرة يسرا دون غيرها، رغم أنها ليست الحاضرة الوحيدة لتلك المناسبة، لكن رقصها على المسرح أصاب البعض بالذهول، لما شعروا فيه من انتهاك صارخ لجلال الموت، وجلال الحزن، وهو أمر لا يتعارض أبدا مع مبدأ الحرية الذي بدأت به مقالي، ولا سيما أن المبدأ مقرون بعدم إذاء الآخرين، وفي ظني أن المشهد الراقص حتما سيؤذي ابنتيه اللتان يعتصرهما الألم.
المحزن أن يسرا ليست فنانة مبتدئة، ومن المؤكد وهي تخطو خطواتها نحو المسرح أنها فكرت ولو لثوان بخبرتها الطويلة أن أحدهم سيمسك هاتفه، ويلتقط لها تسجيلا، فكيف لم تفكر حينها أن ذلك التسجيل سيغادر هاتفه في لمح البصر ليستقر كالسهم بداخل قلوب لا يزال جرحها ينزف ألما؟!
الغريب أن البعض خرج علينا مدعيا أن الراحل ذاته كان كارها لكل مظاهر الحداد، وأنه لم يتواجد داخل جنازة قط، لكن نسي هؤلاء المبررون أنه لم يتراقص يوما على أحزان أحدهم، ولم يستهن بأواجعه، بل أنه اعتذر وانسحب من برنامج وائل الإبراشي على قناة دريم بعد وصوله للاستديو بسبب وقوع عملية ارهابية في شمال سيناء سقط فيها شهداء من الشرطة، فعلها احتراما لجلال الحزن وهيبته، ذلك الجلال الذي قال عنه صلاح جاهين في إحدى رباعياته الخالدة
حزين يا قـُـمـقـُم تحت بحر الضياع
حزين أنا زيـَّك و إيه مستطاع ؟
الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع
الحزن زي البرد ... زي الصداع..وعجبي!