منذ أربع سنوات قدمت الدراما المصرية بطلا شعبيا جديدًا بمقاييس "القانون" في مسلسل "كلبش" ، تحول "سليم الأنصاري" إلى أيقونة غيرت صورة ضابط الشرطة في الشارع المصري بعد سنوات طويلة سيدت فيها الدراما نموذج "البلطجي" كبطل شعبي فوق القانون.
نجاح منقطع النظير ومفاجيء، وتفاعل كبير من الجمهور الذي التف حول شاشات التليفزيون في البيوت والمقاهي ليتابع مغامرات أمير كرارة في "كلبش"، وهو النجاح الذي دفع صناع العمل لتقديم جزء ثاني وثالث أيضًا استثمارًا لتلك الشخصية الأيقونية.
اقرأ للكاتب : سمير غانم .. ملك "الهلس" الذي نحبه
حقق أمير كرارة مع "كلبش" نجاحات كبيرة أهمها التأثير في الوعي الجمعي للجمهور بصورة إيجابية، وتسييد نموذج "سوي" ليحتل مكانة البطل الشعبي في وجدان المراهقين والأطفال، وأصبح "باشا مصر" حلمًا لكل طفل يرى صورته المستقبلية في رجل يدافع عن القانون وقيم الحق والخير ، حدث كل هذا بالتوازي مع تقديم كرارة كنجم شباك في السينما والتليفزيون بخطوات ثابتة وموفقة.
الخطوة التالية في مسلسل "الاختيار" كانت أكثر نجاحا ، تجسيد شخصية بطل حقيقي مثل الشهيد أحمد منسي بدت الخطوة الأهم في مسيرة كرارة الفنية، نجاح ساحق للمسلسل على المستوى الجماهيري، وتطور أكبر في أداء الثلاثي كرارة والمخرج بيتر ميمي والمؤلف باهر دويدار، والأهم تلك الانتصارات المعنوية التي حققها العمل الذي كان بمثابة شرارة انطلاق ما عُرف اعلاميا بدراما "إستعادة الوعي" ، عادت الدراما الوطنية بقوة تدعمها مباركة جماهيرية حقيقية بعد "الاختيار" ، ولكن هذا النجاح يظل ورطة حقيقية أمام أي نجم ، وبالتالي كان السؤال : ماذا سيقدم أمير كرارة بعد كل هذا ؟
مغامرة محفوفة بالمخاطر!
عندما نجح النجم الراحل محمود عبد العزيز نجاحا أسطوريًا في مسلسل "رأفت الهجان" كان أمام خيارين لا ثالث لهما ، إما استثمار هذا النجاح وتقديم أعمال درامية في السنوات التالية ؟ أو الابتعاد عن الساحة لفترة طويلة حتى يعود للجمهور بعمل مختلف ؟ وهو ما حدث عندما ابتعد "الساحر" عن الشاشة الصغيرة ثم عاد بعد سنوات طويلة بمسلسل "محمود المصري" ، لا أعقد هنا مقارنة بين الاثنين في ظل متغيرات كبيرة على المستويات الانتاجية والاجتماعية والفنية شهدتها الساحة المصرية ، ولكن أمير كرارة اتخذ قرارا جريئًا بالتغيير والتجديد في العام التالي مباشرة لنجاح "الاختيار"، ليظهر في عمل قيل أنه دراما صعيدية مع أحمد السقا والمخرج محمد سامي ألا وهو "نسل الأغراب" .
لن أتوقف هنا أمام المستوى الفني للعمل ، شهادات الجمهور والنقاد منذ الأيام الأولى لعرض حلقاته تكفي ، وربما حقق العمل نجاحًا كما قال مخرجه مع فئة من الجمهور لا نعرفها جيدًا ، ولكن الحقيقة أن التجربة في مجملها لم تتماس مع ذائقة المشاهد المصري الذي اعتاد على شكل وإطار عام يحكم الدراما الصعيدية ، وأظن أن الخروج عن هذا الإطار هو مغامرة محفوفة بالمخاطر .
مساحة التجريب والصدمة في "نسل الأغراب" كبيرة وهو ما لمسته من الحلقة الأولى ، مبالغات في الديكورات والملابس ورسم الشخصيات ، هي مبالغات متعمدة خلق منها سامي عالمًا غريبًا لن تراه سوى في قصة هؤلاء "الأغراب" ، حيث اللازمان واللامكان وكل شيء خارج عن المنطق، في الحقيقة أحسد محمد سامي على نجاحه في إقناع نجمين كبيرين بالمشاركة في تلك المغامرة الخطرة ، والتي بالمناسبة كان من الممكن أن يكتب لها النجاح لو ارتكز مؤلفها ومخرجها على استثمار جماهيرية وشعبية السقا وكرارة وقدم لهما قصة تتناسب مع حجم تلك الجماهيرية ومساحة الصراع المفترض بين عساف وغفران الغريب.
هل استفاد كرارة من المغامرة ؟
مع اقتراب نهاية المسلسل يفرض السؤال نفسه بوضوح : هل استفاد كرارة من تلك التجربة ؟ هل كان استثمار نجاحات الأنصاري والمنسي في محله عندما اختار "الأغراب"؟
لن أجيب على هذا السؤال الأن ، ولكنني أتوقف طويلًا أمام زاوية توارت وراء الانتقادات اللاذعة للمسلسل ، ألا وهي أداء أمير كرارة نفسه للشخصية الصعيدية ولأول مرة ، لا شك أنها تجربة صعبة ، خصوصا في أجواء كتلك التي تحيط "نسل الأغراب" منذ بدء عرضه ، فبالتالي أي محاولة للاجتهاد أو التغيير لن تحسب لصاحبها طالما أن التجربة بالكامل لم تحسب له .
خروج كرارة من دائرة نجم العمل الأول والوحيد إلى مساحة النجم الذي يشارك في بطولة عمل مع نجم أخر وتحت مسئولية مخرج ومؤلف "مشهور" وهو بالأساس صاحب العمل الأول والأخير هي مغامرة تعكس عقلية كرارة كفنان لا يبحث عن النجومية فقط بقدر بحثه عن التغيير والتجديد ، في الوقت الذي رفض فيه محمد رمضان – والكلام على عهدة المخرج- مشاركة السقا نفس المسلسل رغم أنه لم يحقق في العامين الماضيين نفس نجاحات كرارة على المستوى الجماهيري !
تابعت الحلقات الأخيرة من "نسل الأغراب" بدقة قبل أن أكتب عن العمل ، ولم أجد نقطة ضوء واضحة في المسلسل سوى اجتهاد أمير كرارة لتقديم شخصية غفران الغريب بشكل يخرجه تماما من عباءة الأنصاري والمنسي ، رسم متزن لملامح الشخصية ولزماتها دون مبالغة تدفعها للشكل والأداء الكاريكاتيري ، حتى عندما انتشرت الجملة الشهيرة "كتع كسح كسل" تقبل الفكرة واستثمرها وخرج بها من السخرية إلى التريند، إجادة مقبولة للهجة الصعيدية ، كل هذا في حدود مساحة مشاهد أراها لا تليق بحجم نجومية كرارة في السنوات الماضية .
لدينا نجم له شعبية لا يمكن تجاهلها، وليس من مصلحة صناعة الدراما المصرية أن تخسر هذا النجم مبكرًا بسبب مغامرة غير موفقة ، وجزء رئيسي من نجاح هذه الصناعة أن تعي جيدًا الموقع الحقيقي لنجومها وكيفية استثمارهم جماهيريا وفنيا، وهو ما أفترضه حتى لو لم يكن التوفيق حاضرًا في تجربة واحدة.