ربما صدق هاني سرحان حينما كتب اسم مسلسله (الاختيار 2: رجال الظل) لأنهم بالفعل رجال الظل، ليس المقصد هنا أو الحديث عن رجال الشرطة المصرية وتضحياتهم في الحرب ضد الإرهاب طوال السنوات التي تلت رحيل (المنحلة) وحتى اليوم لنجلس آمنين سالمين في منازلنا لا تهددنا عبوة ناسفة أو نخشى تكفيري يحمل سلاح، ولكن الحديث هنا عن المسلسل نفسه كعمل فني بحت.
الدراما تختبئ داخل الأحداث
هناك قاعدة لأي ممثل في كيفية اختياره للدور الذي يقدمه وتلك القاعدة هي (اقرأ أول مشهد للشخصية وأخر مشهد لها، فإذا وجدتها تغيرت وتطورت وافق على أداء الدور).
هذا ما حدث بالفعل فالشخصيات الرئيسية في المسلسل تطورت وتغيرت، "زكريا يونس" لم يصبح ذلك العنيف، الذي يحاول إصلاح خطائه السابق في إطلاق سراح شاب قام بعد ذلك بارتكاب عمل إرهابي، "زكريا يونس" تحول لضابط الأمن الوطني الذي يسعى لمنع الخطر قبل التكفير عن أي ذنب، بل إن الذنب نفسه لم يعد يلح عليه ولم نعد نرى مشاهد الحلم التي تراوده.
كذلك تحول "يوسف الرفاعي" من المتهور إلى المتأني العاقل الذي يحاول وضع الأمور في نصابها طوال الوقت ولا تجرفه الحماسة، بل وتحول من الرافض لفكرة الزواج لشخص متزوج يدرك أن الحب والقدر لا يتعارضان، بل هما يلتقيان طوال الوقت، ليكون السؤال هو، ما هي الأحداث التي دفعت الشخصيات للتغير؟
الإجابة هي هاني سرحان، أن تصنع عملًا دراميًا مبنيا على أحداث حقيقة، في الوقت الذي يكون الهدف من العمل هو إعلان الرواية الحقيقية لذلك الحدث، سيجعلك ذلك مقيدًا دراميًا، فلا تخرج عن سياق الحدث إلا قليلًا، مما سيوثر على قدرتك على اختلاق الحيل الدراميًة لتطور الشخصيات.
ولكن هاني سرحان استطاع أن يجعل تلك الاحداث الحقيقية وأن يستغل قسوتها، لتتحول إلى معمل يطور الشخصيات، ويمضي بها قدمًا في طريقها الدرامي، والحقيقة أن طبيعة الأحداث القوية التي عشناها على أرض الواقع وشاهدناها بعد ذلك في المسلسل، كانت سببا في تغيير بلد بأكمله، فطبيعي أن تكون سببًا في تغيير الشخصيات الدرامية الرئيسية.
مواهب الظل
بالطبع ليس محض صدفة، أشار أحد الأصدقاء مرة قائلا إن اختيار الممثلين في الاختيار 2: رجال الظل ليس مصادفة، فحينما تختار كريم عبد العزيز وأحمد مكي لأداء أدوار البطولة، فأنت تغامر باختيار ممثلين تم تصنيفهم عند الجماهير كممثلين كوميديا لا تراجيديا، في البداية تغامر باقتناع المشاهد بأن هذا الممثل الذي ارتبط عنده بالكوميديا سيتقبل وجوده في دور غير كوميدي مثل أدوارهم في مسلسل الاختيار.
وتغامر أيضا بقدرة الممثلين على ترويض موهبتهم وتحويل مسارها من اتجاه إلى أخر، وتعيد تقديمهم بشكل جديد، تلك المغامرة لم تقتصر فقط على الشخصيات الرئيسية بل هناك العديد من الوجوه الكوميدية المعروفة مشاركة في هذه المغامرة، أشرف عبد الباقي، بيومي فؤاد، وبالطبع ماجد الكدواني.
وكأنك تقول أن رجال الظل أيضا ينطبق لفظًا على الممثلين العاملين في العمل نفسه، حيث يخرجون من داخلهم وجهًا آخر غير الذي نعرفه عنهم واعتادنا مشاهدتهم فيه، فالتمثيل هو أكثر ما يلفت الانتباه في مسلسل الاختيار 2: رجال الظل، فكان هو الفرصة التي ينتظرها كريم عبد العزيز ليقدم ما لم يستطيع تقديمه سابقًا لحسابات شباك التذاكر ونسب المشاهدة، اليوم كريم يحتل الصدارة كممثل تراجيدي من العيار الثقيل، ممثل يتحكم في كل شارده ووارده من انفعالاته ويصيغها بشكل مبدع، ويتوارى عن طيب خاطر خلف شخصية "زكريا يونس" فننسى كريم عبد العزيز ويحتل زكريا المشهد دائمًا.
أما ماجد الكدواني، فلم يكن يحتاج هذا الدور ليثبت موهبته التي أثبتها سابقا في العديد من الأدوار التراجيدية، ولكن كان بحاجة شديدة إلى هذا الدور ليخرج من قالب الجمود الذي توقف فيه فترة طويلة، ماجد ممثل متطور بل هو أكثر ممثلي جيله تطورًا، ولكن في الاعمال الأخيرة كنت أشاهد ماجد الكدواني لا يقدم الجديد أبدا، كأنما توقف تطوره أو توقف تجديده، يمتع نعم ولكنه لا يبهر، وقد اعتد أن الكدواني مبهر، وها هو يعود للإبهار، الإبهار الخام.
أما الحلقة الأضعف في العمل فكان أحمد مكي للأسف، انقذته كاريزمته بالطبع، وقدرته التمثيل، ولكنه في العديد من المشاهد يصبح تائهًا، غير قادر على التفاعل بشكل جيد مع الشخصية التي يقدمها خاصة مع تطوراتها السريعة، ظهر في بداية العمل براقًا حينما كان المشاهد التي يقدمها بها حركة، ولكن خفت البريق كلما قلت مشاهد الحركة ليستمر في الخفوت طوال أحداث المسلسل.
الاختيار 2: رجال الظل، يمكن أن يكون هو أحد الثلاثة الرابحين هذا العام، ولكن الأهم أننا أمام عمل درامي الكثير منا سيود إعادة مشاهدته مرارًا وتكرارًا، وهذا في رأيي هو النجاح بعينه.