الحكم بعد المشاهدة (3)
• في ملعب كرة القدم يستطيع القادمون من الخلف التغلغل في عمق الفريق المنافس، من أجل إحراز الأهداف، وفي الدراما أيضا تطبق الخطة ذاتها، فتنجح مسلسلات لم تكن في الحسبان في أن تحجز مكانا مميزا لدى الجمهور، (ولاد ناس) كان أحد تلك المسلسلات القادمة من الخلف لتحرز هدفا مهما يهز الشباك، ويدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالعلاقة ما بين الأسر وأبنائها، وكما أن لعبة كرة القدم لعبة جماعية، فهذه النوعية من المسلسلات التي يكون الورق بطلا رئيسيا فيها تعطي أملا في انتهاء عصر النجم الأوحد، الذي لطالما تم الإعتماد عليه من أجل تسويق مسلسلات فارغة المضمون ومعدومة القضية.
• لماذا تبذل إيناس الدغيدي في برنامج (شيخ الحارة والجريئة) مجهودا مضاعفا من أجل أن تتساقط دموع ضيوفها على الهواء؟ فلا يمكن أن تكون الأسئلة من نوعية "حسيت بإيه لما شفته ميت؟ ضهرك انكسر؟ وحشك؟" أسئلة استفهامية تبحث لها عن إجابة محددة، لكنها استجداء قميئ للمشاعر، ولا أظن أبدا أن الحيلة التي كان يلجأ إليها بعض المخرجين قبيل تصوير مشهد مؤثر تصلح في البرامج الحوارية، حيث كانوا يذكرون الممثل بموقف قاسي مر به في حياته من أجل أن تتساقط دموعه، وتتدفق مشاعره بمجرد أن تدور الكاميرا، يبدو أن جلوس "إيناس"على مقعد المذيعة لعامين متتاليين لم ينسها تلك الحيلة الإخراجية التي عفا عليها الزمن.
• جمال البدايات في أي علاقة ليس ضامنا على نجاحها واستمرارها، حكمة يمكن استعارتها من العلاقات الإنسانية لتطبيقها على الدراما، فالعلاقة الجيدة التي نشأت بين مسلسل (القاهرة كابول) وبين الجمهور سرعان ما صابها الفتور والملل، ولم يساهم الأداء القوي لغالبية أبطال المسلسل في صمود تلك العلاقة، خاصة مع ظهور عوار في السيناريو القائم على الإسهاب وإطلاق الحكم والمواعظ هنا وهناك، يبدو أن الحظ يعاند المؤلف "عبد الرحيم كمال" هذا العام.
• في مونولوج (أهل الفن) الذي غناه "إسماعيل ياسين" قبل أكثر من نصف قرن وصف من خلاله حال الفنان الحقيقي، وفي أحد المقاطع يقول (عمره كله عرق و دموع..وشبع أو جوع و غنى و حرمان..من اللى يسوى و مايسواش..بفلوس وبلاش نتسم كمان..نسمع كلام زى الكرابيج ويقولوا عنا اللى ما يتقال) وفي مقطع آخر من ذات المونولوج يشير إلى كثرة حساده، رغم المعاناة التي يتكبدها من أجل أن يقدم فنه، فيقول (وكتير يعادوه..وكتير ينادوه..وكتير حسدوه.."خيبه نمبر ون" عيني علينا يا أهل الفن) والحقيقة أنني لا أعلم مصير الخطوات القانونية التي وعدت أسرة "إسماعيل ياسين" بإتخاذها ضد من أساء إليه، لكن كل ما أعرفه أن "إسماعيل ياسين" نفسه قد أرسل إليهم رده من العالم الآخرعبر فنه الباقي رغم أنف الجميع.
• منذ حوالي أسبوع قرأت تصريحا ل"سمية الخشاب" تقول فيه أنها سعيدة بأن جمهورها أطلق عليها لقب (ملبن مصر) بعد أن قال لها "محمد رمضان" في إحدى حلقات (موسى) جملة (حد يزعل الملبن) والحقيقة أنني بحثت عن الجملة فوجدت أن السيناريست "ناصر عبد الرحمن" قد كتبها لتقال لحلاوتهم على لسان موسى ضمن أحداث المسلسل، لكنني بحثت عن هذا الجمهور الذي اقتطع الجملة من سياقها وحولها إلى لقب ينعتها به فلم أجده، المشكلة أن "سمية" لا تعطي جمهورها الفرصة لكي يمنحها الألقاب أو حتى يثبت لها في الأذهان لقبا اختارته لنفسها، فدائما ما تسحبه إلى منطقة النزاعات التي تجيدها، ومن يظن أن تداعيات أزمة الطحال التي ثارت من أجلها العام الماضي قد انتهت فهو مخطئ، والتراشق الذي حدث بين الثنائي بعد صور فرح موسى لا أظنه الأخير.
• في فيلم (فول الصين العظيم) يعاني محمد هنيدي "محيي الشرقاوي" من فوبيا الطيران، لكن حظه العثر جعله يقابل محمد شومان "ممتاز الدمنهوري" في المطار وهو في طريقه إلى الصين، وفي مشهد لا يخلو من الكوميديا يقص عليه الأخير تفاصيل الخبر الذي يقرأه في الجريدة عن ضحايا الطائرة المنكوبة، والتي سقطت في المحيط يوم أمس، قائلا (بيقولك 200 طلعوهم من الديل، 90 لقوهم محشورين في الماتور، والباقي متقطعين ومتنطورين في الكابينة) ما فعله "ممتاز" ب"محيي" ليثير ضحكنا هو تحديدا ما يفعله بنا "يوسف الشريف" بمسلسله (كوفيد 25) ليثير فزعنا وذعرنا، ولا سيما مع تزامن العرض مع ازدياد حدة الموجة الثالثة للكورونا، الأدهى أن المسلسل يحتوى على مشاهد تشكك في فاعلية اللقاح في الوقت الذي تسعى فيه الدولة لإقناع المواطنين بضرورة حصولهم عليه، وبخلاف المستوى الفني الضعيف للمسلسل فإن توقيت عرضه عاملا إضافيا لينفر الناس من مشاهدته.
• شخصيا أسعدتني جدا عودة "نادين" إلى الشاشة عبر مسلسل (خلي بالك من زيزي) فرغم غيابها الطويل يظل حضورها مبهج ببهجة الفوازير التي أحبها الجمهور من خلالها، لكن في المقابل أزعجتني تصريحاتها مع "إنجي علي" على إذاعة نجوم FM، حيث وصفت الفن بأنه مهنة الكذابين، ووصفت الفنانات أنهن أحيانا يتحولن إلى (عروسة حلاوة) وأنها ابتعدت حتى لا تصبح كذلك، أعلم جيدا أنه ليس من الضروري أن يكون الفنان الجيد متحدثا لبقا، لكن لا أدري ما سر إصرار البعض على الحديث وهو يعلم أنه لا يمتلك تلك المهارة؟
• لم تكن شهرة الفنان "محمد محمود" في السنوات الأخيرة مجرد صدفة، لكنها نتاج سنوات طويلة من الدأب قضاها على مسرح القطاعي العام والخاص ممثلا ومخرجا، قدم خلالها مئات الأدوار التى جعلت منه فنانا متميزا وذو ثقل كبير، لكن هذا التميز لم يترجم لدى الجمهور إلا بعد تقديمه لدور "ممس" مع "محمد هنيدي" في فيلم (أمير البحار) عام 2009، تلك الشخصية التي كان من المقدر لها أن تقدم منفصلة في فيلم مستقل على غرار (اللمبي) لكن من حسن الحظ أن مشكلات إنتاجية ساهمت في وقف المشروع ليتفرع "محمود" لأداء تلك الأدوار التي يتقنها جيدا، حيث يضع فيها مزيجا من خفة دمه، ورصانته، فتبدو للجمهور بطولة من نوع خاص حتى وإن لم تكن كذلك وفقا للتعريف التقليدي للبطولة، وهو ما حدث في دور "طريف طعمية" الذي قدمه في مسلسل (نجيب زاهي زركش) هذا العام.
• في العام الماضي قدم الكاتب "أحمد عبد الفتاح" والمخرج "أحمد صالح" مسلسل (ليالينا 80) الذي خيب آمال قطاع كبير من الجمهور بسبب الأخطاء الكارثية التي وردت في الحلقات والتي لا تعبر عن فترة الثمانينيات لا من قريب أو بعيد، فضلا عن المط والتطويل غير المبرر للحلقات، الغريب أن الثنائي فعل الشئ نفسه فى مسلسل (ضل راجل ) هذا العام، من بطولة "ياسر جلال" فسيناريو المسلسل مترهل بشكل غريب، والحلقات تفتقر للأحداث بشكل يجعل الجمهور قادرا على الغياب عن المتابعة ثم العودة إليها مجددا دون أن يشعر أنه فقد شيئا هاما من أحداث المسلسل.