بهدوء يغزل صبري فواز ثوب نجوميته، يتحرك عن وعي، لا يتعجل الخطى، ولا يبحث عن نجومية شباك تخفت بعد قليل، هو ابن المسرح بما له من إرث صقل موهبته، وهو الشاعر الذي حافظ على رهافة إحساسه، وهو أيضًا صاحب الحظ المتواضع، فطبقًا لمعايير الموهبة والوعي كان يستحق فواز أن يكون النجم الأول منذ زمن بعيد، ولكنه لم ينل ما يستحقه حتى الآن.
في المواسم الماضية أسهب الفنان بيومي فؤاد في الظهور في أعمال عديدة، اتسمت الغالبية منها بالكوميديا، فخفة ظله والحظ الذي ابتسم لنجم بموهبة حقيقية، جعله يُسرع في التهام كل ما يُقدم له، حتى خرجت النكات والتعليقات التي تُشير إلى كونه سيخرج من كل مكان تُطل عليه، ربما خسر كثيرًا من مكانته، وربما مكنه ذكائه من العودة لمكانته كممثل غير معتمد على الإفيهات الكوميدية، تراجع عدد مساهمات بيومي فؤاد في هذا الموسم تجعلنا نسأل هل يسقط صبري فواز في ذلك الفخ من التعدد والتكرار؟
اقرأ للكاتب: دينا الشربيني شريرة بطبعها!
المثال الخاص بالفنان بيومي فؤاد ليس من قبيل المقارنة بين فنانين قديرين، ولكنه إشارة لنمط انتاجي ومحاولات للتواجد قد تُشكل خطرًا كبيرًا على مشروع الفنان نفسه، الفنان الذي يسعى أن يكون نجمًا يتصدر الأفيش والإعلانات، فليس كل نجم هوفنان، حيث شروط السوق وحسابات عديدة قد تجعل من ممثل بقدرات متواضعة في وضعية النجم، في حين تحرم هذه الظروف فنانين مهمين من أن يكونوا في مكانتهم.
مرحلة التحول إلى النجومية
حالة القلق المشروعة التي قد تدفع بفنان لتقديم عدد كبير من الأدوار، الأمر الذي قد يأتي علي الفنان نفسه بحيث يبدأ مرحلة استنساخ فلا تجد ما يصنع فارقًا، هذه الحالة من القلق لها ما يبررها، عندما تجد فنانين موهوبين لكن لم تُسلط نحوهم آلة الإعلام بعد، كما أن حالة التواجد المُسهبة ليست من قبيل الرفاهية، فكثير من الفنانين لا يمتلكون رفاهية الانتقاء والرفض، إذ قد يؤدي الاعتذار أو محاولات الانتقاء لمحاولات استبعاد وربما اختفاء من الساحة، يبدأ من محاولات الفنان في الانتقاء لكنها تنتهي بالاستبعاد، وهو ما نراه في حالات لفنانين مميزين جدًا.
تقول ماري إلين في كتابها عن التمثيل السينمائي أنه ثمة اتصال مغناطيسي قوي تحت السطح الظاهري لحركةالممثل،الحركة تجذبنا نحو حضور شخصي تطور داخل الممثل منذ الطفولة: "حضور لاواعٍ، حيوي، ينبئنا عن بعض الحقائق عنا لشخص لم يكن ممكناً الإحاطة بها عن طريق آخر".
هذا الاتصال المغناطيسي الذي تُشير إليه إلين، نعرفه في أعمال صبري فواز، فهو إن كان قليل الحظ مقارنة بموهبته لكنه تصدر البطولة بالفعل لأعمال هامة، كان هو بطلها على مستوى الحبكة، والأداء كذلك.
قد تكون الإشارة إلى تراجع مشاركات الفنان بيومي فؤاد، إشارة بعيدة فاعتماده الكوميديا سبيلًا للانتشار جعله عُرضة لاستنساخ ما يقدمه، بينما اعتمد فواز الدراما بما يقلل من حالة التكرار، والتشابه التي قد تأتي على رصيده، فهل يمتلك فواز رفاهية الانتقاء والاعتذار؟ خاصة أن الأدوار التي يختارها هي أدوار مميزة؟
نمط انتاج يهدد بالتدمير
منذ أعوام وصناع الدراما تحديدًا المنتجون وهم يتفاجؤون بموسم رمضان، النكتة التي تنطلق دومًا في هذا الصدد بينما تخفي محاولات لتخفيض التكاليف الإنتاجية خاصة لأصحاب الأجور اليومية سواء فنيين أو ممثلين، هذه المفاجأة هي الطريقة التي جعلت كثير من الأعمال ينتهي تصويرها خلال أيام رمضان، هذه الظاهرة التي أخذت في التمادي، خاصة مع اعتماد الموسم الرمضاني موسما للكم الدرامي، وهو الأمر الذي يأتي على الصناعة خاصة مع إعادة تدوير ممثلين كل موسم، بحيث تجد في موسم ما عدد من الفنانين على اختلاف مكانتهم مشاركين في أكثر من عمل.
وإن كانت تغير نمط العملية الإنتاجية مؤخرًا وما صاحبه من انخفاض لأجور النجوم، ما أسهم في تواجد لعدد أكبر من النجوم في العمل الواحد وهو الأمر الإيجابي لتغير نمط الإنتاج.
في الموسم الرمضاني 2021 يقدم الفنان صبري فواز أربعة أدوار في أربعة أعمال درامية "منصور السيوفي" في مسلسل "قصر النيل"، "عيسى" في مسلسل "ولاد ناس"، "شهاب باشا" في مسلسل "موسى"، و دكتور "سامي" في مسلسل "خلي بالك من زيزي"، يبذل فواز جهدًا كبيرًا ليُعطي لكل شخصية مناطق تميزها عن الشخصيات الأخرى، من حيث لغة الجسد وتسريحة الشعر واختيار الملابس، وسواء كان ذلك هو اختيار صبري فواز أو يتم بالمشاركة مع المخرج ومصمم الأزياء، فقد نجح في إضفاء حالة من الفصل بين الشخصيات ظاهريًا، يُساعده في ذلك أنه كممثل يمكنه الانفصال عن الشخصية التي يؤديها بمجرد سماعه كلمة (Cut) -حسب وصفه- وهي هبة عظيمة.
وبرغم ذلك فإن السقوط في التكرار ولو في مناطق محدودة يحدث، والتكرار هنا مسئولية مشتركة بين الممثل والمخرج، وإن كان بعض المخرجين قد يرون أن الشخصية وأداءها هي مسئولية كاملة للممثل، كما أن مرجعية المخرج للحد من تكرار شخصيات أخرى قدمها الممثل تعود إلى الخبرات السابقة، وما تم عرضه بالفعل، وليس ما يؤديه الممثل حاليا بشكل متوازي، فشهاب باشا في مسلسل موسى في الحلقة الحادية عشر يتحدث إلي شخصية عادل فيمكنك سماع صوت وطريقة عيسى في مسلسل ولاد ناس في الجزء الأول من شخصيته قبل ان يتعرض لصدمة تجعله يراجع نفسه وطريقته.
بينما حاول فواز أن يكون طبيب نفسي متزن في خلي بالك من زيزي، وإن تماس مع بعض لحظات لعيسى في مسلسل ولاد ناس.
عيسى الرابح
على الرغم أن منصور السيوفي بطلًا رئيسيًا ومحركًا للأحداث سواء كان حاضرًا على الشاشة أو لا إلا أن شخصية عيسى في مسلسل أولاد ناس هي درة أعمال فواز في هذا الموسم، حيث تمر الشخصية بتحولات نفسية يؤديها فواز بتمكن، فمشهد مشاجرته مع زوجته أروى حين تلومه لإهمال ابنه، وهو يواجها بما يقدمه لها ولعائلته، الانكسار الذي بدا به عيسى بعد استمرار غيبوبة ابنه، جعلت شخصية عيسى هي الأقرب للمشاهد، فقد قدم فواز تنوعًا للشخصية شرها وخيرها، ضعفها وقوتها، مراوغتها وقوتها، وإزاء هذه الشخصية القوية،سنجد بعض من ملامحها صبغ الأدوار الأخرى في باقي أعمال الموسم الدرامي.
بالطبع يقع فواز تحت ضغوط نمط الإنتاج، تلك الحالة التي تُكدس الأعمال في فترة زمنية قصيرة، بحيث، ينفصل عن شخصية ليدخل إلى عوالم أخرى في خضم ساعات، ليعود إلى شخصية ثالثة، هو جهد كبير لا شك، لكنها أيضًا منطقة شائكة، فإن كان احتماء فواز بالدراما، والشخصيات المركبة التي يُقدمها، وموهبته ونضجه الفني عوامل لعدم تكرار نموذج الوفرة على الشاشة، لكنها أيضًا لا تحمي من أن يُعيد الفنان تكرار نفسه.
إنه أمر أشبه بنظرية أيهما أولا البيضة أم الفرخة، هل يعتذر فواز عن أدوار يرى فيها إضافة لرصيده، كون الأعمال يتم تصويرها في نفس الوقت؟ أم يتغير نمط الإنتاج ويعطي المنتجون فرصة للفنانين حتى لا يكرر أنفسهم؟