ماذا نريد من محمد رمضان؟، هل نريد منه الفنان؟ أم نريد منه صاحب الأخلاق العالية؟
أكثر الفيديوهات التي صادفتها على انستجرام منذ يومين، (عفاني الله مؤقتاً من فيسبوك)، قدمت خبر وفاة الطيار أشرف أبو اليسر مرتبطاً مع ملخص عن أزمته الشهيرة مع محمد رمضان، بدا الرجل هزيلاً حزيناً في آخر فيديو ظهر به، وبدت كلمات إحدى قريباته موجعة وهي تنعيه، وموجعة وهي تحمل رمضان مسئولية موته قهرا، وفي قلب الحدث التقط عمرو أديب الحدث ليعيد توظيفه، ويكمل به معركه نفسية خاصة، معركة "يا أنا أنت" المغلفة بالدفاع عن الأخلاق.
نرشح لك : فيديوجراف في الفن - ملحمة موسى لـ محمد رمضان ... "كوكتيل" تراث شعبي
هناك خطأ رئيسي في نظرتنا لمحمد رمضان، وأقصد بالجمع هنا: الفئة – وأنا منهم- التي تقيم رمضان أخلاقيا، ولا يعجبها تصرفاته وفيديوهاته، الفئة التي وصل الأمر لدى بعضها لأن لا تطيق رؤيته، أولئك الذين شعروا بالراحة حين رآوه يقع على مؤخرته في دبي، في إحالة نفسية، وكأن الأمر شخصي وخاص بكل واحد فيهم.
وبغض النظر عن جدلية عدد هذه الفئة، قليل أم كثير، مؤثر أم غير مؤثر، يغير من واقع ملايين مشاهدات رمضان والبحث عنه أو لا يستطيع أن يغير من نفسه، هناك في الأمر، أمر.
أمر قديم ومستمر، هل يخضع الفن للأخلاق؟ وهل يُقاس حجم الفنان بأخلاقه؟
قضية فلسفية جدلية قديمة بقدم الفن، ومستمرة بإستمراه، ولها موجات ومد وجزر، لعل الأقرب لنا منها، مصطلح السينما النظيفة الذي ظل سؤالا ثابتا في الحوارات الفنية، والغالب في هذه الفلسفة - كتابة وآراء- أن الفن لا يُقاس بالأخلاق والأديان والنصوص المقدسة أوالأعراف الاجتماعية التي حولها الإنسان إلى مقدس.
ولو كان الأمر كذلك، ما حفظ التاريخ الأدبي، كازانوفا، كأديب مهم ومؤثر، مع أنه في معجم الأخلاق هاتك أعراض ومحتال وكاذب وخائن وغير مؤتمن.
لو أخذنا بهذا المقياس.. ما كنا نقرأ أمل دنقل بذلك الشغف والشعور بالعظمة والأهمية والتأثير، ولرأيناه كما رآه بضعة ممن قيموه بإسم الدين باعتباره خارج على الدين، أو لم يقل "المجد للشيطان معبود الرياح/ من علم الإنسان تمزيق العدم/ من قال لا في وجه من قالوا نعم"، أو لم يرى إبن نوح – عكس النص الديني- بطل قومي يدافع عن أرضه من الغرق، ورأى أبيه النبي هارب في قصيدة "مقابلة خاصة مع إبن نوح".
الفن يرى في الجسد.. جمال، هناك الآلاف من الفنانيين والتشكليين أفنوا أعمارهم في اكتشاف خباياه، مع أنه في المقدس.. عوره، يتعارك رجال الدين من أجل تغطية وجوه أصحابه.
لو قيمنا الفن بالدين أو الأخلاق، سنكون وقتها كسكين من حاول اغتيال نجيب محفوظ، ولأصبح الفنان رشوان توفيق – مثلاً- نجم نجوم العالم العربي.
هناك نظرتين لمحمد رمضان.
محمد رمضان الفنان، الذي إذا رأيته على الشاشة في نص جيد، استمتعت به، موهبة كبيرة، وحضور طاغي، وهو يعرف ذلك جيداً، يستمد منه قوته ويتكأ عليه في إدارة نفسه ومعاركه، ويعي جيداً أنه السبب الحقيقي في نجاحه، وإستمراه.
ومحمد رمضان، المريض، التي تثير تصرفاته الشخصية وفيديوهاته، الاستياء والغثيان أحيانا كمن رأى غائط.
مريض، وكل الفنانيين مرضى نفسيين، وخذ معهم معظم الذين يظهرون على الشاشة، فالنرجسية والشعور بالعظمة، ودوران الكون والشمس والقمر في أفلاكهم ومن أجلهم، مرض شائع ومنتشر، مرض المهنة، الفرق فقط في درجاته، وأرجعوا لأطباء النفس وأسألوهم، بل أن هناك خلافات فكرية نفسية قديمة عن: هل نُعالج الفنان من مرضه النفسي، الذي يشكل جزءا من موهبته أم نتركه مريضاً نفسياً ونستمتع بفنه؟
نرشح لك : " لوحات مرسومة ".. هكذا وصف الجمهور مسلسل " موسى ".. شاهد أفضل الكادرات
سألت صديقي الدكتور محمد محمود حمودة، مدرس واستشاري الطب النفسي بالأزهر، هذا السؤال فقال لي: "لو الأخلاق طغت.. الفن يبوظ"، وقال: جزء رئيسي من الإبداع يأتي من الأختلاف، والمُختلف يقال عنه مجنون، ولذلك نقول الفنون جنون، الدنيا لو مشيت بالورقة والقلم الفن والإبداع يبوظوا".
سألته: ما نوع مرض رمضان؟، فقال: مرضيين رئيسسين، النرجسية التي تجعله يشعر بأنه متفرد وتمنحه حب الذات المبالغ فيه، والهيسترية التي تجعله راغب دائم في الظهور، الهيسترية بدأت من وقت بحثه عن تيمة وكاريزما خاصة به، تلفت الأنظار إليه لتجعله مسموع أكثر ومرئي أكثر وناجح أكثر، ونجح في ذلك بالفعل، بالأسد والسلاسل بالثعبان بتعرية جسده، مقارنة نفسه بعادل إمام، ومع الوقت تحول المرض إلى مزمن، رمضان لا يتحمل أن يعيش بلا جدل، لو حدث له ذلك.. يموت.
ومع المرضيين السابقين، يمكن أن تضف، أضطراب العناد، الذي يجعله يستمر في تحدي لكل من ينتقده، مع عقدة نقص آتيه من الماضي، عاش محروما، فيعوض حرمانه بالتباهى بالبرندات والسيارات والذهب.. أتعرف لماذا رمضان برع في أدوار البلطجة؟
- لماذا؟
- لأنه تعكس شخصيته الحقيقية.
- دكتور.. كيف رأيت معركته مع عمرو أديب، نفسيا؟
- معركة مرضية، شخصية نرجسية مع شخصية نرجسية، أنا قوي، لأ .. أنا أقوي منك، أنا معايا فلوس كتير، وأنا معايا فلوس أكتر، أنا هادمرك وأنا همسحك.
- قل لي يا دكتور.. هل يُعالج رمضان؟
- يُعالج طبعاً.
- وهل إذا عولج سيصبح النجم الذي تتبع الكاميرا الذي تتلهف الكاميرا له.
- سيصبح أب جيد وزوج ممتاز، لكنه لن يكون وقتها النجم الذي يتابعه الملايين.
ماذا نريد من محمد رمضان؟، هل نريد منه الفنان؟ أم نريد منه صاحب الأخلاق العالية؟ إذا كنا نريده الفنان فلا تنشغل بالأخلاق، وإذا كنت تريد منه الأخلاق فلا تنشغل بالفنان.
وهذه النتيجة خاصة بأمراض محمد رمضان، لا غيره، فمن غير المعقول أن يكون كل فنان غير أخلاقي، وكل اخلاقي غير فنان، هنا تصبح النتيجة خاطئة.
دعك من هذه المنطقة، لدي سؤال آخر.
هل كنا نحن بالأساس أخلاقيون مع إسماعيل ياسين – الذي غضبنا من أجله الآن- مع إسماعيل نفسه في حياته؟ مع إسماعيل ياسين وهو جائع؟، هل كنا أخلاقيون معه وهو مديون؟
إسماعيل ياسين نفسه أجاب عن هذا السؤال، في رسالة أخيرة كتبها قبل وفاته: "أنا أربعين سنه شغل وتعب وجهد، مثلت 400 فيلم وعملت 300 مونولوج ومثلت 61 مسرحية، كنت عامل زي الدوا للانسان المهموم عشان اضحكه ونسيه همه وغمه، مش دي تكون نهايتي أبدا انا خدمت البلد دي وأنتم عارفين كويس، أنا عملت أفلام للثورة برضايا و بغير رضايا، أنا غنيت للجيش واتبرعت بإيرادات حفلاتي كلها في 56، مش دي تكون نهايتي ابدا، الناس تنسي ده كله ويفتكروا أن أنا في آخر أيامي رجعت اشتغل في كباريه؟، طب أعمل ايه؟ اعمل ايه؟، أنا أربعين سنة جهد ماخدتش شهادة تقدير ولا حتى ميدالية صفيح، بالعكس كل مليم حوشته في حياتي اتاخد مني ومالقتش حاجه مش دي تكون نهايتي ابدا".
ولم نكن أخلاقيون حين شاهدنا مي زيادة، تُسحب غصباً إلى مستشفي الأمراض النفسية والعصبية في بيروت، ونراها متهمة بالجنون، ونحن نعرف أن المسألة كلها لها علاقة بصراعات على الميراث، كانت أخلاقا ولم ندافع عنها، إنها لم تجد من بين الذين كانوا يتحملوا عناء السفر من أجل حضور صالونها الأسبوعي بالقاهرة أحد في جنازتها.
لو مسائل النجومية تقاس بالأخلاق، ولو كانت تفرق معنا فعلا الأخلاق، لكان يكفي رمضان ظهوره في دبي مع مطرب إسرائيلي معاصه أيادي آبائه وأجداده بدماء آباء وأجداد رمضان، ومع ذلك كانت هيسترية حب الظهور لديه والفلوس أيضاً أهم من المباديء والدماء، ولم يقلل الأمر من أعداد مشاهديه، فمازالت الناس تشاهده وتُقبل عليه حتى الآن.
الإخلاق المشينة، لن تُجلس رمضان في البيت، لن تطفء تواجده الفني، حتى لو أدخلته السجن، ربما الشيء الوحيد الذي يمكن ان يجلسه في البيت في بلادنا هو السياسة، وهو أذكى من أن يتورط في تلك المسألة، ما سيجعله سيستمر وستستمر معه فرقعاته.
الرهان على سقوط نجومية رمضان لأخلاقه أو محاولة تعديلها، رهان فاشل، فالجماهيرية لا تتوقف كثيرا عند الأخلاق، على العكس، سيظل كل ما هو ضد الأخلاق محل بحث، كالجنس والفضائح، محمد رمضان لا يستطيع أن يعيش ويستمر بلا فضائح، وجمهوره لن يكف عن البحث واللهفة عن تلك الفضائح.