لماذا تعيش قصص الحب؟
التاريخ يؤكد أن قصص الحب الأكثر ثباتًا في الذاكرة وبقاءً في الأثر هي تلك التي لم تنجح، واشتملت على مأساة، هكذا هي المكونات الأساسية لكل القصص الخالدة، والحب الباقي في ذاكرة كل العُشاق، حتى وإن لم ينتبهوا أن تلك القصص التي يستشهدون بها هي قصصًا لحب لم ينجح وفق التصورات المعتادة، فلم يتزوج الحبيبان ويعيشا في تبات ونبات ويخلفوا ولاد وبنات.
السينما سارت على نفس الوصفة صانعة قصص حب تُشبه في مآسيها روميو وجوليت، قيس وليلى، عنتر وعبلة.
بين الأطلال ونهر الحب أيهما أبقى؟
لأن قصص الحب بما تتركه من آثار رومانسية وصناعة شاعرية تليق بفعل المشاهدة، فقد عمرت الأفلام بقصص الحب ذوات النهايات السعيدة، فهل التفت صُناع السينما لأهمية تقديم قصة تحاكي قصص الحب الشهيرة؟
عبر فاتن حمامة يتم توصيف الحبيبة، الجميلة الهادئة المتفانية في حبها والمدافعة عنه، والمتخيلة عن كل شيء من أجل الحب الذي كُتب عليه ألا يكتمل، كانت فاتن حمامة بهدوئها واتزانها أليق نجمات جيلها لحمل مسئولية الأسطورة في قصة حب لن تنجح، وليخرج الجمهور بعد المشاهدة غير نادم على تعاسة النهاية إذ ان إخلاص البطلة سيعوضه ابتسامة النجاح والسعادة، فكل رجل سيري في إخلاصها عوضًا، وستسعى النساء لجعلها أيقونتهن في الإخلاص.
فيلم "بين الأطلال" إخراج عز الدين ذوالفقار وقصة يوسف إدريس وشارك معه في السيناريو والحوار كل من عز الدين ذو الفقار ومحمد عثمان، ليكون البطل أمامها هو فتى الشاشة في تلك الفترة النجم عماد حمدي بما له من رصانة، الفيلم الذي عُرض عام 1959 قدم قصة الحب بين مني الفتاة الرقيقة اليتيمة والمؤلف المشهور الذي يعاني الوحدة رغم زواجه، فزوجته مريضة ضعيفة، ينبت الحب الذي يبدأ من إعجاب مني بقصص المؤلف، وتبدأ العلاقة المحرمة فهو الرجل المتزوج في زمن يُنظر إلى العلاقة مع رجل متزوج بوصفها تحريمًا وخرقًا للمقدس، وحين تسمع منى حوار الزوجة مع معلمتها التي تجعل من بيتها عش حبهما، تقرر منى التضحية بحبها، في سبيل استمرار الزواج، وراحة الزوجة، أول التضحيات، ثم تُضحي بعد ذلك بأسرتها، وتتخلى طواعية عن رعاية ابنها، ثم تتوالى التضحيات وتقوم بتربية ابنة محمود الذي لا يحتمل الحياة من بعدها ويموت في المستشفى.
يقدم الفيلم نهاية سعيدة في قصة حب فرعية حين يحب ابن منى الذي تركته صغيرًا، ابنة محمود التي ربتها منى، وكأن القدر يهبها هدية إخلاصها، في حين ينتهي الفيلم بالعبارة الشهيرة " أنتي يا توأم الروح يا منية النفس الدائمة الخالدة" نجح الفيلم كما أُعد له، وأقدمت فاتن حمامة مجددًا على تقديم قصة حب جديدة، مأخوذة عن رواية "آنا كارنينا" ففي العام التالي 1960 تم عرض فيلم نهر الحب، قدمت فيه فاتن نوال الزوجة التي تعيش حياة رتيبة قاسية مع زوج صارم مبالغ في قسوته، ليظهر الحب الخاطف والمباغت حين تلتقي بالضابط خالد بوسامته وجاذبيته، مجددًا تأتي قصة الحب في إطار من التحريم فهي الزوجة والأم، لكن التضحية أساس الخلود، تُضحي نوال ببيتها وابنها وتُسافر مع خالد، لكن الزوج يرفض الطلاق، وتخسر نوال كل شيء وتقرر إنهاء حياتها، وبرغم رومانسية الفيلم واعتماده الواضح بنية القصص الخالدة إلا أن المجتمعات الشرقية ترفض في وعيها الجمعي أن تكون الزوجة هي الحبيبة، ولذا لا تجد فيلم نهر الحب ببصمة فيلم بين الأطلال.
أحمد ومني الأسطورة الأكثر ثباتًا
مشهد صلاح ذو الفقار (أحمد) وشادية (مني) وهما يجريان في اتجاه بعضهما وكل منهما ينادي الآخر (أحمد.. مني) هو المشهد الأكثر ثباتًا في المخيلة العربية عن الرومانسية ولقاء الأحبة، يصنع فيلم "أغلى من حياتي" اخراج محمود ذو الفقار – 1965 سيناريو وحوار محمد أبو يوسف وفتحي زكي عن قصة الشارع الخلفي ل فاني هيرسيت.
إلى حد كبير يتشابه أحمد ومنى مع روميو وجوليت، فالأهل يقفون ضد هذا الحب، والد منى يرفض تزويجها من أحمد، وحين يوافق الأب يكون أحمد قد سافر، تظل منى مخلصة لحبها، بينما يتزوج أحمد، وحين يجمعهما القدر مصادفة، ترضى منى بحياة الظل تأكيدًا على الحب الذي لا يمحوه الزمن أو الظروف.
تظل بداية الفيلم هي الجزء الأكثر تداولًا وانتحالًا حتى لو كان ذلك من قبيل السخرية من الرومانسية المفرطة في المشهد.
في عام 1978 يتم إعادة انتاج فيلم بين الأطلال وفي هذه المرة يحمل اسم "اذكريني" بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين، ولكن يظل أحمد ومنى أكثر تداولًا كرمز للحب أكثر من غيره من الأفلام، ويعاد تقديم مشهد الحبيبين الذين يجريان على الشاطئ حتى يتعانقان كما في المشهد المؤسس في فيلم "أغلي من حياتي".
قصة حب جميلة ويوسف
في 2019 يُعاد انتاج قصص الحب التي لا تكتمل، بين يوسف (أحمد حاتم) وجميلة (هنا الزاهد) عبر فيلم "قصة حب" إخراج عثمان أبو لبن وتأليف عثمان أبو لبن سيناريو وحوار أماني التونسي.
يصاب يوسف بعمى مؤقت عقب حادث ويجمعه القدر بجميلة في مصادفة، وتتوالى الأحداث، ليسترد يوسف بصره، لكنه في هذه اللحظة يعرف أن جميلة مصابة بالسرطان، لا تنجو جميلة من المرض، لكن يوسف في فوتو مونتاج يظل يعيش في ذكرياتهما.
يتمتع الفيلم بحس دراماتيكي عالي، ربما الحياة تحمل الكثير من الدراما والمواقف الغير متخيلة مما تقدمه السينما، قد يجد فيلم "قصة حب" جمهوره من الشباب والمراهقين، إذا تبدو تفاصيله ملائمة لطبيعة عصرهم، في حين أن هذ الفئة قد تسخر من رومانسية الأجيال السابقة.
لا يُمكن التنبؤ بمستقبل هذا الفيلم الحديث، ربما ينضم إلى أيقونات الرومانسية في السينما المصرية بعد عشر او عشرين عامًا، بحيث تنضم أسماء جميلة ويوسف إلى مجموعات العشاق السابقين (أحمد ومني) (نوال وخالد) (منى ومحمود) وغيرهم من قصص الحب التي لم تكتمل لتظل خالدة في الذاكرة مؤكدة أن الحب الذي يبقي هو الذي لا يكتمل بالنهايات السعيدة المعتادة.
اقرأ ايضا :