يطلق الفنان عمرو دياب ألبوما جديدا بعنوان "يا أنا يا لاء" بعد أقل من سنة على نزول عمله السابق "سهران" وبعد شهور فقط من إصدار خمس أغان منفردة في صيف ٢٠٢٠. غزارة فنية لا مثيل لها في تاريخ الموسيقى الحديثة وحضور دائم لاسم صار ماركة مسجلة باسم النجاح تتنافس الشركات للتعاقد معه. فألبومه الجديد شهد انتاجا مشتركا بين فودافون وبيبسي.
عمرو دياب الأستاذ
منذ أن صار عمرو دياب واحدا من أهم مغنيي الوطن العربي في مطلع التسعينيات وهو يفكر مليا كيف يتميز عن غيره. وهذا ما نجح فيه بنقل فن الدمج fusion إلى مراحل متقدمة. طبعا بعدها صار أبناء جيله و بعدهم جيل الألفية الجديدة يمتلكون الأدوات التي تمكنهم من استخدام الأنواع الموسيقية المختلفة ولم تصر حكرا على الهضبة فقط. فسنجد حاليا مغنيي المهرجانات مثلا يبنون أغانيهم على موسيقى التراب أو الريجيتون.
اقرأ أيضًا لعبد الله أزار : تحليل أغنية "أهي أهي" .. سر الخلطة "الثقافية" في موسيقى عمرو دياب
بعدها توجه عمرو دياب كرائد و مطور نحو تصويب مسار الجيل الجديد ووضع حد فاصل بين الابتذال و الجرأة أو بين الكلام الشعبي والكلام الشعبوي. وهذا ما حصلنا عليه وبتنوع كبير في كلمات أغاني ك"شكرا" و "طبل" و "بتهزر" و "يادلعوا". كلمات أقرب للغة الشارع منه للغة الشاعر وخصوصا في أغنية "فاكرني يا حب". وكأن عمرو دياب يستخدم الأستاذية في تلقين فن الغناء الشعبي للجيل الجديد.
كلمات "شكرا" للشاعر تامر حسين (ألحان عزيز الشافعي) مالت إلى السخرية و الترفع، أما "طبل" من كلمات أيمن بهجت قمر (ألحان عزيز الشافعي) فكانت مقابلا للفكر ال"فيمينيستا" الذي سمعناه في أغاني سميرة و إليسا الأخيرة. في حين أن سلاسة كلمات "بتهزر" (ألحان شريف الغندور) جسدتها طريقة غناء عمرو دياب بحيث تعتبر هذه الأغنية من النوادر التي لم يستخدم فيها تقنية الكورال. بل هذه التلقائية لمسناها في تكرار الكلمات نفسها (قلت، قلتها، قول، قولها، ماتقولش). و كذلك فإن الكلمات تدخل في خانة قصص التهيؤات التي أبدع فيها الشاعر العائد بهاء الدين محمد ("يدق الباب" كخير مثال...). أما كلمات "يادلعوا" لتركي آل الشيخ فتناسبت مع اللحن الفلكلوري للأغنية وروحها ككل و الذي قدمه الملحن سهم. لكن حصة الأسد من الجدل حصلت عليها كلمات صابر كمال في "فاكرني يا حب" (ألحان وليد سعد) و حواره الشيق مع الحب في صورة عفريت!
الجديد القادم من الشرق
"يا أنا يا لاء" يتكون من 12 أغنية منها 7 أغنيات تنتمي إلى اللون الشرقي. وهو رقم كبير بالنسبة لعمرو دياب ما بعد الألفية. لكن هذا الرجوع له أسبابه المنطقية. أولها أن الموسيقى على الصعيد العالمي شهدت عودة الأنواع الكلاسيكية إلى الواجهة في ألبومات السنة الماضية. وهذا لاحظناه في ألبوم المغنية ليدي جاجا "Chromatica" التي قدمت موسيقى ذكرتنا بموسيقى التسعينات مستخدمة اليورودانس والدانس بوب والnew wave. أما المغنية دوا ليبا في ألبومها "Future Nostalgia"، فقد استخدمت كلا من الديسكو والسانث بوب. أما تايلور سويفت في ألبومها "فولكلور" فقد رجعت إلى أصول الفولك والبوب وخصوصا ما يسمى بال .Chamber Pop أما The Weeknd ، فمع ال R&B قدم ال new wave و Dream Pop في ." After Hours" وهي أنواع قديمة كذلك.
ثانيا يمكن القول كذلك أن اللون الشرقي وخصوصا المبني على إيقاع المقسوم هو الأكثر انتشارا حاليا و الأكثر نجاحا. ولعل المستمع يتذكر ما حدث في صيف 2020 من تنافس بين "عدى الكلام" لسعد المجرد و "بالبنط العريض" لحسين الجسمي و "أماكن السهر" لعمرو دياب. وكذلك نلفت الانتباه لنجاحات سابقة ك"ثلاث دقات" لأبو و "شو حلو" لزياد برجي دون أن ننسى "يوم تلات" و "يتعلموا" للهضبة نفسه.
ثالثا فإن "الشرقي" هو أنسب شكل موسيقي يمكنه أن يحتضن هذه النوعية الجديدة من الكلمات فلا يمكن أن نتخيل "فاكرني يا حب" و "طبل" و "بتهزر" بأشكال غربية.
وأخيرا فعمرو دياب قدم 7 أغان تختلف تماما عن بعضها، ما بين المقسوم السريع (طبل) من توزيع توما صانع نجاحات صيف 2020، و الطرب العصري (من العشم؛ كلمات تركي آل الشيخ، ألحان تامر عاشور) من توزيع المايسترو نادر حمدي، و البوب المصري (شكرا) من توزيع القادم الجديد وسام عبد المنعم، و الشرقي بلمسة تركية (فاكرني يا حب، الجو جميل) مع أحمد عادل، بالإضافة لتجربة موسيقية شرقية فريدة في "بتهزر" مع رامي سمير و هي امتداد ل"أماكن السهر" في استخدام الفاصل الطويل الوحيد في المنتصف.
خلطة لا يعرفها غيره
عمرو دياب لديه قناعة شخصية ثابتة بأن الغرب قد استلهم الكثير من موسيقانا. فهو يعتبر الديم بوو - الإيقاع الخاص بالريجيتون- مجرد تطوير لإيقاع الملفوف. هذا التلاقح نجده في "يا دلعوا". و هي نموذج جديد كذلك لموسيقى البحر الأبيض المتوسط. حيث اعتمد فيها على إيقاع الملفوف مع إيقاع الdem bow مع فواصل من الدفوف الخليجية و إيقاع الريجيه لتلامس الأغنية ككل نمط الDancehall و ذلك بإضافة مؤثرات إلكترونية. وقد زاوج الموزع عادل حقي العائد هو كذلك بين العود والجيتار الإسباني.
بالنسبة ل"هيد" الألبوم (كلمات أيمن بهجت قمر وألحان محمد يحيى) فقد أحب عمرو دياب مع الموزع عادل حقي دائما أن يدمج أفكارا مختلفة من الEDM كالتربال هاوس و الترانس و اليورودانس مع لمسات لاتينية بحضور الجيتار الإسباني و الصفارة الخاصة بالسامبا وهذا كله في قالب البروجريسيف هاوس بحيث تنتقل الأغنية بسلاسة عبر مراحل متباينة وواضحة . وقد كان الالكتريك جيتار مع الدربوكة ضيفين في الفاصل الانتقالي الأول.
ثالث تجربة موسيقية كانت أغنية "محسود" بنسختيها (كلمات تركي آل الشيخ و ألحان خالد عز). فقد استطاع كل من الهضبة وحقي جمع عدة أفكار من الموسيقى اللاتينية و الاسبانية. فقد حضرت كل من جيتارات الفلامنكو و إيقاعات السالسا و ترومبيتات المارياتشي لنحصل على أغنية لاتن بوب بفكر عصري. في المقابل كانت نسختها الشرقية ملحمة أندلسية. وكأنها موسيقى تصويرية لفيلم تاريخي. وقد شهدت تنوعا إيقاعيا فريدا بين السنباطي و البلدي والمصمودي بالإضافة لثنائية القانون والجيثار الإسباني مع مؤثرات صوتية أعطت عمقا للأغنية.
من جهة أخرى انفردت أغنيتين بانتمائهما لموسيقى الروك. وقد عودنا الهضبة على خالدات في هذا النوع ("أنا مش أناني" و "يهمك في إيه" و "عكس بعض"...).
و"أنا معاك" (كلمات خالد تاج الدين و ألحان خالد عز) استخدم فيها الموزع عادل حقي إيقاعين: التشاتشا بتسريع التمبو و الكراتشي بشكل أبطأ. لكن المثير هو طريقة عزف الالكتريك جيثار المستوحاة من الSurf Rock و كذلك إضافة مؤثرات وكمنجات مبرمجة أضافت غموضا و رومانسية للأغنية. ثاني مثال للروك هو "عايز أعمل زيك" : أغنية طويلة بكلمات قوية ليست بالجديدة على الشاعر تامر حسين. فبعد "ساعة الفراق" و "حبايب إيه" و "راجع" و غيرها من الأغاني الدرامية كتب كلمات "عايز أعمل زيك" بحبر من دم.
هذه الكلمات الحزينة وضعها اسلام زكي في لحن قوي أقرب للبوح وختمها عمرو دياب بآهات تمتد لأكثر من دقيقة وتختلف عن أي آهات قدمها قبل هذا. الموزع رامي سمير قدم توزيعا يذكرنا بموسيقى الألترناتيف روك بحضور قوي للدرامز مع خلفية البيانو على طريقة ال Soul بيانو يذكرنا ب"قالي الوداع" وجملة جيتارات تؤثث الخلفية والفواصل.
نرشح لك : المغنية صافي صفوت تكشف كواليس اختيار عمرو دياب لها في "محسود"
وأخيرا فقد شهد الألبوم تنوعا كبيرا في فريق العمل وتعاونات جديدة للفنان عمرو دياب أبرزها مع المغني تامر عاشور. كما أن طريقة نزوله شهدت تغييرا عن الألبومات السابقة فقد صدر بشكل كامل لكن على امتداد ما يقرب الأسبوع. وهي طريقة جعلته حديث الميديا طيلة هذه المدة . هذه الطرق الغير متوقعة في الترويج لأعماله جعلت عمرو دياب يستمر في الانتاج بشكل منتظم. وهذه المرة شاهدنا اعلانا جديدا لبيبسي يذكرنا بجزء مهم من مشوار عمرو دياب و مختلف المحطات الغنائية. وكذلك قام بابتكار تحد جديد مع من يرغب بغناء "محسود" وهو تحد شارك فيه مجموعة من نجوم الغناء العربي.
اقرأ أيضًا :
مشهد حفل "لؤلؤ" يثير السخرية.. نسخة طبق الأصل من Tomorrowland
سبقه عمرو دياب... من هو بحر أبو جريشة الذي أعاد منير غناء أغنيته "فينك يا حبيبي"؟