أيهما أكبر أثرًا الجاذبية أم الوسامة؟
حين يتعلق الأمر بقاتل متسلسل سيكون عليه أن يجمع بين الاثنين للإيقاع بضحاياه، وسيكون هناك أثر أكبر وأعمق ذلك الذي يتركه لدى المشاهد، حيث المشاهد ينبغي أن يُصدق ويؤمن ويقتنع وهو ما قد حدث فى مسلسل هانيبال الذي ظهر موسمه الأول فى العام 2013 وصدر منه ثلاث مواسم والرابع قد يُعرض قريبًا.
ثمة صعوبة كبرى لكل العاملين بالعرض التليفزيوني هانيبال ذلك أن قصة توماس هاريس صمت الحملان قد تم تقديمها من قبل فى فيلم "صمت الحملان" بطولة أنتوني هوبكنز وحصل عن دوره فيه علي جائزة الأوسكار.
نرشح لك : من "خط دم" إلى "أنياب" .. لماذا لا تحب السينما المصرية مصاصي الدماء ؟
يواجه مادس ماكلينس الممثل النمساوي تحديًا كبيرًا، فلابد سيتم مقارنته بهوبكنز وأدائه، فى موضوع بالغ الصعوبة كيف تكون آكل لحوم بشر؟
وبعيدًا عن المقارنات بين أداء مادس وهوبكنز من المهم أن تتعرف على كل منهما بمعزل عن الآخر.
ثمة اتفاق بين براين فالر ومادس ماكلينس أن يظهر ليكتر هانبيال شخص طبيعي، لن تظهر عليه علامات الجنون، أو التطرف، سيبدو شخصًا عاديًا، متزنًا.
سارع مادس لقراءة أعمال توماس هاريس، بل أنه ذهب لأبعد من ذلك وغاص في قراءة والتعرف على عالم آكلي لحوم البشر، بكل رعبه وانحرافاته وأيضًا جاذبيته.
تخلص ماكلينس من أثر كل أدوار الشر التي لعبها في أعمال سابقة، وبدا شخصًا منزوع السياقات مما سبق، يأتي مسلسل هانيبال فى مرحلة سابقة قبل القبض على دكتور ليكتر، أي أن المشاهد سيتعرف في عام 2013 على ماضي دكتور ليكتر الذي عرفه فى 2001 عن طريق أنتوني هوبكنز.
قرأ مادس وتعرف إلى العالم المقبل على الانتماء إليه، وخرج بصورة مختلفة، لا يمكن للمشاهد الإفلات من الإعجاب بليكتر وكذلك ويل.
فالعرض مباراة فى الأداء بين مادس وهيو داسني وهما متكاملان على نحو بعيد، يقدم مادس صورة الطبيب النفسي المتزن، نظراته ثابتة، كلماته متزنة لا ينساق في التعاطف مع عملائه، في حين يظهر ويل شخص انفعالي، يقدم داسني الصورة النمطية للمريض النفسي، فانفعالاته معتمدة على صحته النفسية والعقلية، تلك التي يتحكم بها ليكتر، حالة من التضاد تطرح سؤال دومًا هل كان ليكتر مريضًا نفسيًا أم أنه صار إلى المرض النفسي من انخراطه في العمل وتفاعله مع زبائنه؟
ليكتر هانيبال بين الحيرة والإعجاب؟
أن تعرف مصير البطل قبل أن تبدأ هو أزمة العرض الكبرى، إذ كيف سيتابع المشاهد عرضًا هو يعرف نهايته، لم تكن هناك تفاؤلات بشأن نجاح المسلسل التليفزيوني، لكن براين فالر راهن على مادس ماكلينس، وهو ما أعلنه كل منهما، فقد رُشح أكثر من ممثل لدور دكتور ليكتر لكن براين كان لديه إصرار كبير على مادس الذي لم يُخيب ظنه.
قراءات مادس حول آكلي لحوم البشر كونت لديه خبرته الشخصية، كما أن براين الذي سعي لأن تكون شخصية دكتور ليكتر شخصية طبيعية بلا مظاهر معتادة للمرض النفسي، صنع جزء من جاذبية الشخصية، ساعدت مادس ملامحه غير الأمريكية، وتفنن فى الأناقة والاتزان، فى أجواء من الجريمة وملاحقة مجرمين وقتلة، كانت موهبة ويل فى تخيل كيف ظهرت الجريمة، ووجود الاستشاري النفسي دكتور ليكتر فى موقع الجريمة بطلب من الشرطة، قدمت دكتور ليكتر كما يليق بطبيب نفسي شهير، وجاءت حياته الشخصية هادئة متزنة، يعشق الطهي، وفى حين تُقدم الأحداث جرائم آكلي لحوم البشر نرى لقطات لليكتر يقوم بالطهي وهو في حالة من النشوة، لا يمكن تحديد هوية اللحم الذي يطهيه هانيبال، حالة أخرى من الشك يغرسها مادس وشريكه براين حول شخصية دكتور ليكتر، وفتح أبواب الخيال لدي المشاهد الذي يعلم مسبقًا أن دكتور ليكتر هو آكل لحوم بشر ويُفتش فى المشاهد عن بداية الخيط، كيف تحول دكتور ليكتر من هذا الطبيب المتزن الجذاب إلى المجرم الذي انتهي به الحال فى السجن؟
يُقدم مادس صورة شديدة الاتزان تليق باستشاري نفسي يقدم خدماته للشرطة، ويتعامل مع عملائه بهدوء، حتى اللقطات التي جمعته بطبيبته النفسية جاءت تُعمق الاحترافية وتخلع عن الطبيب الشهير أي سمات للخلل النفسي، او الانحراف السلوكي.
جمع مادس أدواته بشكل جيد أناقة مفرطة، ثبات انفعالي، وعي بالشخصية، ويصير المُشاهد إلى شرك الإعجاب بدكتور ليكتر، وتأتي الإثارة من الحجب، ليست هناك مشاهد عنف أو قتل يظهر فيها ليكتر بوصفه الفاعل، وجوده مع ويل كحالة من إعادة الاتزان إلى ويل، ومن ثم كلما أجاد هيو داسني تقديم المريض النفسي، منحرف الانفعالات، ذو الموهبة الفائقة فى تخيل أساليب القتل، وخطوات ارتكاب الجريمة، كلما انفعل هيو داسني وقدم الشخصية التي انتظرها الجمهور بات واضحًا بقوة اتزان دكتور ليكتر، وتزايد فضول الجمهور لمعرفة لحظة التحول.
يتضامن كل من براين فالر كاتب المسلسل ومادس ماكلينس بقصدية واضحة لكسر الصور النمطية عن المريض النفسي، او المنحرف عقليًا، فليس كل مريض نفسي أو مريض عقلي يمكن كشفه من سلوكه، وكليهما يُظهر ذلك بوضوح من سمات شخصية دكتور ليكتر والأداء المحكم لمادس وأيضًا من التضاد الواضح بين ليكتر وويل، من حيث الوظيفة والانفعالات والشخصية والأداء.
كانت قراءات مادس بهذا الصدد تكشف له العوالم الخاصة بآكلى لحوم البشر ودوافعهم النفسية، إنه شكل من المحبة التي يرتكبها هؤلاء، كونهم مغرمون إلى الحد الذي يأكلون فيه من يحبون، ومع الاتزان الواضح فى شخصية ليكتر كانت حالة الحب التي يُقدمها تجاه ويل مثيرة للشك فهل هي مقدمة لأن يكون ويل إحدى ضحايا ليكتر ام أنها كاشفة لمحبة بأثر جنسي؟