تحولت النظرة للمسلسلات كعمل فنى متفوق منذ عدة سنوات وذلك بسبب حجم التطور الذي لحق بصناعتها من حيث الجودة والتحليق بعيدًا عن السرب، والبداية الكبرى كانت مع الشبكات الخاصة مثل HBO التي خلقت محتوى مختلف عن كل ما هو تقليدي يسير وسط نظرائه يخضع للتصنيف العمري وقاعدة ما يجب أن يعرض على الشاشة الصغيرة، وأيضًا يجب أن يخضع للرقابة الذاتية من صُناعه والشبكات التلفزيونية، ما قدمته الشبكات أيضًا هو جسر للتواصل بين فناني السينما والتلفزيون، حيث سمح وجود المجموعة الأولى بطفرة في التعبير الفني بالصورة، وهو ما قرب بين الوسيطين اللذان كانا قبل القرن الـ21 مختلفين ولكل منهما فنانين وصناع متخصصين.
الشبكات الخاصة بدورها فتحت المجال للمنصات والتي دفعت الشبكات الخاصة فى مرحلة لاحقة إلي إطلاق منصاتها الخاصة الأمر الذى أجبر الشبكات الكلاسيكية الكبرى فى الصناعة إلى إطلاق منصاتها الخاصة لتواكب التطور الحادث وتحصل على موطئ قدم فى المنافسة.
هذا بالطبع لا يعني تفوق مطلق للدراما التليفزيونية على حساب السينما التي مازالت تملك اليد العليا رغم انتشار المنصات والشبكات التلفزيونية وأموالهم الإنتاجية الضخمة، لكن هناك بعض المسلسلات التي حققت النجاح وضمنت البقاء طويلاً في قائمة مفضلات الجمهور.
أهمية هذه المسلسلات وقدرتها على الاستمرار يتم تحديده فى الغالب من الحلقات الافتتاحية أو Pilot والتي وضعت بعض المسلسلات من دقائق عرضها الاولى في ترتيب متقدم في قوائم الأفضل، نتذكر من هذه المسلسلات The Walking Dead وThe Handmaid's Tale وHannibal وGame of Thrones وغيرها من المسلسلات التى تعلى من الصبغة الفنية، وتعتمد على جماليات الصورة وتفوق العناصر وهو ما جعلها الافضل، ويتكرر ذلك مع الحلقة الافتتاحية لمسلسل.
أهم ما توفره الحلقة الأولى في اي مسلسل هو عامل الإثارة والذي يؤثر بدوره على استمرارية المسلسل واستقبال الجمهور له، الحلقة الاولى من The Queen's Gambit وفرت الكثير، صنعت الاثارة والتشويق من لعبه تعتمد على الصبر والهدوء، ونجحت في أن تربط بين مشاعر المشاهدين والشخصيه الرئيسيه بيث، بداية من عنوان الحلقة The Opening في إشارة للخطوه الاولى من لعبة الشطرنج "الافتتاحية" والتي تحدد لحد كبير طريقة اللعب، حيث نتعرف في البداية على الشخصية الرئيسية في مرحلة متقدمة من حياتها بمشهد مختزل قصير يبدأ بها وهي تخرج من المغطس في الحمام بملابسها، وتهرول حتى تصل لرقعة شطرنج منصوبة امامها وامام خصم يبدو أكبر سنًا، ومن هذه اللقطة نعود بالزمن حيث طفولتها وكيف تحولت من طفلة يتيمة لمعجزة في عالم لعبة الشطرنج م منافسة قوية للاساتذة الروس.
نرشح لك : The Queen’s Gambit ... "مناورة" أكبر من رقعة شطرنج
يتماس المسلسل مع كل القضايا المعاصرة على الرغم من كون أحداثه تدور ما بين حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث يمكن قراءته كصراع سياسي بين القطبين أمريكا وروسيا، ويمكن قراءته علي صعيد قضايا حريات المرأة، أو حتى قراءته على المستوى الاول كونه مسلسل قصير عن بطلة في لعبة الشطرنج مصنوع بشكل جيد، وكونه يعبر عن قضايا معاصرة لا يعني أنه لا ينقل الواقع تاريخيًا، على العكس فالمسلسل من ناحية تصميم الإنتاج استحضر الحقبة التاريخية من حيث تصميم الملابس والاكسسوار والألوان، حتى اختياره لألوان الصورة في المسلسل ككل يعبر عن المرحلة، وساهم في تشكيل مشاعر المشاهدين ناحيه الاحداث سواء في الملابس كما حدث أكثر من مرة خلال الأحداث اولهم عندما بدلت بيث ملابسها للمرة الاولى في الملجأ وتركت الفستان الملون الذي يحمل اسمها للملابس محايدة الألوان التي لا تحمل أي حياة أو روح، كما الحال في الملجأ أو عندما قررت تغيير ديكور منزلها يتحول الى الوان اكثر بهجه وتعبر عن عمرها.
يمثل المسلسل واحدًا من أفضل حالات الأعتماد على الصورة فى تحقيق النقلات الزمنية والدلالات التى يترجمها المشاهدين دون الحاجة لحوار أو تفاعل بين شخصيات، أنتقال بيث من مرحلة الطفولة لمرحلة بداية المراهقة تم التدليل عليه بلقطة مقربة تصور مشرف دار الأيتام فيرجنسون وقد زاد على وجهه شنب رفيع تحولت الكاميرا بعدها للقطة متوسطة ظهرت من خلالها جولين (موزيز إنجرام) وهى تشعل سيجارتها وتتحدث لبيث ليدرك المشاهدين فى ثوانى معدودة مرور الزمن.
نفس الطريقة صورت تحول بيث من المراهقة الصغيرة للشابة المثيرة التى تمثل عامل جذب، فى الحلقة الثالثة وهى تستعد للنوم بالمشهد المعتاد والمكرر بان تتخيل رقعة الشطرنج على سقف الغرفة، لكن هذه المرة قد ظهرت عليها علامات الانوثة ثم يرسم صناع المسلسل على مهل تكون علاقة الحب بينها وبين تاونز (جاكوب فورتشن لويد) التى تبدو هى الأخرى مثل لعبة شطرنج تعتمد على لمسه أو ايماءه وسكون حتى الحركة التالية.
نرشح لك :
10 معلومات عن مسلسل The Queen’s Gambit.. ما علاقة ليث هيدجر به؟