كالعادة، تريند جديد، ولكن ربما هو واحد من أكثر التريندات الجيدة في الفترة الأخيرة، ربما فقط إرشادات العرض التي قدمها المخرج عمرو سلامة، والتي تشبه كثيرا إرشادات وزارة التربية والتعليم المطبوعة على ظهر الكتب الدراسية، هي ما تعرضت للكثير من السخرية، ولكن أن يتناقش الناس حول عمل فني بين مؤيد ومعارض مناقشة تجعلك تدرك بما لا يدع مجالا للشك، أن أحمد خالد توفيق بالفعل كان من الشخصيات المؤثرة للغاية في وعي عدد كبير من أبناء أجيال متعاقبة.
أسطورة الحبكة والقصة
في البدء دعنا نؤسس قاعدة أو قانونا مثلما كان يفعل رفعت إسماعيل في المسلسل ومن قبله ميرفي ولكنها لن تكون سلسلة قوانين ولكنها قاعدة واحدة
(قانون المقال الأول والأخير: الدراما تحكم)
ما يزيد عن 80 رواية بهم 8 حلقات رعب كل حلقة بالمتوسط خمس قصص قصيرة فنحن هنا نتحدث عما يقارب 85 رواية بخلاف الأعداد الخاصة، هذا هو ميراث رفعت إسماعيل، ولكن حينما تحاول الدخول لتقديم عالم روايات "ما وراء الطبيعة" بكل هذا الكم من القصص والشخصيات والأحداث ستصبح في حيرة من أمرك، لأنك تبحث عن إجابة لسؤال واحد وهو: كيف سأقدم الروايات دراميا؟
إجابة هذا السؤال ستحملك مباشرة لثلاثة حلول لا غير هو تقديم السلسلة في كل قصة على حدا في شكل حلقات متصلة منفصلة ويصبح الرابط الوحيد بينهم هو رفعت وبعض الشخصيات الرئيسية، بينما تتغير الأحداث تباعا وفق الرواية، وهنا أنت تتعامل مع كل حلقة بكونها عمل درامي مستقل، وهذا يعني أنك بحاجة إلى 85 حلقة لتغطية السلسلة.
الحل الثاني هو اتباع نفس الأسلوب ولكن تقوم باختيار عدد أقل من الروايات كأن تقدم 6 روايات فقط لا يربطهم شيء سوى البطل الرئيسي رفعر إسماعيل.
الحل الثالث وهو الأصعب والأكثر مخاطرة، خلق حبكة رئيسية تدور داخلها الحلقات جميعها، وبداخل كل حلقة حبكاتها الفرعية المتصلة منها حتى نهاية (الموسم الأول) أو التي تنتهي بنهاية الحلقة ومثال على ذلك:
● الحبكة الرئيسية لمسلسل "ما وراء الطبيعة" هي عودة شيراز التي تطارد رفعت ومن حوله، والحبكة الفرعية المتصلة داخل المسلسل هي صراع رفعت الداخلي بينه وبين نفسه وماضيه وصراع مشاعره بين ماجي وهويدا، وصراع رفعت مع كل ما حوله وداخله.
● بينما تنتهي حبكات فرعية داخل الحلقة كأوراق التاروت وكمال كحبكة في حلقتهم، ثم يندمجوا داخل الحبكة الرئيسية، ليصبحوا مفاتيح درامية.
● وهذا هو الحل الثالث، خلق حبكة درامية متسلسلة يمكن من داخلها مناقشة وعرض القصص المستوحاة من السلسلة.
السلسلة التي تم سردها طوال سنوات صدورها بشكل غير متسلسل – عشاق السلسلة يدركون ذلك جيدا- ولكن هذا لم يكن الأسلوب الذي أراد كتاب المسلسل استخدامه، بل أرادوا استخدام الخط الدرامي المتسلسل، لذلك استعانوا بحبكة أسطورة البيت لتكون الحبكة الرئيسية التي تربط القصص ببعضها البعض، والفرق بين الحبكة والقصة شاسع.
اقرأ أيضا: طلب المخرج من مشاهدي "ما وراء الطبيعة" التركيز ... شاهد ماذا حدث
القصة هي الأحداث، الحدوتة هي الباب، بينما الحبكة هي تسلسل الأحداث، هي التنظيم الشامل لتسلسل الاحداث في بنية درامية مترابطة، هي مفصلات الباب اللي بتثبته في الحيط وتسمح له بحرية الحركة.
هنا اختار صناع المسلسل تأليف قصة جديدة لنفس البطل والشخصيات، في حين استخدموا التفاصيل والإطار العام لبعض الروايات كحبكة تؤدي إلى تماسك العمل دراميا، سواء الحبكة الرئيسية وهي البيت وشيراز ومطاردة لوسيفر، أو الحبكات الفرعية في العساس أو الفرعون أو عدو الشمس أو لوسيفر وغيرها، وقاموا بدمج أكثر من رواية في نفس التفصيلة مثل رواية أسطورة عدو الشمس التي تم التلميح لها عبر شخصية كمال في النداهة.
وبالتالي فلصناع المسلسل الحق في رسم الشخصية البطل كما توجههم الدراما التي يحلمون بصنعها، فصانع الدراما عن الأعمال الأدبية، يقدم لنا حلمه الشخصي تجاه العمل الادبي، يقدم لنا رؤيته هو للعمل الادبي، وغير مسئول عن تحقق رؤيتي أو رؤية احد في العمل الادبي، بالبلدي (هو مش مسئول عن انه يطلع شخصية رفعت زي ما كل واحد قرا الروايات شافها، هو مسئول انه يطلع رفعت زي ما هو شافها لما تبقى دراما تبقى عاملة إزاي).
وبهذه الطريقة، بالتغيير في التفاصيل والشخصيات استطاع صناع المسلسل تحقيق البنية الدرامية المترابطة التي يريدونها، واستطاعوا استعراض أكبر عدد ممكن من الروايات في أقل عدد مسموح من الحلقات.
كل ما قام به كتاب المسلسل يندرج تحت بند (مستوحاة) لذلك فالفصل بين العملين الفنين واجب، فالمسلسل مستوحى من الروايات ولا يقدمها بتفاصيلها.
أسطورة الكوميديان
من اللحظة الأولى أدرك الكثيرين ان أحمد أمين أكثر بكثير من مؤدي ستاند أب كوميدي يظهر على الشاشة، وأن هذا الرجل ممثل من طراز نادر، والحديث هنا ليس فقط على اداءه لشخصية رفعت إسماعيل لكن في الأساس الجرأة التي تدفعه لأداء شخصية لها مثل جماهيرية رفعت لدى عدد كبير من الشباب، هي مخاطرة كبيرة، ولكن ثقته في موهبته ربما ورغبته في التحدي دفعته لقبول المغامرة وخوضها.
لدي الكثير من التعليقات حول أداء امين ولكن كلها تأتي من منطلق من قال لك أن رفعت يتحدث هكذا أو يسير منكسا مثلك؟! أو متجهم دائما بذلك الشكل؟! ولكن فجأة أدركت أنى اقارن رفعت الذي يعيش معي وفي عقلي برفعت الذي أراه، بمعني أكثر دقه، اقارن رفعت الروايات برفعت نتفليكس وهذا غباء، فإذا اتفقنا أن العمل مستوحى فالمقارنة محظورة.
بالعودة لأمين، الذي يقدم دورة الأول - كبطولة- خارج الكوميديا، - وهذا تحدي جديد- حيث في الغالب يعتاد الكوميديان على المبالغة حتى وإن كانت بسيطة من أجل الإضحاك وبعد فترة من الوقت تصبح المبالغة سمة من سمات أداءه التمثيلي، ولكن امين متخلصا من أي نوع من أنواع المبالغة، يقدم أمين أداء متزن ومتميز لشخصية رفعت إسماعيل، فقط شعرت أن امين ربما أطول مما يجب مقارنة بالممثلين المحيطين به، وهي نقطة ليست من أخطاء أمين ولكن يسأل عنها عمرو سلامة.
أسطورة المخرج
لا أدرى لماذا يصر عمرو سلامة في كل أعماله على أن يقف صارخا في وسط الكادر (أنا مخرج أهو.. شوفتوني وأنا مخرج)!
السيد عمرو سلامة، باعتراف جوجل نفسه أنت تعمل في مجال الإخراج ولك أعمال خرجت للنور، فليس هناك ما يدعو على الإطلاق للاستعراض بالكاميرا وبزوايا التصوير غير المناسبة دراميا للحدث الذي تقوم بتصويره، مثل أن تقلب الكادر رأسا على عقب لتتابع حركة رفعت الصغير، أو أن تأتي من يسار الشاشة إلى أسفل يمين الشاشة بالكاميرا لتستعرض هويدا وهي تبحث عن تليفون والخلفية من وراءها خاوية ليست بحاجة لتلك الحركة المعقدة بالكاميرا، والله احنا مصدقين إنك مخرج، أِخِرج بقى!!
وقبل أن انتهى من نقدي اللاذع – نعم انا مدرك ذلك جيدا- لدي تساؤل واحد لعمرو سلامة، روايات أحمد خالد توفيق كانت تثير الرعب فينا وأنت معنا ومن هذا الجيل، فهل لي أن اسأل لماذا صبغت كادرات حلقات مسلسلك بكل هذا الظلام الإضاءة الباهتة المتكومة بسبب او بدون سبب؟
وأخيرا، أعرف أن صلاح أبو سيف كان يهتم بشدة بأطوال الممثلين الذين سيظهرون في أفلامه ويضع حدا اقصى وأدنى للأطوال حتى تخرج الصورة متناسقة، وهذا ما فعله مثلا في فيلم القاهرة 30 وسرده الأستاذ هاشم النحاس في كتاب مذكرات فيلم، فلماذا لم تهتم بذلك لأنه كان سببا في إزعاج بصري سيء في عدد من المشاهد؟
وفي المقابل، مازلت ممتنا لعمرو سلامة وحماسة الشديد لتقديم ما وراء الطبيعة، والأهم أنه على الرغم من كل ما قولته حول استعراضه بالكاميرا إلا انه استطاع في الكثير من الأحيان خلق صورة بالفعل تتناسب مع الحالة العامة للمسلسل الذي من المفترض انه من مسلسلات الاثارة والغموض، والحق أقول ان الحيلة التي قام بها في المعالجة الدرامية للمسلسل كانت موفقة للغاية واختياره للممثلين وفقا لأدائهم التمثيلي كان موفقا للغاية وخاصة سماء إبراهيم وباتع خليل، والاهم هو اختياره لخالد الكمار لوضع الموسيقى.
في النهاية أعتقد أننا سنرى موسما ثانيا من "ما وراء الطبيعة"، ولا بد من شكر عمرو سلامة مرة أخرى لفتحه بابا جديدا للدراما المصرية، باب بشكل وأسلوب مختلف تماما عن السائد، وأيضا إعادة فتح الصندوق الذي دفنت فيه دراما الرعب المصرية بعد أعمال جيدة مثل "أبواب الخوف"، ومحاولات أخرى شبه ناجحة، شكرا عمرو سلامة على السعي والفرصة.
اقرأ أيضا:
خاص- هاني مهنا عن ظهور حمو بيكا في فرح هنادي: اتفاجئت بيه ومش خايف من "الموسيقيين"
صورة- أول ظهور لـ درة وهاني سعد بعد الزواج