تشهد صناعة الدراما في مصر حالة من التغيير وكسر القوالب التدريجي، عن طريق تجارب مختلفة خلال السنوات الأخيرة، مثل عرض مسلسلات ضخمة إنتاجيًا خارج موسم شهر رمضان، وهي المسلسلات التي تحظى بنسب مشاهدة جيدة وتحقق أصداء طيبة نقديا وجماهيريا.
اقرأ أيضا- هل يؤمن صناع المسلسل بجملة "ما وراء الطبيعة"؟.. هذه إجاباتهم
كذلك دخلت منصة "شاهد" كطرف جديد في معادلة صناعة الدراما بعد عرضها الحصري لبعض الأعمال المصنوعة للعرض التليفزيوني من 30 حلقة، ومنها مسلسل "اللعبة" الذي طرحته بالكامل في يوم واحد، ثم الاتجاه إلى إنتاج أعمال خاصة بالمنصة لا تلتزم بعدد 30 حلقة، و حققت انتشار واسع وردود فعل لا تقل بالمقارنة بالأعمال المتاحة مجانا عبر التليفزيون.
تجربة "شاهد" سبقتها تجارب ناجحة آخرى لمنصة "فيو" التي تراجعت مؤخرًا، وتلتها تجارب نجاحة ومبشرة لمنصة "Watch It"، وكل التجارب تشير إلى أن هناك انفتاح من الجمهور لفكرة الدفع مقابل المشاهدة، طالما كان المحتوى المقدم جيدًا.
واليوم أخذت منصة "نتفليكس" خطوة أكبر في صناعة الدراما المصرية، بعد عرض مسلسل "ما وراء الطبيعة" واتاحته بحلقاته الست في يوم واحد، في خطوة هي الاولى للمنصة العالمية في سوق الدراما المصرية، وكان اختيار سلسلة الروايات الشهيرة للراحل أحمد خالد توفيق، بمثابة رهان مضمون، لأن هناك الآلاف من قراء الروايات الذين سوف ينتظروا تحويلها على الشاشة، وهو ما قابلته نتفليكس بالحرص على الإشارة إلى الرغبة في تقديم محتوى مختلف تماما للجمهور العربي، مع التأكيد على دبلجة المسلسل إلى كل اللغات الأجنبية المتاحة، وترجمته كذلك إلى عدة لغات من بينها العامية المصرية.
تعاملت منصة نتفليكس بذكاء مع مشروع "ما وراء الطبيعة"، بداية من الأسلوب الدعائي، مرورا بالكشف التدريجي عن التفاصيل، ثم توفير الفرصة للجمهور لمعرفة أراء صناع المسلسل قبل أيام من عرضه، عقب إجراء عدة مقابلات صحفية، كل ذلك صنع حالة من التشويق، استغلها المخرج عمرو سلامة قبل ساعات من عرض مسلسله بكتابة قواعد للمشاهدة، استفزت شريحة كبيرة من الجمهور، لكنها أوصلت رسالة تحفيزية واحدة وهي "انتظروا المسلسل".
اللافت في تجارب المنصات الإلكترونية هو اللجوء إلى الإعلانات التليفزيونية بشكل مكثف لاجتذاب الجمهور إلى محتواهم المعروض عبر الإنترنت، وهو ما يشير إلى أن الشبكات التليفزيونية هي الطرف الأقوى حتى الآن، حتى لو اتفقنا أن صناعة الدراما تتحول تدريجيا إلى عالم المنصات، وهو أمر تحكمه عدة عوامل من أبرزها تراجع حجم الإعلانات عبر القنوات التليفزيونية واتجاه المعلنين لاستهداف شرائح الجمهور بشكل أدق عبر الإنترنت، حيث يمكن للمعلن أن يوجه إعلانه إلى الشريحة العمرية والجغرافية والنوعية سواء كان ذكر أم أنثى، وهو ما يحقق نسبة دقة أكبر في استهداف الجمهور.
نجاح المنصات لا يعني ذلك أن مسلسلات رمضان سوف تتوقف أو أن التليفزيون سوف يعرض لك برنامج غير ترفيهي في وقت الإفطار، تليفزيونك التقليدي العادي سوف يستمر، ولن يتوقف الفنانين عن تقديم أعمال تجذب المشاهد أمام الشاشة الصغيرة.
لكن هل تستمر مسلسلات الـ30 حلقة؟ أعتقد أن ذلك القالب الذي لا يتغير أصبح في طريقه للاختفاء، في المسلسلات التليفزيونية، وهو غير متوافر عبر المنصات الإلكترونية في الأعمال التي أنُتجت خصيصا للمنصة أو ما يتم وصفه بـ "الأعمال الأصلية"، كما أن كلاسيكيات الدراما لم تكن مكونة من 30 حلقة وهو القالب الذي نم اتباعه في منتصف التسعينات لأسباب ترتبط برغبة المعلنين في زيادة عدد الحلقات.
الشبكات التليفزيونية التي تشاهدها على مدار يومك تدرك متغيرات الصناعة، لذلك تجد أن المنصتين العربيتين الأبرز هما "Watch It" التي تتبع شبكة قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومنصة "شاهد" التابعة لمجموعة قنوات MBC، وهي الطريقة الأفضل للحفاظ على توازن صناعة الدراما، بين تقديم مسلسلات قصيرة تشاهدها في ساعات قليلة، ومسلسلات درامية تخاطب جمهور التليفزيون الذي يجمتع حول الشاشة لمتابعة 30 دقيقة درامية كل يوم.
تغيير أشكال الدراما سوف يستمر، ستخرج تجارب ناجحة يقلدها الآخرين وقوالب تفشل وتنتهي في خطواتها الاولى، المؤكد أن المشاهد على موعد إزدهار كبير في صناعة المسلسلات، سيتيح الفرصة لإنتاج عدد أعمال أكبر بدون الوقوع في فخ النمطية.
اقرأ أيضا:
أسباب تدعوك لمشاهدة مسلسل "ما وراء الطبيعة"
إرشادات عمرو سلامة لمشاهدي "ماوراء الطبيعة".. دعاية ذكية أم سقوط في فخ السوشيال ميديا ؟