يقول المبدع الراحل محمد خان في أحد مقالاته الشهيرة، والتي تم جمعها فيما بعد في كتاب باسم "مخرج على الطريق": "طول عمري أحب الأكل في السينما من أيام السينمات الصيفي، وبائع البوفيه ينادي (سميط وجبنة وشيبسي)، ده مع الدقة والبيضة المسلوقة ووراها الحاجة الساقعة، أما في سينمات وسط البلد المكيفة فكان الأكل إما بعد أو قبل العرض من محلات السندويتشات المجاورة للسينما ليتبعها طبق البسبوسة بالقشطة من محل الحلويات الشامية، لذلك أصبحت مشاهد الأكل في كثير من أفلامي لا مفر منها".
لعل هذه المقدمة تشرح باستفاضة أهمية الطعام لدى خان الذي استطاع أن يجعل من هذا الطعام "سمة" رئيسية في أفلامه، فاشتركت أغلبها في "اللمة" التي جعلت هذه الأفلام وجبة شهية لعشاق سينما خان النهمين إلى الفن والمقدرين جيدًا قيمة الطعام.
تحل اليوم 26 أكتوبر ذكرى ميلاد المخرج محمد خان، الذي أعلن عن حبه لسينما الأكل ببساطة وعبقرية شديدة، وفيما يلي نستعرض أبرز مشاهد الأكل في سينما خان...
(1)
"ربما أكثرها درامية كانت أكلة "المسقعة" المسمومة التي أبدعت الراحلة سعاد حسني في التعبير عن انتقامها من طليقها وهي تعدها ثم تشاركه أكلها في مشهد النهاية في "موعد علي العشاء" بوجه كله تحد ونظرات حزينة وحشرجة صوت معذبة معلنة في صمت، عليا وعلى أعدائي".
هكذا تحدث محمد خان عن فيلم "موعد على العشاء الذي عرض عام 1981، وتحديدًا مشهد قتل "نوال" لزوجها "عزت" في نهاية الفيلم، عن طريق دعوته لتناول العشاء على طبق من "المسقعة" المسمومة.
(2)
يتابع خان: "ودائما أميل إلى اللمة حول المائدة أو الوليمة مثل وليمة الخروف المشوي التي أحياها الإقطاعي المفلس (فريد شوقي) على حس الخطيب الموعود الموظف (يحيي الفخراني) من أجل ابنته (ليلي علوي) في "خرج ولم يعد"، هذا الفيلم الذي أعاد طبق البيض المقلي بالسمن البلدي إلى قائمة الأكلات الشعبية المنسية وساهم في ارتفاع سوق بيع البيض البلدي! ولا غنى عن ذكر الأكلات الأخرى المذكورة في الفيلم أمثال الملوخية بالأرانب أو البط وحتى "المش" وجد مكانا في القائمة".
وهنا يتحدث خان عن مشاهد تناول الطعام الكثيرة والمتنوعة في فيلم "خرج ولم يعد" فالفيلم كله يتمحور حول تناول الطعام على المائدة، وأهميته في إعادة ترتيب "عطية" لأولوياته، فيرى راحة قلبه في راحة معدته ليفسخ خطبته ويستقر مع "خوخة" التي وجد بجوارها إلى جانب الحب، إشباعًا لمعدته.
(3)
وعن أحلام هند وكاميليا قال محمد خان: "فاللمة كانت تحت الشجر بينما ترتفع الكاميرا تدريجيًا في لقطة رأسية تطل على نجلاء فتحي وأخيها المدمن مع زوجته الحقود وأطفالها والزوج الفج، الجميع يجمعهم الأكل في لحظة هدوء قبل العاصفة".
(4)
أما أكلة الكانيلوني في "بنات وسط البلد" فتمهد الطريق إلى القبلة والوزة "أهواك" التي كانت منة شلبي تربيها انتهى أمرها محمرة على سفرة العائلة".
وهنا تحدث خان عن توظيف الأكل كآداة درامية تصلح للإشارة إلى بدء العلاقات أو انتهائها في فيلمه "بنات وسط البلد".
تحدث خان عن الأكل في أفلام أخرى مثل "الحريف" للفنان عادل إمام، وخص بالذكر مشاهد عبرة الفول والكشري وتناول الآيس كريم مع زوجته السابقة التي جسدت شخصيتها الفنانة فردوس عبد الحميد.
وعن مشهد تناول التين الشوكي في فيلم "مستر كاراتيه" للراحل الفنان أحمد زكي، ومشهد أكلة السمك في "شقة مصر الجديدة" للفنانة غادة عادل.
هكذا صنع محمد خان عالمه السينمائي الخاص والساحر، والذي دمج فيه حب الطعام مع حب السينما والفن وخرج بخليط ساحر من الإبداع لن يمحو الزمن أثره.
فمحمد خان الذي نجح في تقديم شخصية الرئيس محمد أنور السادات ووزع مشاهد الفيلم بين السياسي الناجح والزوج والأب المحب، نجح في تقديم السيرة الذاتية بزاوية بسيطة للرئيس الإنسان الذي يتناول طعامه ببساطة، وكذا فعل في مجمل أعماله، منذ تقديم فيلمه القصير "البطيخة" بداية السبعينيات، والذي دار حول حياة موظف بسيط وأهمية البطيخة في حياته وحياة أسرته.
اقرأ أيضا
فيديو- رد فعل يسرا عندما حاولت منة شلبي تقبيل يدها في الجونة
"اللي ياخده ياخده" و"معرفش الكشري" .. أغرب 10 تصريحات لـ ياسمين صبري