رغم أننا نتحدث عن اثنين من أهم فناني الوطن العربي، ولهما شعبية هائلة تقدر بملايين المستمعين على مستوى دول العالم أجمع، ومن المفترض أنهما يتنافسان على صدارة المشهد الموسيقي كما هو الحال مثلًا مع الأهلي والزمالك في كرة القدم، إلا أن هناك الكثير من العوامل المشتركة التي تجمع بين "الملك" محمد منير، و"الهضبة" عمرو دياب، -ذكرنا محمد منير أولا بحكم الأقدمية-
هاني شنودة
للمفارقة العجيبة، أن الموسيقار الكبير ومؤسس فريق "المصريين" وواحد من الذين غيروا مسار الأغنية المصرية "هاني شنودة".
هاني هو أول من قدم الفنان محمد منير بعد لقائه بالشاعر عبد الرحيم منصور الذي كان يرى في "موسيقار المصريين" نية تجديد دماء الأغنية المصرية، وفي الوقت ذاته كان الشاب النوبي يطمح في خلق منهج موسيقى لنفسه مختلف عن باقى المتواجدين على الساحة.
ألبوم "أمانة يا بحر" هو أول ألبومات منير وكان التوزيع الموسيقي لكل أغنيات الألبوم من نصيب هاني شنودة، ولكن هذا الألبوم لم يحقق النجاح المطلوب "جماهيريا" لأسباب تقنية تتعلق بعدم توافر أجهزة "الكاسيت".
بعدها طرح فريق "المصريين" بقيادة هاني شنودة ألبوم "بحبك لا" والذي تضمن مجموعة من الأغاني الهامة مثل "الشوارع حواديت"، و"ماما ستو"، "متحسبوش يا بنات" وحقق نجاحا كبيرا، وهو ما جعل الشركة المنتجة لألبومات منير والمصريين ان تتشجع وتقوم باعادة طرح نفس الألبوم ولكن باسم آخر وهو "علموني عنيكي"، وحقق وقتها نجاحا كبيرا وكان بمثابة شهادة ميلاد نجومية محمد منير التي لم تنطفى حتى وقتنا هذا.
أما مع عمرو فلم يختلف الأمر كثيرا في مضمونه، ولكنه مختلف في تفاصيله، حيث كانت فرقة المصريين في مدينة بورسعيد "بلد عمرو دياب" تحيي حفلا موسيقيا هناك، وعندما علم عمرو بالأمر ظل يبحث عن الموسيقار هاني شنودة حتى علم أنه يقيم في أحد الفنادق هناك، وصعد إلى غرفته وقابله وطلب منه أن يساعده كي يكون مغنيًا، وسمعه هاني شنودة وعلق على لهجته البورسعيدة ونصحه بالنزول إلى القاهرة كي يتعلم الموسيقى بشكل أكاديمي ويساعده الاختلاط مع المجتمع القاهري بتغيير لهجته البورسعيدة وهو ما حدث مع الوقت.
شنودة أيضا هو أول من لحن ووزع أول أغاني عمرو دياب "الزمن" عام 1983 بل وظهر مع عمرو في كليب الأغنية كعازف للبيانو كنوع من أنواع الدعم لموهبة عمرو الذي لم يكن معروفا وقتها، وللمفارقة أن "الهضبة" في هذه الفترة التي تعاون فيها مع هاني شنودة كان كانت أغانية تبتعد كل البعد عن العواطف والرومانسية والغناء للشفايف والخدود والعيون وما الى ذلك مثل ما يحدث الان.
القدرة على النجاح
دائما ما نستمع الى مقولة "ليس من الصعب الوصول الى القمة ولكن الأصعب المحافظة عليها"، والحقيقة أن تجربتي محمد منير وعمرو دياب هي النموذج الأمثل لتطبيق هذا المقولة، فنحن نتحدث عن "الملك" الذي بدأ مسيرته الفنية عام 1977 ولا يزال حتى الآن بعد مرور أكثر من 43 عامًا محافظًا على نجاحه وتزداد شعبيته يوما بعد آخر، وبالمثل عمرو دياب الذي بدأ مسيرته الفنية في عام 1983 ولا يزال حتى الآن بعد مرور أكثر من 37 سنة محافظ على صدارته للمشهد الموسيقى في الوطن العربي، وبلغة الأرقام والإيرادات والجوائز والانتشار الدولي وتأثيره على العالم، فربما يكون هو المغني الأنجح في تاريخنا الموسيقي بدون أي مجاملة!
استقلالية المشروع الفني
أهم ما يميز الفنان محمد منير هو استقلالية مشروعة الفني عن باقي المتواجدين على الساحة الغنائية، وبالنظر الى تاريخ وفاة "العندليب" عبد الحليم حافظ عام 1977، سنجد للمفارقة أنه هو نفس التاريخ الذي بدأ فيه منير مشواره الغنائي، فكان من السهل أن ينتهج منير نفس النهج العاطفي ويستكمل مشوار العندليب مع الاختلاف في بعض التفاصيل الموسيقية البسيطة مثل ما فعل "هاني شاكر" على سبيل المثال، ولكن لأنه أراد أن يكون مختلفا وأن يكون له مدرسته الموسيقية الخاصة فقام بصياغة مشروعة الغنائي المستقل عن باقي المتواجدين على الساحة حتى لو تعامل مع نفس الشعراء والملحنين والموزعين الذين صنعوا أغاني لفنانين اخرين، ولكن يظل تعاونهم مع منير مغايرًا.
فنحن نتحدث عن فنان "أسمر اللون، بشعر مجعد، لا يرتدي البدل الكلاسيكية، يفضل الألوان الغريبة، لا يقف ساكنا على المسرح، وأحيانا يظهر حافيا بدون حذاء، فرقته الموسيقية عددها أقل من "التخت" الموسيقى المعتاد "وقتها"، يؤمن بأن الإيقاع لا يقل أهمية عن صوت "المغني"، توزيعاته الموسيقية تميل الى الشكل موسيقى الريجي والجاز، مواضيعه الغنائية تحث على التحريض والتفكير والتأمل ويفضل الابتعاد عن المعاني الواضحة والصريحة والمباشرة.
عمرو دياب هو الآخر مستقلا في مشروعه الفني حتى لو كانت أسطورته الغنائية بنيت على مضمون الغناء العاطفي استكمالا لمسيرة عبد الحليم حافظ، ولكنه على المستوى الموسيقي فهو أكثر من طور في شكل الغنوة العربية، كما انه ساهم في انتشارها خارج حدود الوطن العربي، فالغناء قبل ظهور عمرو دياب شئ، وبعد ظهوره شئ اخر ، فهو من اخترع فكرة "اللوك"، وأصبح مظهر الفنان أمر يحاسب عليه مثل ما يحاسب على اختياراته للكلمات والألحان، مؤمن بأن الايقاع والتوزيع الموسيقي قد يكون أكثر أهمية من صوت المغني نفسه، دائما ما يكون معبرا عن ثقافة الفترة الزمنية التي يعيشها مهما اختلفت الأجيال التي تسمعه، هو من غير في طريقة وقوف المغني على المسرح، يؤمن بضرورة مشاركة الجمهور معه في الغناء بل وأحيانا يجعله جزءا من فرقته الموسيقية مثل ما يحدث عندما يقوم بغناء "ليلي نهاري، نور العين، ميال"، وهو ما يجعل حفلاته بها حالة من الحميمية من المستحيل أن تجدها مع أي فنان اخر.
قوة الأداء على المسرح
أهم ما يميز محمد منير هو الغناء على المسرح بشكل يكاد يتفوق على أدائه في الأغاني المسجلة في الاستديوهات الموسيقية، صحيح أن هذا الأمر قد يكون أمرًا عاديًا في الماضي وبالتحديد قبل ظهور منير، ولكن يجب أن نعلم أن شكل الغناء وقتها كان مختلفا كليًا عن الأن، وكانت الفرقة الموسيقة في الماضي مجرد عامل مساعد تقود بترديد نفس الجمل اللحنية التي يقولها المطرب واللهم بعض الفواصل الموسيقية المختلفة، أما الان فالأمر تغير تماما والفنان أصبح مطالب بمواكبة تطورات العصر ومسايرة الموضة الموسيقية العالمية، ولذلك قدم منير "الريجاتون"، و"البوب"، و"الروك"، و"الريجي"، و"الجاز"، .. ألخ، وهذه الأشكال الموسيقية مختلفة عن بعضها تماما، ولولا أنه يمتلك فرقة موسيقية مميزة، فما كان له أن يظل ملكا على مسرحه على مدار هذه السنوات.
أما عمرو دياب ففرقته الموسيقية هي الأهم حاليا في الوطن العربي، فكل من يعمل بها هم صناع الأغاني لكل المغنيين الآخرين، فضلا عن أن التنوع الموسيقي الذي يقدمه "الهضبة" عبر مشواره الفني الممتد يتطلب أن تكون الفرقة على درجة كبيرة من الوعي والثقافة الموسيقية لكي تكون قادرة على تنفيذ التوزيعات "لايف" امام عشرات الالاف الذين يحضرون حفلاته.
الهضبة على مدار مشواره يتعامل تقريبا مع نفس الفرقة الموسيقية ويستعين بهم دائما، في أعماله المصورة مثل "ويلوموني، وبقدم قلبي، والقاهرة"، كما ان مجموعة كبيرة منهم شاركوه في التمثيل في فيلمه الأنجح "ايس كريم في جليم".
المشاركة الخافتة في السينما
لغة الأرقام تقول أن محمد منير تفوق على عمرو دياب في عدد الأفلام التي شارك فيها، ويرجع ذلك لأن منير اشترك في 11 فيلم وهم "البحث عن توت عنخ امون، وحكايات الغريب، ومفيش غير كده، ودنيا، واليوم السادس، وشباب ع كف عفريت، واشتباه، وليه يا هرم، ويوم حلو ويوم مر، والمصير، وحدوتة مصرية"، وفي المقابل اشترك عمرو دياب في 4 أفلام وهم "السجينتان، والعفاريت، وآيس كريم في جليم، وضحك ولعب وجد وحب"، ولكن حقيقة الأمر أن الهضبة والملك لم يحققا نجاحا مماثلا في السينما كما كان الأمر في المجال الغنائي، وإن كان عمرو دياب تحمل مسؤولية فيلمين بمفردة كبطل أول وهما "آيس كريم في جليم، وضحك ولعب وجد وحب"، ونستطيع أن نقول أنه حالفه التوفيق في بطولة آيس كريم في جليم والذي ارتبط بذكريات جميلة لقطاعات عريضة من جمهوره ولا يزال الفيلم يحقق النجاح في كل مرة يعرض فيها على الفضائيات ويفاجأنا النقاد من آن الى اخر بالكتابة عنه والبحث في أسراره من زوايا جديدة، بينما محمد منير كانت الافلام التي شارك فيها بطولة جماعية ولم يكن هو بطلها الأول، وفي الغالب يرجع هذا الأمر لإرادة منير في أن يشارك في الأفلام كممثل وليس كنجم غنائي.
ولكن يحسب للثنائي أن أغانيهما التي صدرت في الأفلام تركت أثرا جيدا في وجدان الجماهير، وكانت مختلفة اختلافا كليا عن اغانيهم التي تصدر في ألبوماتهم الغنائية وهو ما جعلنا ندرك مع مرور السنوات أن هناك أغاني صدرت في أفلام "الهضبة"، و"الملك"، وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا أكثر من نجاح الأفلام نفسها، فمثلا أغنية "ذكريات" لعمرو دياب أشهر من فيلم "ضحك ولعب وجد وحب"، وأغنية "حدوتة مصرية" أشهر من الفيلم نفسه!
التأثر بالمنشأ
بشكل أو بآخر من يتابع مشوار محمد منير جيدا سيجده معبرا عن كل تفاصيل البيئة التي نشأ فيها وكذلك عمرو دياب، فمحمد منير هو ابن النوبة، يغني بلهجتها وليس هذا بحسب بل أنه شارك بشكل كبير في نشر اللهجة النوبية من خلال مجموعة من الأغنيات التي يقدمها بكل حرص عبر مشواره الغنائي، وفي كل مرة تحقق هذه الاغنيات انتشارا جماهيريا، كما أنه يعبر عن ثقافة المجتمع الذي نشأ فيه من خلال طريققه اختياره للملابس والألوان، وايضا في تصويره للكليبات واختياره للمواضيع التي يغنيها، وايضا فيما يخص الشكل الغنائي فسنجده يستخدم "السلم الخماسي النوبي"، و"الدفوف"، وايقاعات موسيقى "الريجي".
مشوار منير أشبه بنهر النيل قبل بناء السد العالي، فأحيانا نجد فيضان من الأبداع والتدفق والنجومية والتألق، وأحيانا آخرى نجده في حالة نضوب مثل الأيام التي يعيشها "الملك الآن".
أما عمرو دياب فهو ابن بورسعيد، حيث تشكل وعية من ثقافة أولاد المدن الساحلية الذين يتعاملون مع المراكب التي تأتي الى مدينتهم من كل بقاع العالم بمختلف اللهجات والثقافات، ومن سافر منكم الى مدن القناة وتحدث مع ابنائها الذين يتعاملون مع سفن قناة السويس سيجد انهم يتمتعون بقدر من الذكاء يجعلهم يحفظون مجموعة من الكلمات من مختلف اللهجات واللغات لكي يستطيعوا التعامل مع الجنسيات المختلفة، وهذا ما يفعله عمرو دياب بموسيقاه فدائما ما تحمل أغانيه الطابع العالمي ويستطيع أي انسان على وجه الأرض ان يستمع اليها ولا يشعر بغربة حتى لو كان غير متفهم للكلمات ولكنه يشعر بحالة من الألفة بمجرد سماع بموسيقى الهضبة التي لا تتغير خلطتها السحرية حتى لو تغير صناعها على مدار أكثر من 30 عاما، وهذا ما يؤكد أنه صاحب "سر الصنعة"، ولذلك فلا نستعجب اذا وجدنا أن عدد النسخ المترجمة من أغاني عمرو دياب بكل لغات العالم تخطت حاجز الـ 260 أغنية!
واذا كان مشوار محمد منير يشبه نهر النيل في فترة قبل بناء السد بتغيراته، فمشوار عمرو دياب يشبه استقرار قناة السويس التي تتميز بعدم وجود أمواج عنيفة أو رياح قوية، وبالمثل هو مشوار عمرو دياب الذي يتميز بالثبات على القمة، ودائما ما يكون في حالة استقرار تام لا يؤثر عليه أي عامل من عوامل الزمن!
الشعبية المشتركة بين الجمهورين
دائما ما يكون هناك حرب مشتعلة بين الجماهير المتنافسة في المجالات المختلفة سواء في الفن أو في الرياضة، فمثلا جمهور الأهلي لايحب الزمالك، والعكس صحيح، وجمهور عمرو دياب لا يحب تامر حسني وبالمثل، وهذا طبيعي ومنطقي في كل بقاع العالم، ولكن الوضع مختلف ومتغير لسبب لا يعلمه الا الله، فسنجد أن الاغلبية من جمهور محمد منير تحب عمرو دياب وتستمتع بأغانيه ولا تشعر بالغيرة من نجاحاته المتكررة، ونفس الأمر لجمهور عمرو دياب والذي كان سعيدا للغاية بالتعاون المشترك بينهما في أغنية القاهرة، بل ان هناك رموزا موسيقية تعاونت مع هذا الثنائي ولم يعقد جمهور أي من الفنانين أي مقارنه بين الانتاج المختلف لنفس الشخص في تعاونه مع الهضبة والملك، فلم يقارن جمهور منير مستوى التوزيعات التي قدمها اسامة الهندي مع عمرو دياب بالذي قدمه قبل ذلك مع منير، ونفس الأمر مع ألحان عمرو مصطفى ومحمد رحيم .. ألخ
بل أن الجمهور يشعر بأن التركيبة الفنية لهذا الثنائي بها نوع من التكامل وكلاهما يكمل الاخر ويكون الجمهور هو المستفيد الأول من نجاحهم.
حب نادي الزمالك
لا أحد يستطيع أن ينكر ان جمهور النادي الأهلي يمثل الأغلبية من تكوين مصر، لدرجة أن كثير من الفنانين والسياسيين ايضا يرفضون الاعلان عن انتمائهم الرياضي لكي يتجنبوا الوقوع في المشاكل مع الجماهير المتعصبة، ولكن لأننا نتحدث في هذا الملف عن فنانين متمردين قاما بتكسير كل الثوابت المحفوظة، فسنجد أن منير يفتخر باعلانه حبه وعشقه لنادي الزمالك، ونفس الأمر لعمرو دياب الذي احيانا يتعرض لبعض المضايقات "بدافع الهزار" من بعض جماهيره المحبه للنادي الأهلي، وهذا ما يجعلنا نتأكد أننا امام فنانين صادقين ويعبران عن ما يدور بداخلهما دون مراعاة لأي حسابات أو تعقيدات، وهذا هو سر تميزهما