"لوكاندة بير الوطاويط".. الرواية السابعة للكاتب والسيناريست أحمد مراد، والتي طرحها مؤخرا، تدور أحداثها في أجواء من الجريمة والغموض، ففي أثناء ترميم اللوكاندة المجاورة لمسجد "أحمد بن طولون" بحي السيدة زينب، يتم العثور على يوميات تعود لسنة 1865 ميلادية، مدفونة وراء حائط الغرفة رقم 7 بالطابق الثالث بمبنى اللوكاندة، ومحفوظة بشكل جيد.
اليوميات من نمرة "34" إلى "53" هي الوحيدة التي تصلح للنشر، إذ أرّخ فيها مصوّر الموتى "سليمان السيوفي" ما حدث له في سنوات ما قبل إنشاء جهاز بوليس منظم، حين تم تكليفه بتقصي الحقيقة حول وفاة أحد الأثرياء، ليكتشف أن الوفاة وراءها قتل عمد، وفاعل ترك مع ضحيته تذكارا عبارة عن رأس أسد خشبي، وتتوالى الأحداث ليتضح أن هذه الواقعة ليست سوى الجريمة الأولى في سلسلة من الاغتيالات المنظمة غير المعلوم سببها، والتي أدرك فيما بعد أنها ربما تنتهي بمقتله.
على هامش الرواية التي انتهيت منها بالأمس، كان لدي العديد من الملاحظات بشأنها وبشأن الكاتب أيضا، لا سيما مع الجدل المثار حوله منذ طرحها ما بين المدح والذم كالعادة.
1- ليس جديدا على أحمد مراد وجود محتوى +18 في كتاباته، لكن هذه المرة كان الأمر أشبه بمحتوى إباحي تم تقديمه بشكل مبتذل ومضاعف عن الروايات السابقة، وأعتقد أنه إن تقرر تحويلها لعمل سينمائي فلا بد وأن التصنيف سيتجاوز +18 و+21 ولو كان هناك تصنيفات عمرية أكبر لتجاوزها، لما فيها من مشاهد جنسية تفصيلية.
2- أيضا الألفاظ الخارجة "محشورة" في الكتابة بدون داعي، ولو تم حذفها لن تؤثر على الأحداث مطلقا.
3- التطرق لعلاقات البطل النسائية كان مبالغا فيه، ولا يخدم الخط الأساسي لأحداث القصة، فضلا عن وجود تفاصيل وأوصاف زائدة للأشياء والأماكن تشتت الانتباه ولا تفيد المعنى ولا القصة في شيء، وكأنها استعراض لموهبته في السرد.
4- للإنصاف طريقة مراد في السرد تطورت بشكل كبير للأفضل، وتحديدا من خلال رصد الهلاوس الذهنية بشكل دقيق.
5- للخروج من مأزق الإسقاطات المريبة على الأنبياء والرسل والعلاقة بالإله، وضعها الكاتب على لسان البطل المضطرب نفسيا، ولأجل الوحدة الوطنية جمع في البطل كل الأديان؛ مسلم مسيحي مضطرب نفسيا ينتظر الوحي والمعجزات والعاهرات وكل ما يخطر على البال.. ما هو مجنون!!
6- البداية قوية والقصة ككل ممتعة، لكن النهاية ضعيفة وبها قدر من السذاجة والاستسهال يجعل متعة البداية والمنتصف تتلاشى تدريجيا.
7- رغم أي اعتراضات لك كقارئ على الألفاظ أو التفاصيل الزائدة بدون داعي، لكن بداية من كشف الجريمة الثانية ستجد رغبة في استكمال القراءة للوصول لنهاية الجرائم وكشف اللغز.
8- في الحقيقة أحمد مراد اسم ناجح في سوق المبيعات، ويبذل مجهودا في الكتابة، ولديه انتشار بين أوساط الشباب والمراهقين، وانتشار أكبر بسبب تحويل رواياته لأعمال فنية، لكن لا بد أن ينتبه لـ"الشَعرة" الموجودة بين رغبته في تحويل رواياته لأفلام وبين الكتابة الأدبية، وإلا كان من الأجدر به أن يكتبها كسيناريو من البداية.. أسهل!
9- تكرار فكرة الكتابة البوليسية والغموض والجرائم، سيصنع _سينمائيًا_ سلسلة من الأعمال الفنية ذات المشاهدة الواحدة، فإن كنت قد رأيت فيلم "الفيل الأزرق" على سبيل المثال، هل تجد فيه ما يجعلك تكرر مشاهدته من آن لآخر؟!.. الانبهار اختفى مع انتهاء العرض الأول.
10- يؤكد الملحوظة السابقة فكرة الخيال والكائنات الغريبة التي تطير وتتحدث... إلخ المتكررة في كتاباته، هذه الأشياء سينمائيا تكون مبهرة حين يتم تنفيذها بشكل صحيح، كما هو الحال في "الفيل الأزرق"... لكن إذا شاهدت نفس الفيلم على الهاتف المحمول أو عبر التليفزيون ستدرك الفرق الشاسع في درجة الانبهار، لذا لا بد أن ينتبه لكونه يسير بخطى ثابتة تجاه صنع أدب وفن المرة الواحدة، الذي ربما لا ترغب في تكرار مشاهدته، فضلا عن كوننا الآن في البداية الحقيقية لزمن منصات المشاهدة مثل نتفليكس وشاهد وviu وغيرها.
11- أحمد مراد في الكتابة هو محمد رمضان في التمثيل، لا أقصد الموهبة، لكن في كونه يعرف كيف يأخذ اللقطة بالتعبير الدراج، ويضع البهارات التي تلفت الأنظار، سواء كانت بالنقد اللاذع الموجه إليه، أو بمشاهد جنسية مبالغ فيه أو باتهامات بالتكرار... إلى آخره، كل ذلك لا يهم، المهم الجدل، وهذا ما يرفع نسب المبيعات.
12- في النهاية، أحمد مراد كاتب مجتهد يضعه محبوه في مكانة أكبر مما يستحق، ويضعه كارهوه في مكانة أقل من موهبته.. المهم أن يعرف هو أين مكانه الحقيقي بين هذا وذاك.
اقرأ أيضا: