في بداية رمضان الحالي، مع الظهور اللافت للممثل شريف الدسوقي في شخصية سباعي في مسلسل "بـ100 وش" تعالت بعض المنشورات التي تطالبه بألا يركز على الانتشار لئلا يصبح مثل بيومي فؤاد، وكأن هذا الأخير صار نموذجًا سيئًا لا يجب أن يحتذى به. ربما هو كذلك؟
دعونا ننظر للموضوع من زاوية أخرى.
الكاميرا الخفية
في التسعينيات من القرن الماضي عشق الجمهور برنامج الكاميرا الخفية، هذا الذي يقدمه ممثل غير مشهور بالقدر الكافي اسمه إبراهيم نصر، يتنكر في إحدى الشخصيات ويقدم "مقلبًا" في عدة مواطنين يقابلهم بشكل عشوائي في الشارع. البرنامج الذي كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات، على يد الراحل فؤاد المهندس مقدمًا، وإسماعيل يسري مؤديًا للمقالب، كان يحظى بالطبع بمشاهدة عالية بمقاييس ذلك الوقت، ولكن إبراهيم نصر جعل البرنامج "Viral" (فيروسي) بلغة العصر، وهو اللفظ المستخدم في وصف الانتشار السريع لأي محتوى، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تكن شخصية "زكية زكريا" هي أولى الشخصيات التي قدمها نصر في برنامج الكاميرا الخفية بل جاءت بعد عدة سنوات من تقديم شخصيات أخرى، ولكنها كانت بمثابة طفرة للبرنامج، شخصية وُلدت لتبقى، في عصر ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي، كانت الشخصية مثار جدل بعد كل حلقة، للحديث عن مدى طرافة فكرة المقلب وردود أفعال الأشخاص الذين ظهروا في الحلقة، ثم مقارنتها بالحلقات السابقة المحفورة في الذاكرة دون العودة إلى اليوتيوب، وأخيرًا مراجعة العبارات الجديدة التي ستبقى للاستخدام الدائم.
يحفظ الكثيرون اقتباسات من الأفلام، أو ما نطلق عليه "إفيهات"، لكن كم برنامج نستطيع أن نذكر منه جملة واحدة حفظناها؟ الأمر نادر جدًا، لكنه لم يكن كذلك مع "زكية زكريا"، التي صارت عباراتها محفوظة، واستمر استخدامها حتى وقتنا هذا، من أشخاص ربما لا يعرفون حتى أصل جملة مثل "يا نجاتي أنفخ البلالين علشان عيد الميلاد".
لكن ليست تلك العبارات المعدة مسبقًا فقط هي ما أثار الضحك، ولا أفكار المقالب، بل كان لإبراهيم نصر عامل كبير جدًا في نجاح هذه الأفكار، ربما كنا نمر على هذا سريعًا آنذاك، ونُطري عليه بالكثير من العبارات، لكنه ظل في النهاية عند الغالبية مقدم برامج كاميرا خفية وليس ممثلًا متمكنًا.
عندما نعيد النظر الآن إلى ما قدمه إبراهيم نصر، سنجد أننا نتساءل، هل لغير ممثل متمكن أن يستطيع ارتجال الكلمات وردود الأفعال بهذه القدرة والسرعة أمام الكاميرا ليُخرج من الشخصيات التي أمامه -دون أن يعرفها- أكثر رد فعل مضحك؟
الكاميرا التي يشاهدها الجميع
في بداية العقد الثاني من الألفية، قدم أحمد مكي مسلسله "الكبير أوي"، ظهر الجزء الأول في 2010، واستمر إلى 5 أجزاء. في الجزئين الأولين كان هناك ممثل غير معروف يقدم شخصية الطبيب ذو الإمكانيات المتواضعة في المزاريطة، عرفه الجمهور باسم الدكتور ربيع، ثم بدأ الجميع يتساءل عن هذا الممثل الذي يظهر في مشاهد قليلة، وعلى حلقات متباعدة لكنه ينجح في ترك أثرٍ في كل مرة، هكذا تعرف الجمهور على بيومي فؤاد.
تدريجيًا بدأ انتشار بيومي فؤاد يزداد، في كل الأعمال، بين السينما والتلفزيون وحتى البرامج، وفي أغلب مرات ظهوره ينجح في إضحاك المشاهد، حتى انتقل من الأدوار الصغيرة إلى أدوار ثانوية، ثم إلى البطولة، لكن وصوله إلى البطولة لم يمنعه من أن يظهر كضيف شرف في أعمال عدة، ولو بمشهد وحيد، ولم يمنعه بالتأكيد من تقديم الأدوار الثانوية، ومثلما انتقل بين الأدوار المختلفة في المساحات، انتقل أيضًا بين الأنواع المختلفة، كانت الغلبة للكوميديا بالطبع، ولكنه قدم أيضًا أدوارًا جادة مثل دوره الرائع في "موجة حارة". وهكذا، خلال سنوات قليلة، وجدنا الدكتور ربيع ذو الدور الصغير في بداية "الكبير أوي"، يتحول إلى إحدى أهم الشخصيات التي تفجر الضحك في "الكبير أوي" 5، وبيومي فؤاد الذي كان شهيرًا بالدكتور ربيع، صار اسمًا معروفًا للجميع.
مع هذا الانتشار الكبير، أصبح تواجده في الكثير من الأعمال المعروضة في وقت واحد مادة للسخرية، وصار الجمهور يحصي الأعمال التي يظهر فيها، ويبحث عنه في الإعلانات. رغم أن مشاهده كانت في بعض الأحيان هي عامل الضحك الوحيد في الكثير من الأعمال، فإن كثيرين ركزوا على ظهوره المتكرر أكثر مما ركزوا على أدواره، وظهرت في كل موسم عبارة "كفاية بيومي فؤاد"، عبارة متكررة لم تمنع الفنان من الظهور، ولم تمنع -حتى قائلها- من الاستمتاع بظهوره.
رجاءً قدموا المزيد
قبل عدة ساعات، غادرنا إبراهيم نصر. لكن كيف كانت سنواته الأخيرة؟
تراجعت شهرة برنامج الكاميرا الخفية تدريجيًا، خاصة مع ظهور البرامج التي تصنع هذه المقالب في الفنانين، والتي حازت نسب مشاهدة مرتفعة، وصارت بديلًا للكاميرا الخفية التقليدية. ومع تراجع الكاميرا الخفية اختفى إبراهيم نصر، نسي صناع الأعمال الفنية أنه ممثل بالأساس قبل أن يكون مقدمًا لبرنامج تلفزيوني، ونسيه الجمهور أيضًا، حتى الإعلانات التي حلبت فكرة "النوستالجيا" والماضي الجميل، لم تذكره في شيء.
في آخر عشر سنوات قدم إبراهيم نصر أداءً شديد التميز في فيلم "إكس لارج"، وكان أحد المفاجآت السارة في الفيلم وبقيت تفاصيل الشخصية في ذهن المشاهد، كما هي عادة الأدوار التي يقدمها إبراهيم نصر، لكن نجاح الفيلم والشخصية لم يشفعا له لدى المنتجين، واختفى تمامًا ليعود عام 2018 بدور في مسلسل "فوق السحاب" وآخر في فيلم "الكهف"، ليكونا آخر ما قدم الفنان.
قبل عدة أيام قدم بيومي فؤاد أداءً لا ينسى في مسلسل "خيانة عهد" الذي يلعب فيه دور منعم صاحب المصنع الذي يحب عهد (يسرا)، رغم أن المسلسل يمتلئ بالنجوم، ورغم أن هناك الكثير من المسلسلات التي تحظى بمشاهدة أكبر من هذا المسلسل، فإن مشهد بكاء بيومي فؤاد وهو يتذكر هشام (خالد أنور) الذي قُتل كان مثار حديث ومشاهدة لدى الكثيرين، حتى ممن لم يتابعوا المسلسل. اعتاد الكثيرون على وجود بيومي فؤاد ككوميديان يضحكهم، دون أن يعلموا أنه ممثل حقيقي، وأن ما يقوم به بسهولة لإضحاك المشاهد ليس سهلًا في الحقيقة، واحتاج الأمر منه أن يؤدي دورًا بهذه الجدية في "خيانة عهد" حتى يدرك المشاهدون، أن هناك ممثل اسمه بيومي فؤاد.
لا نعلم بدقة هل كان المنتجون يعرضون الأدوار على إبراهيم نصر وهو الذي رفضها في انتظار أدوار بعينها، وفي هذه الحالة سيصبح بيومي فؤاد هو النقيض تمامًا، لكنني أشجع نموذج بيومي فؤاد، في ظروف عمل صعبة وغير واضحة، ومع ظهور بعض الأسماء في سن متقدمة، فإننا نود أن نرى منهم المزيد، في الأعوام القليلة السابقة، أعدنا اكتشاف عارفة عبد الرسول، وفي العام الحالي نعيد اكتشاف شريف الدسوقي، فلا ضرر من أن يسير على خطوات بيومي فؤاد، فهذا أفضل من أن نبكيه -بعد عمر طويل- قائلين: كان موهوبًا لكنه لم يقدم كل ما لديه.
اقرأ أيضا:
4 ممثلين نعيد اكتشافهم في رمضان
مسلسلات رمضان.. زيارة إلى 3 أزمنة مختلفة