دعوني أتخيل معكم القصة التالية، امرأة جميلة للغاية لكنها فقيرة وبحاجة للمال ثم تحصل على المال وتصبح غنية وتمر ببعض المواقف التي ربما تكون جيدة، لكن على مدار 30 حلقة بالطبع تمر بعدة علاقات عاطفية ثم يكون التركيز طوال الحوار على كم جمالها.
أو قصة فتى يقتل والده أو يتعرض للظلم بشكل ما وطيلة المسلسل يحاول استرداد حقه.
أو قصة أخرى لأسرة مصرية أخرى بأي شكل، أو قصة شابين يحاولان التحول من الفقر إلى الثراء.
أو قصة رابعة عن فتى يرث إما والده الذي لم يكن معترفا به أو عمه او أي من عائلته ثم بعض المواقف الكوميدية المصطنعة مع بعض العبر والتقاليد.
تلك 4 تيمات ثابتة في المسلسلات ودعوني أزد عليها المسلسل المتكرر دائما بنفس القصة، ممثل يحاول طيلة الحلقات أن ينقذ زواجه أو العكس.
مواعيد عرض مسلسلات وبرامج ON في رمضان 2020
كان هذا عن الدراما، ناهيك عن السينما التي أصبحت تسير بنظام Copy-Paste إن نجح فيلم فلنصنع مثله 10 وإن نجح مسلسل فلنصنع مثله 5 والمسلسل الناجح لنجعل منه جزأين وثلاثة حتى يفقد قيمة نجاحه من الأساس.
نفس أطقم العمل نفس الكُتاب، نفس القصة، والنتيجة نفس المسلسل أو الفيلم ببضعة اختلافات وحبكة متوقعة لأبعد حد دون أي تغيير.
المشكلة الحقيقية التي تواجه الدراما المصرية تكمن في عدة أشياء، الأولى اعتبارها أن موسم رمضان هو موسم النجاح الكبير وبالتالي هناك 11 شهرا لا تدري ما الذي يحدث به. وبالطبع الفنانون أصحاب القاعدة الجماهيرية متمسكون بنفس العمل كل عام نفس القصة، إما أخذ الحق حرفة، أو المرأة الجميلة التي تمر بقصة حب صعبة، أو جريمة قتل غامضة ينكشف خلفها خيانات وغيرها.
ألا توجد حبكات مختلفة سوى الحبكة الاجتماعية؟ ألا يوجد فن بعد خط استرداد الحق؟ هل انتهت الأفكار لنصل لمرحلة الجفاف تلك؟ أصبح الأمر مكررا، أصبحت معظم المسلسلات والأفلام تتكرر ربما يختلف بعض الممثلين لكن الأداء مختلف للغاية.
مشكلة أخرى تواجه الدراما، وهي الدائرة المغلقة لعدد معين من الممثلين، لا ليس فكرة إيجاد وجوه جديدة، لكن ليس أمرا طبيعيا أن يظهر الممثل في 4 مسلسلات مختلفة القصة، حتى وإن كانت كوميدية لكن هل هذا منطقي؟
بالطبع نتمنى الخير والازدهار للجميع سواء كصناعة أو ممثلين، لكن هل من الحكمة أن يظهر نفس الممثل مثلا في 4 مسلسلات مختلفة؟ متى يخرج من الشخصية ليرتدي عباءة الأخرى؟ ما المقنع في تكرار نفس الشخصية في 4 مسلسلات مختلفة؟
التكرار قتل الدراما المصرية، نعم قضايا الثأر والأسرة المصرية والصعيد والحارة وولاد البلد الجدعان وكفاح الشباب تيمات هامة، لكننا نمتلك مئات المسلسلات الرائعة في هذا الصدد، ما الحكمة من تكرار نفس التيمة كل مرة؟ ما الفكرة في تكرار كل شيء بنفس طاقم العمل حتى؟
في محاولة لإلقاء حجر في مياه الدراما الراكدة، يلقي يوسف الشريف حجره في مسلسل النهاية، ورغم أنه وبالطبع يشبه عدة أفلام ومسلسلات أجنبية شاهدناها، إلا أنها محاولة في النهاية.
مواعيد عرض مسلسل "النهاية" ليوسف الشريف على قناة ON
بالطبع تلك تجربة جديدة تماما على الشاشة، رغم أن النص في الإعلان لم يكن بالقوة الكافية وكانت أشبه بمجموعة عبارات يمكن كتابتها على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي جُمعت لتكون نصا، لكنها محاولة قوية كفاية لن يكفي فيها النص القوي والإخراج القوي يحتاج أيضا لقدرات تمثيلية هائلة لإنجاح العمل، مجموعة متكاملة.
إلقاء حجر في مياه الدراما الراكدة أمر شهد عدة محاولات على استحياء فيما سبق، مثلا السبع وصايا، هذا المساء، قابيل، أبواب الخوف المسلسل الرائع المكون من 15 حلقة مرتكز على الرعب ونسق درامي متميز للغاية، ربما تجد مسلسلا كل عامين أو أكثر لكنني على تمام الثقة أنهم سيكتسبون الجماهير ويلفتون أنظار الجميع، ليس لأنها مختلفة أو محاولة جديدة أو مبالغة، لكن لأنها فعلا محاولة قد تصيب وتخطئ لكن شجاعة.
المشاهد أصيب بالملل من التكرار وبكل تأكيد إن كانت المحاولة الجديدة مبالغة أو تتم على استحياء وبشكل بسيط لكنها تستحق الثناء، نعم المشاهد يحكم لكن لنمنحه خيارات عديدة ليحكم من خلالها، وليس نوعية ثابتة أبد الدهر.
فكرة أن نفس الممثلين يقدمون نفس الشخصية كل رمضان أمر غريب للغاية، حتى وإن أحب الجمهور المادة المقدمة، ألا يشعر بعضهم أنه بحاجة لتغيير ذلك الإطار؟ للتجربة الشجاعة التي يغير بها أسلوبه؟ أن يكون لدينا نوعا جديدا مختلفا من المسلسلات؟ أن نحرك تلك المياه الراكدة بأكثر من حجر؟ البعض يشعر بالملل من التكرار، ألا يشعر النجوم أنهم بحاجة لتجربة نصوص جديدة؟
حتى المسلسلات التاريخية لا يجب أن تنقل للمشاهد نصا أو قصة صريحة كما وردت، لا ضرر من بعض الإضافات التاريخية، مثلا واحدة من أفضل الألعاب في تاريخ ألعاب الفيديو Assassin’s creed لم تكن لتظهر للنور ولم تحظ بأي ثناء لو تمسكوا بما حدث تاريخا، نعم استغلوا الأحداث التاريخية، لكن لصالح الإطار الدرامي والقصة هي من قادت الطريق وليس العكس.
القنوات العارضة لمسلسل "الاختيار" لأمير كرارة
الفكرة أننا أصبحنا نرتكز على ما يمكن تسميته بـ"المنطقة الآمنة" للدراما، مثلا لدي 2 مليون مشاهد يعجبهم هذا المحتوى، سواء قل ذلك الرقم بـ0.3 أو زاد 0.1 لكن لا توجد شجاعة كافية بمحاولة مضاعفة ذلك الرقم 3 مرات، لا توجد شجاعة لتجربة جديدة بعيدة عن الإطار المتعارف عليه.
الإطار الدرامي المصري يرتكز على عدة قصص أبرزها هي 29 حلقة منها 10 حلقات حشو و5 إعلانات وأخيرا الحلقة الأخيرة التي تتكشف فيها كل الأمور سواء بمنطقية أم لا لا يهم، المهم أن يكون المسلسل 30 حلقة.
دعوني أقترح اقتراحا، لما لا يكون المسلسل مثلا مثلا أسبوعيا؟ أو 15 حلقة تبث على طريقة يوم ويوم، حتى أن تلك الطريقة قد تسمح لمسلسلك أن يتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي لـ24 ساعة من المناقشات، خاصة وأن الحلقة ستكون ثرية للغاية وستأخذ حقها ومساحتها، ويمكننا الحكم أكثر على مدى عمق الشخصيات بدلا من أن يكون نفس الممثل قد ظهر في 4 مسلسلات بنفس الشخصية وبالتالي لا يوجد عمق ولا تقمص ولا إقناع كاف.
فكرة نجاح العمل الدرامي لا ترتكز فقط على كم الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي، فتلك الأرقام هامة نعم لكنها افتراضية مقارنة بالفن الذي يقدم، تلك ليست دعوى للخروج على القيم لكنها دعوى هامة للغاية لتطوير عجلة الإنتاج الدرامي نفسه، أن نبحث أكثر في سيناريوهات تمنح الممثل فرصة للتركيز في عمل واحد، وتمنح المشاهد محتوى لا يمل منه سريعا.
ما قيل في هذا المقال ليست كلمات غاضبة، بل كتبت بكل هدوء، هي مجرد دعوى للتفكير، محاولة لأن يكون لدينا مثلا 6 مسلسلات ممتازة عوضا من أن يكون لدينا 15 مسلسلا كل عام وجميعهم مثل الأعوام السابقة، الفتوة والجدع وبطل الحارة ومسترد الحقوق وغيرها من التيمات المتكررة.
إن هو مجرد مقترح لتظل الدراما المصرية في القمة، ولما لا تصبح مثل الدراما الأوروبية التي أصبحت تنافس أمريكا؟ مجرد طموحات عوضا من التركيز على عدد قد يبدو كبيرا لكنه صغير للغاية مقارنة بالطموح، بدلا من النظر تحت الأقدام لما لا ننظر إلى الأمام؟ وأخيرا، لنلقي فقط حجرا في المياه الراكدة.
اقرأ أيضا:
قنوات عرض مسلسل "النهاية" ليوسف الشريف رمضان 2020
القنوات العارضة لمسلسل "الاختيار" لأمير كرارة