الفنان المشغول بـ"التريند" لا يهمه أن يكون على صواب أو أن يكون ما يقدمه للناس مفيدا بالنسبة لهم، هو فقط يريد الشهرة، يريد "ركوب الموجة"، يريد الخروج بأكبر قدر من المكاسب حتى لو كانت من أمر لا يعنيه، المهم أن يكون متواجدا طوال الوقت أمام الجمهور وأن يظل اسمه متداولا حتى لو بالسلب.
في الحقيقة مِثل هؤلاء وإن كانوا يحققون شهرة كبيرة على المدى القصير، إلا أنهم لا يدركون أن قيمتهم حينئذ لن تتعدى مدة "التريند"، والتي ما يلبث أن يجرفها "تريند" آخر، إلى أن يبقى في النهاية إجمالي مسيرتهم وأعمالهم ومواقفهم الحقيقية وسلامة الأفكار التي كانوا يدعون إليها. لكن على النقيض من ذلك يكون الفنان الحقيقي، صاحب الفكرة والمبدأ والموقف الداعم لكل ما يؤمن به، حتى وإن كان مخالفا لرأي الجمهور.
ولأن كل فضيلة أو فكرة لا بد وأن تمر باختبار حقيقي يثبت صدق صاحبها، فإن أوقات الأزمات تكون خير دليل للتفريق بين الصادق والمدّعي، أو لنكن رحماء ونقول المؤثر وغير المؤثر، فمثلا كنّا قبل أسابيع قليلة نجد هذا الفنان يفتخر بأن حفله كامل العدد، وآخر يقول أنه الأعلى أجرا في الوطن العربي، وأخرى تحتفل بأنها الفنانة الأكثر متابعة على مواقع التواصل، لكن هل هؤلاء النجوم مؤثرين بالفعل؟ هل ملايين المشاهَدات والمتابعين تدل على أهمية ما يقدمونه؟ هل الاستعانة بهم في وقت الأزمات تعطي النتائج المرجوة؟
اقرأ أيضا: إلى الراقصات الشرقيات... مفتاح الفضيلة مع تامر أمين
في الحقيقة أزمة كورونا الحالية أثبتت النقيض.. ففي البداية كان هناك أزمة وعي لدى بعض النجوم، حيث سخرت بعض الفنانات من اهتمام الناس بتطورات فيروس كورونا، ولن ننس جملة الفنانة الشهيرة "كورونا مين يا أم كورونا!"، لكن بعد الانتقادات وتزايد انتشار المرض، اعتذرن وطالبن الجمهور بعدم الاستهانة بالأمر، واتباع الإجراءات الوقائية لمواجهة الفيروس الذي كنّ لا يصدقن وجوده أصلا قبل أيام!
أما أغلب النجوم الذين "ركبوا التريند" وتهافتوا على مناشدة الناس بعدم الخروج من المنزل من خلال الفيديوهات عبر مواقع التواصل، فكان من باب أولى أن ينصحوا أنفسهم قبل الأخرين، لا أن يصوروا الفيديوهات في سياراتهم بالخارج أو في كواليس تصوير الأعمال الرمضانية، فتقول إحداهن: "أرجوكم اقعدوا في بيوتكم متخرجوش خالص.. إحنا مضطرين نشتغل عشان عندنا مسؤوليات وأنتم عارفين الدنيا مبترحمش"، هذا باعتبار أن باقي المواطنين ليس لديهم أسر أو مسؤوليات!
فنان آخر يدعم توجيهات الدولة بعدم الخروج، وفي الوقت ذاته يبدي انزعاجه من زحمة الطرق التي أدت لتأخره عن الوصول للوكيشن التصوير، بسبب "ناس معندهاش إحساس ولا مسؤولية" على حد تعبيره، مبررا خروجه للعمل بأنه ضروري لكي يتم الانتهاء من المسلسلات الرمضانية التي تسلي المواطنين أثناء البقاء في المنزل!
أيضا إطلاق "تحدي الخير" الذي أعلن من خلاله عشرات النجوم تكفّلهم بمئات الأسر الفقيرة، حسنا.. ألم يكن كافيا أن يخبروا نقيب الممثلين بعدد الأسر التي سيتكفلون بها، ويخرج هو للجمهور معلنا تكفل النجوم (دون ذكر أسماء) بكذا وكذا، وأنه سيتابع مع وزارة التضامن أو غيرها من الجهات للتأكد من وصول هذا الدعم لمستحقيه، بدلا من أن يعلن كل فنان بمفرده عن عمله الخيري، دون أي إثباتات أو دلائل تشير هل صدق فيما قاله بالفعل أم لا.
اقرأ أيضا: ظهور يوسف فوزي... لو أن زاوية التصوير أعلى قليلا!
الأمر لم يقف عند هذا الحد، فهناك فريق ثالث لم يعلنوا تبرعهم ولم يناشدوا أحدا للبقاء في المنزل، لكن في الوقت نفسه ينشرون صورا ومقاطع فيديو من كواليس تصوير أعمالهم الرمضانية، وكأنه لا شيء يحدث بالخارج وأن حياتهم تسير بشكل طبيعي.
بالطبع هذا كله بعيدا عن النجوم الكبار والسوبر ستارز "المؤثرين بحق"، الذين لم يعلّقوا على الأزمة، وليس لهم أي دور "معلن" في توعية الناس، رغم أن التوعية منهم لا تقل أهمية عن الكفالة الاجتماعية.
في النهاية، الفنان الذي يعتبر أن لديه مسؤوليات تمنعه من البقاء في المنزل، لكن المواطن العادي ليس لديه ما يمنعه، فهو غير ناضج ولديه أزمة وعي حقيقية، لأن الالتزامات المادية للمواطن العادي لا تتمثل في أٌقساط سيارات ومدارس خاصة أو مشاريع أو غيره، بل في فواتير كهرباء ومياه وغاز وطعام وشراب، أي أساسيات الحياة. أيضا إن اخترت الدعم المادي المعلن وأنك ستتبرع للأسر الفقيرة، فعليك أن تثبت أنك قدمته لمستحقيه، وإلا لما أعلنت عن الأمر من الأساس.
أيضا دور الفنانين في المجتمع يستحق أن يكون أكبر من ذلك بكثير، لكنه الآن أقل حتى من التوقعات، لذا نتمنى عقب انتهاء هذه الأزمة أن يعاد ترتيب المشهد من جديد، وأن ندرك أن هناك فنان يستحق أن يكون "سوبر ستار" بفنه فقط، وآخر يستحق أن يكون رمزا وقيمة بوعيه وتأثيره في الجمهور بالإيجاب، حتى وإن لم يكن نمبر وان!
اقرأ أيضا:
انتصارًا للمرأة.. 7 أسباب تجعل "روقة" ليست الزوجة المثالية