بعد تحديثها وإطلاقها بواجهة جديدة، دخلت منصة "شاهد" مجال صناعة أعمال أصلية تبث عبر شاشتها فقط، وبهذا هي المنصة العربية الأولى التي تُقدم على هذا، وإن كانت هناك منصات أجنبية قدمت أعمالًا أصلية، مثل Netflix وViu.
عدة مسلسلات بدأت عرضها واحدًا وراء الآخر على منصة "شاهد"، أحد أبرزها "مملكة إبليس: أسطورة الأساطير" من تأليف محمد أمين راضي وإخراج أحمد خالد موسى، والذي يضم عددًا كبيرًا من الممثلين، ويعتمد على البطولة الجماعية.
ملاحظة: المقال يحتوي على كشف لأحداث المسلسل.
تشويق إلا قليلًا
قدم السيناريست محمد أمين راضي 3 مسلسلات، بدأها بـ"نيران صديقة" عام 2013، ثم "السبع وصايا" في 2014 وأخيرًا "العهد: الكلام المباح" في 2015، الذي كان من المفترض أن يقدم منه أجزاء أخرى، لكن هذا لم يحدث.
المتابع لهذه الأعمال سيجد عدة ملامح تتكرر في أعمال راضي يمكن اعتبارها كبصمة خاصة به، أبرزها بالطبع الشخصيات المتعددة، والتي لا تحتوي عادة على شخصية مثالية، بل جميعها شخصيات ملوثة بشكل ما أو ستتلوث بمرور الأحداث، وأخيرًا فكل مسلسلاته تتخللها الأسطاير والسحر، خاصة "العهد" الذي ينتمي إلى نوع الفانتازيا.
في مسلسله الرابع لا يبتعد راضي عن هذه العناصر، بل يعيد استخدامها وتوظيفها في حبكة جديدة. تدور الأحداث داخل حارة تسمى حارة الجنة، في زمان غير محدد وإن كنا نفهم من السياق أنه أثناء أيام ثورة يناير، إذ نجد لجانًا شعبية، وأكثر من إشارة لوجود حالة من الانفلات وعدم الاستقرار. يُقتل كبير الحارة فتحي إبليس (صبري فواز)، ويكتشف ورثته أثناء دفنه وجود الكثير من الأموال المخبأة داخل القبر فيبدأ النزاع عليها بين عدة أطراف، ويزداد النزاع شراسة عندما يعلم بقية أهل الحارة بهذه الأموال فيحاولون أن يأخذوا نصيبهم أيضًا.
كمسلسل تقوم حبكته بالأساس على التشويق سنجد أن السيناريو نجح في تحقيق الإثارة والتشويق في حلقاته إلى حد كبير، منذ الحلقة الأولى نفاجأ بمقتل إبليس كبير الحارة وشيطانها بالفعل، وتحمل كل الحلقات الأخرى مفاجآت وحيل وتحالفات وانقسامات بين الأطراف المتعددة مما يضمن بقاء المشاهد متعلقًا بالمسلسل في انتظار الحلقات التالية، المميز هنا أن الكثير من هذه الحبكات الفرعية في السيناريو غير متوقعة، وطريفة بالفعل، خاصة مع تعدد الشخصيات مما يجعل المشاهد لا يعلم من أي ستأتي الضربة التالية وضد من، وإن احتوى بعضها على مبالغات غير منطقية، مثل داليدا (إيمان العاصي) الحامل التي قبلت أن تُجلد لتنفيذ حيلة على أهل الحارة، وكان يمكن إيجاد حل مختلف بالتأكيد.
حملت الأحداث أيضًا ما يمكن تأويله وإسقاطه على الواقع، وإن لم يُحمّل هذا على أحداث المسلسل.
هكذا انقضت الخمس عشرة حلقة -التي عرضت دفعة واحدة على المنصة- بسرعة. نعلم منذ البداية أن ما عُرض هو الجزء الأول من المسلسل على أن تكون هناك أجزاء أخرى، ومن المعروف أن النهاية في هذه الحالة يجب أن ترفع من الترقب حتى ينتظر المشاهدون الجزء التالي، لكن ما فعله السيناريو في نهاية الحلقة الأخيرة كان أقل ما قُدم تشويقًا.
قتل أغلب الشخصيات المتصارعة في ضربة من تخطيط شخصية الشايب (محمود الليثي) كان بمثابة خلل في كفة الموازين. في مسلسل Game of Thrones (لعبة العروش)، وفي واحدة من حلقاته الأشهر، "عُرس الدم"، تُقتل شخصيتان رئيسيتان يمثلان معًا أحد اطراف الصراع الرئيسية في المسلسل، لكن بقية الأطراف موجودة وتسمح باستمرار الأحداث، بل إن قتل هذين جعل المشاهد في مزيد من الشوق للموسم التالي، بالإضافة لأن لحظة القتل كانت ثقيلة دراميًا وأخذت وقتها، رغم أنها خارج كل التوقعات. العكس تمامًا هو ما حدث في "مملكة إبليس" ، إذ تم التخلص من عدة شخصيات دفعة واحدة وبطريقة مفاجئة لكنها سهلة في الوقت ذاته، من خلال فوتو مونتاج، وبالنظر إلى ما ذكرناه من أن خريطة العلاقات بين الشخصيات تغيرت عدة مرات، فإننا لن نعلم من المدبر الحقيقي لهذه العملية ومن المستفيد، ولا كيف سينعكس هذا على الحلقات القادمة، الأمر كان مبهمًا أكثر منه مشوقًا.
أهل الحارة
كما ذكرنا فإن الشخصيات التي يكتبها محمد أمين راضي لا تكون عادة أحادية البعد، وتمر في الغالب بتحديات كبيرة تجعلها تتغير ليُضاف إلى الشخصية المزيد من التفاصيل. هذا الأمر ينطبق على بعض شخصيات "مملكة إبليس" ولكن ليس كلها. من الشخصيات المختلفة بشكل واضح الشيخ رمزي (علاء حسني) فهو من الشخصيات القليلة التي تحاول التطهر من ماضيها وفتح صفحة جديدة، والأمر نفسه ينطبق على أخته حنيّة (رانيا يوسف)، وابنها عبد الرحمن أو بودي (خالد أنور) الذي يمثل أكثر الشخصيات نقاءً في العمل. بينما نجد أغلب الشخصيات الأخرى تتشابه في بنائها، وفي حوارها تحديدًا.
تعرّف على شخصيات "مملكة أبليس" شياطين حارة الجنة
فالشخصيات النسائية الأخرى يتصرفن كما لو كن فتيات ليل، جميعن يحركهن الجنس والمال بشكل واضح، فلن نجد فرقًا كبيرًا بين شخصيتي غُريبة (أسماء جلال) ودوسة (نانسي صلاح) رغم أن الأولى من المفترض أن تكون ذات شخصية مختلفة وأكثر قوة وتدرك أهدافها جيدًا، لكننا لاحقًا سنجد أن تصرفات وحوار الاثنتين شديد التشابه، والمسؤولية ترجع هنا -بجانب السيناريو- إلى المخرج الذي سنذكر دوره لاحقًا.
حوار الشخصيات يعتمد على جمل وتشبيهات مركبة، منها ما هو مستمد من بيئة الشخصيات بالفعل مما يمنحها أصالة، لكن في المقابل عندما نجد أن أغلب الشخصيات تتحدث بالطريقة عينها وتستخدم نفس أسلوب التشبيهات فإننا لن نشعر بتميز شخصية عن أخرى، وكون الشخصيات تأتي من أساس واحد وهو هذه الحارة، فلا يجب أن يجعلها هذا تتحدث بنفس الطريقة. فنجد الخواجه (أحمد داود) يقول مخاطبًا أزهار (غادة عادل): "خليكي فاكره إن النسوان مابتحبّلش" (لا تجعل المرأة تحبل) لترد عليه فورًا وبتلقائية شديدة: "ولو بتحبّل، أنا تربتي بور بتزيح مابتعبيش" (عاقر)، فأين من الممكن أن نجد حوارًا بهذا القدر من الجمل المركبة بين شخصيتين متواجهتين من المفترض أنهما مختلفتين؟ كانت هذه مهمة السيناريست لتصبح الشخصيات أكثر تفردًا.
بجانب ما ذكرناه عن الحوار، سنجد أن بعض الشخصيات تعِد بما لا تفي به. سنجد شخصيات متسقة ما هيئتها وأسلوبها مثل فتحي إبليس ومخيمر (محمد جمعة) وغيرهما، بينما سنجد أن الجميع يتعامل مع شخصية أزهار بخوف ورهبة، والشخصيات تكرر "احنا مش قد أزهار" بينما لا نشاهد على الإطلاق ما يجعل أزهار مخيفة أكثر من بقية الشخصيات. الأمر نفسه ينطبق على حب جميع نساء الحارة غير المبرر لفتحي إبليس، أزهار وحنية وكاسيه (سلوى خطّاب) وداليدا (إيمان العاصي)، كلهن يحبونه حتى إنهن كن يتنازعن على الاحتفاظ بجثته، لكن الحلقات لم تقدم لنا أي سبب لهذا التعلق الكبير بفتحي. ربما يعود هذا إلى عدم الخوض في ماضي الشخصيات في شكل واضح، إذ أننا تعرفنا على ماضي بعض الشخصيات بشكل جيد وتدريجي، بينما بقيت شخصيات أخرى بلا ماضٍ.
فتش عن المخرج
رغم عدم كثرة الأعمال التي قدمها، فإن أحمد خالد موسى قدم مسلسلات وأفلام بعضها جيد بالفعل، "أبو عمر المصري" كان أحد أبرز مسلسلات رمضان 2018، بينما ما نجده في "مملكة إبليس" هو النقيد تمامًا. يترك موسى الممثلين لحريتهم، فكل من استطاع أن يفعل شيئًا يفعله. هكذا نجد صبري فواز يظهر في حلقة واحدة بالإضافة لعدة مشاهد من حلقة أخرى، لكنه ينجح بسهولة في تجسيد شخصية فتحي إبليس فيقدمه مخيفًا وقاسيًا وشهوانيًا، لم يحتج إلا إلى بضع مشاهد ليقدم هذا. هذا الأداء الجيد ينطبق أيضًا على محمد جمعة في شخصية البلطجي محدود الذكاء الذي تحركه رغبته في النقود والسلطة أكثر من أي شيء. بينما نجد أداء أبعد ما يكون عن الجيد من غادة عادل، فكما ذكرنا، كانت أغلب الشخصيات تخشى أزهار، بينما لم تبذل غادة أي مجهود لتبين لنا أن الشخصية مخيفة، هي نفسها غادة عادل التي نشاهدها في الأفلام الكوميدية والرومانسية، هكذا لم يكن تأثيرها سلبيًا على شخصيتها بل على الشخصيات المحيطة بها أيضًا.
كذلك لم يوضح المخرج للممثلين طبيعة الشخصيات بالشكل المطلوب، فنجد نانسي صلاح في شخصية دوسة، تقدم الشخصية في بعض الأحيان بشكل فيه كوميديا، وهو ليس غريبًا إذ هي أتت من الأساس من خلفية كوميدية، بينما في مشاهد أخرى نجدها شرسة وحادة، وهذه الملامح المختلفة في الشخصية ليست مجرد انتقالات قد تكون مقبولة لكنها تحولات حادة في الأداء، فكأننا أمام شخصيتين لا شخصية واحدة.
لا يمكن الحديث عن مهمة أحمد خالد موسى دون التعرض للشكل الذي قدم به الحارة من الأساس، والذي يشاركه فيه بالتأكيد الـ Art Director نادية عادل المليجي. الذي جعل الحارة تبدو كارتونية بألوانها المبهرجة، وتبتعد تمامًا عن الواقع، وحتى عن أجواء المسلسل بوجه عام، فهذه الحارة الشيطانية التي يكرهها الجميع ويلتصق بها في الآن ذاته، يصعب أن تكون بهذه الألوان.
"مملكة إبليس: أسطورة الأسطاير" يمثل عودة جيدة لمؤلفه محمد أمين راضي، تفادى فيه الكثير من عيوب مسلسله السابقة "العهد: الكلام المباح"، واستفاد من اختزال عدد الحلقات إلى 15 بدلًا من 30 حلقة كما هو معتاد فكتب عملًا به الكثير من التشويق، وربما يتيح له التخفف من عدة شخصيات في الجزء الثاني، التركيز على رسم الشخصيات وتقديم ماضيها بصورة أفضل، بينما على أحمد خالد موسى مراجعة الكثير من الأمور حتى ينضم العمل إلى قائمة أعماله الجيدة.
اقرأ أيضا:
"لص بغداد": فيلم أم لعبة فيديو؟
يوم وليلة: أن تحاول قول كل شيء