كثيرا ما يثير الفن الحقيقي الأزمات بتطرقه لمواضيع شائكة، لا سيما ما يتناول منها الأخطاء السياسية والجنائية، لذلك عانت الكثير من الأعمال الفنية من مطالبات بالمنع، فضلا عن منع بعضها من العرض بالفعل، لتظل حبيسة أدراج الرقابة إلى أن تخرج للنور مع تغير المناخ السياسي والحريات من آن لآخر، ثم دخول عصر الإنترنت بعد ذلك، الذي بدد إمكانية المنع بالمعنى الحرفي له كما كان في السابق.
فيلم "وراء الشمس" كان أحد أبرز هذه الأعمال، الذي قام ببطولته نادية لطفي، ورشدي أباظة، ومحمود المليجي، وشكري سرحان، وأحمد زكي، ومحمد صبحي، ومن إخراج محمد راضي.
قيل إنه تم اقتباس اسمه من جملة شهيرة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في إشارة منه لمصير المعتقلين والمعارضين له، إذ تدور أحداث الفيلم بعد نكسة 1967، عندما طالب أحد قادة الجيش الكبار بفتح تحقيق يكشف أسباب الهزيمة، فيتعرض للقتل في منزله، في انتقاد واضح وصريح للعهد الناصري.
جميع الأبطال كانوا مؤمنين بأهمية الفيلم، حتى أن نادية لطفي تنازلت عن 3 آلاف جنيه من أجرها لرشدي أباظة، لأنه كان قد طلب أجرًا كبيرًا، ولمّا لم يكن باستطاعة المنتج دفع هذا المبلغ، تنازلت هي عن جزء من أجرها له، حرصا منها على إتمام الفيلم على أكمل وجه، لأنها كانت ترى أن أباظة هو أجدر من يقوم بدور "الجعفري" قائد السجن الحربي.
وافقت الرقابة على السيناريو المكتوب، إلا إنها رفضت عرضه بعد مشاهدة نسخة الفيلم، وبررت موقفها وقتها بكثرة مشاهد التعذيب، وأن شخصيات الفيلم يستطيع المشاهد إسقاطها بشكل واضح وصريح على أشخاص حقيقيين في مناصب هامة بالدولة.
تمسكت الرقابة برفض عرض "وراء الشمس"، فلجأ صنّاعه لمجلس الشعب، نجحت ضغوط نواب اللجنة الثقافية، وتم عرض الفيلم، إلا أنه لم يستمر طويلا، إذ قيل إن أجهزة حكومية تدخلت للتضييق عليه للحد من عرضه.
ومن طرائف تصوير الفيلم، أن أجهزة الأمن رفضت دخول كاميرات التصوير للحرم الجامعي بجامعة القاهرة، لتصوير مشاهد مظاهرات الطلاب ضمن أحدث الفيلم، وخلال هذه المعضلة، توفي الفنان عبد الحليم حافظ، فاقترح الفنان محيي إسماعيل، أن يتم استغلال الجنازة الشعبية الكبيرة للعندليب، والتي شارك فيها أكثر من مليوني مواطن، أغلبهم من شباب الجامعات، فاندهش الجميع من الفكرة ونفذوها بالفعل، إذ تم حشد عدد كبير من كاميرات تصوير في أماكن مختلفة فوق الأسطح ومحيط الجنازة، وثلاث كاميرات على عربات نصف نقل، وتم وضع الجنازة كاملة في الفيلم، ليخرج المشهد أفضل مما كانوا يتوقعون، حتى قيل إنه كُتب في الإعلانات وقتها "شاهدوا فيلم وراء الشمس.. قصة المليون متظاهر"، وبعضهم أسماه "فيلم المليون كومبارس".
مشهد نهاية الفيلم كان الأبرز في الفيلم، رغم وجود الكثير من مشاهد التعذيب والعنف، إذ ينتهي بصرخة شكري سرحان (الأستاذ الجامعي المعتقل) قائلا: "كفاية دم كفاية دم.. الدم ده فى رقبتكم كلكم"، يسبقه صرخة محمود المليجي "الصول عبد الحق" في وجه رشدي أباظة (الجعفري) قائلا: "كفاية يا كافر"، إلى أن تظهر لقطة النهاية التي حملت عبارة بتوقيع المخرج محمد راضي... (أيها السادة انتبهوا جميعا حتى لا تحدث هذه الجريمة مرة أخرى".
اقرأ أيضا:
أبرزها مع نجلها الوحيد ... صور نادرة لنادية لطفي
وفاة الفنانة نادية لطفي