فوق سفح الجبل وتحديدًا في مدينة درينفجراد الصربية، اختار المخرج والفنان العالمي إمير كوستاريتسيا أن ينشأ مدينته الخيالية "كوستندروف" التى إستلهم تصميمها من فيلمه الروائي الأول "Life is a Miracle" فانشأ مباني على طراز فترة الخمسينات بكل مقايسها حتى أنك تشعر أنك في عالم آخر بعيد عن ضجيج حياتنا اليومية من مباني خشبية قديمة وسيارات خمسينية ذات ألوان زاهية توجد في كل ركن من أركان هذه القرية، كما اختار إمير أن تبني القرية كلها من الخشب فقط كتيمة مميزة تعطي عتق وجمال فريد ودفئ من بردوة الثلج الذي يكسوا المكان خاصة في شهر يناير هذا الشهر الذي إختاره ليكون احتفال كل عام بميلاد جديد لمهرجانه "كوستندروف للسينما والموسيقي".
عندما شاهدت إمير للمرة الأولى في الإفتتاح لم أكن أتخيل أن هذا الانسان ببساطة شكلة وملابسه هو هذا العبقري الذي قرأت عنه، فلا يوجد عمل وحيد له سواء في كتابة القصة او كمخرج إلا ورشح لجائزة عالمية، فقد فاز بجائزة الزعفة الذهبية مرتين من مهرجان كان عن فيلميه “When When Father Was Away on Business” عام 1985، و ” Underground” عام 1995 كذلك رشحت أفلامه عدة مرات لجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، منهم فيلم " Time of the Gypsies" الذي حاز أيضًا على جائزة أفضل إخراج من مهرجان كان عام 1989.
وبسبب حصوله على عدد ضخم من الجوائز العالمية وأيضًا بسبب حسه الفكاهي والذي يغلبه الطابع الفانتزي فقد صرح كوستاريتسيا في أحد حواراته الصحفية وقال : " لقد فزت بجميع عناصر حديقة الحيوان الذهبية"، وكان يعني فوزه بجوائز الأسد الذهبي لمهرجان كان السينمائي وبالدب الذهبي في مهرجان برلين والنمر الذهبي في لوكارنو وغيرها ..
ولم يقتصر حب كوستاريتسيا للكتابة والإخراج السينمائي فقط، الا أنه عمد الى تأليف الموسيقي وخاصة الجازوأسس فرقته الموسيقية The No Smoking Orchestra”" وهو يرى أن ممارسته للموسيقى استراحة ضرورية ، لذلك عمد إضافة الطابع الموسيقي خلال مهرجان كوستندروف، حيث تقدم الفرق الموسيقية عروضًا كل ليلية لمرتادي المهرجان، وهي فرق صربية تقدم أنواع مختلفة من الموسيقي ولكن يغلب عليها طابع الجاز.
أما أكثر ما يميز قرية إمير كوستاريتسيا هو اختياره لأسماء الشوارع والميادين، فترى شارع فريدريكو فيليني، وشارع مارادونا، ومسرح ستانلي كوبريك وميدان عباس كياروستامي، وغيرهم من علامات الفن والسينما وكرة القدم اللعبة الأشهر عالميًا.
وبالرغم من نجاح المهرجان في دول أوروبا وخاصة في الجزء الشرقي منذ بدايته في عام 2008، إلا أن هذه الدورة كان لها طابع خاص ومميز، حيث تصادف أن يكون يوم الإفتتاح في يوم 13 يناير الجاري كذلك هى الدورة الثالثة عشر للمهرجان، وفي عرف أغلب الدول في العالم وخاصة في الدول اليوغسلافية ودول البلقان فان رقم 13 يعتبر ذات فأل سئ "نحس" فكان خطاب إمير في يوم الإفتتاح يحمل الكثير من الفانتزيا والتهكم حول رغبته في كسر هذا "النحس" عن الرقم وأن تكون هذه الدورة هي الأنجح على مدار مهرجانه السينمائي الموسيقي.
وبطابع إخراجي ومع أنغام موسيقي تشويقية قدم كوستاريتسيا ماكت لقط أسود، القط الأسود أيضًا من الحيوانات التى يتشاؤمون منها في الشرق الأوروبي، وطلب من لجنة التحكيم المتمثلة في المخرج الإيطالي باولو فريدزي، والكاتب الفرنسي تونيو بيناكيتزا، ولاعب الشطارنج الروسي فلاديسلاف تاكتشيف، ومخرج الفتوغرافيا الفرنسي مايكل أماثيو، بالاضافة الى وزير الثقافة الصربي فلادان فوكوسافليفيتش بدهان القط الأسود باللون الأبيض لكسر عنصر "النحس" الذي يمكن أن يصيب فاعليات المهرجان.
وبعد ذلك جاءت كلمة وزير الثقافة الصربية لتعلن بداية الدورة الثانية عشر لمهرجان "كوستندروف للسينما والموسيقي" حيث قال: " نحن نؤمن أن الفنون يمكن أن تنقذ العالم وتجعله في صورة أفضل، وعلى الرغم من رفض البعض لهذه الفكرة، إلا أن نحن محبي الفن والموسيقي مازلنا نؤمن بهذا مهما حالت الظروف من تحقيق ذلك الحلم".
وعلى مدار سبعة أيام متواصلة من عرض مزيج قوى من الأفلام القصيرة المبدعه، كذلك عروض للأفلام القديمة على هامش المسابقة الرسمية، واختيار أفلام روائية طويلة تعبر عن المشاكل الإنسانية البحته، حيث وقع الإختيار على عرض فلمين خارج المسابقة هما " ستموت في العشرين" للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء، وفيلم "بيك نعيش" للمخرج التونسي مهدي البرصاوي، والذي حظيا بمشاهدة جماهيرية غير متوقعه عكست تذوق الجمهور الأوروبي للسينما العربية المستقلة بشكل كبير.
ثم كان يوم الختام الذي عمد خلاله أن يكون ذات طابع ثقافي صربي من الدرجة الأولى وقدمت فرق استعراضية العديد من الإستعراضات الفولكلورية الجذابة، لتأتى كلمة إمير كوستاريتسيا الختامية حيث قال: "نحن لا نعيش في المدينة الفاضلة التى نتمنها.. لكننا مع الفن يمكن أن نخلق مدينة يوتوبيا الخاصة بنا..".
اقرأ أيضا:
السينما العربية تتألق في "كوستندروف" بصربيا ... نبذة عن المهرجان