بعض النجوم يأتون ويرحلون دون أن يتركوا أثرًا يستحق الذكر، وبعضهم يترك أثرًا يأبى النسيان أن ينتصر عليه، وبعضهم يقف في المنتصف لا هو بخالد الذكر ولا المنسي في غياهب النجومية، فقط أدوار نتذكرها بسهولة، وجوها نعرفها، لكن ربما لا نعرف قصص نجاحهم وكفاحهم بدقة، في النهاية هم نجوم أبدعوا ولكن لا تزال بعض جوانب نجاحهم لم تروى بعد.
وهذا ما نتناوله اليوم عن الفنان الكبير الراحل إبراهيم الشامي، والذي تحدث نجله اللواء إبراهيم إبراهيم الشامي لـ FilFan.com عن بدايات والده ونشأته، وعمله بالجيش ثم الفن، وصولا إلى كواليس وفاته ووصيته الأخيرة له.
البدايات
ولد الفنان إبراهيم الشامي في 3 يوليو عام 1921 بقرية أبو صير مركز سمنود بالغربية، لأب تاجر، وكان شقيقه يكبره بستة عشر عاما، لذلك لقي تدليلا كبيرا من والديه. التحق بكتّاب القرية، وحفظ القرآن الكريم، وأنهى دراسته الابتدائية بالقرية، ثم تلقى تعليمه الثانوي بدمياط، حيث أقام عند عمه، لعدم وجود مدارس ثانوية قريبة من قريته.
كان محبا للفن منذ طفولته، حيث عشق فن "الخيال والظل"، وكان يبدع في عروضه وتقليد ما يشاهده. كما قام ببطولة مسرحيتي "قمبيز" و"مجنون ليلى" على مسرح المدرسة، فضلا عن حفظه للكثير من الشعر العربي، مما ساعده مع حفظه للقرآن الكريم على إجادة اللغة العربية، وسلامة مخارج ألفاظه.
تكوين الأسرة
تزوج من ابنة عمه بعد قصة حب، وأنجب منها ثمانية أبناء؛ ابنتان هما الكبرى والصغرى (جزاء وثناء)، وبينهما ستة أبناء (محمد، عدلي، مجدي، محمود، إبراهيم، ناصر). وعندما كان يُسأل عن عدد أبناءه يرد أنهم عدد حملة العرش.
كان محبا لجمال عبد الناصر في بداياته لدرجة أن سمى ابنه الأصغر الذي ولد عام 1956 "ناصر"، ثم غضب عليه بعد هزيمة 1967 وطلب من ابنه أن يختار اسما آخر يناديه به.
الجيش والفن
لم ينتم إلى جماعة الإخوان المسلمين كما يردد البعض، ولكنه شارك في عدد من المسرحيات على مسرحهم من تأليف صديقه عبد الرحمن البنا، وكانت تحمل كثيرا من المبادئ والقيم بما يتفق مع رؤيته لهدف الفن، وكان يشاركه التمثيل في هذه المسرحيات: سراج منير، ومحمود المليجي، وعبد المنعم مدبولي، وعبد البديع العربي، ومحمد السبع، وفاطمة رشدي، وعزيزة أمير. ومن أبرز تلك المسرحيات: جميل بثينة، وصلاح الدين بطل حطين.
التحق الشامي بالجيش، حيث اشترك في حرب فلسطين عام 1948 تحت لواء الجيش المصري، وليس تحت لواء كتائب الإخوان كما يدعون.
أسس المسرح العسكري، وقدّم مسرحية "قسمتي" التي سبق وقدمها نجيب الريحاني، وكذلك مسرحية "حسن ومرقص وكوهين"، وكان يقوم بدور الريحاني، ويقوم بالبطولة النسائية ميمي شكيب، وهو ما فعله فؤاد المهندس بعدها مع شويكار. كما قدم مسرحيتيّ "عروس رشيد" و"كرباج أفندينا"، إلا إنه رفض بعد وفاة الريحاني أن يقوم بأدواره على مسرح الريحاني، اعتزازًا بشخصيته.
أشرف على حملة قطار الرحمة اعتبارا من ديسمبر 1952، وكان هذا القطار يطوف بالمحافظات لتأييد ثورة يوليو. وشارك في تلك الحملة معظم فناني مصر، أبرزهم: يوسف وهبي، وأنور وجدي، ومحمود المليجي، وعلوية جميل، وميمي شكيب، ونعيمة عاكف، وسراج منير، والموسيقي عبد الفتاح منسي، والمصور حسين بكر.
تم ندب الشامي للعمل ممثلا بالمسرح القومي وهو ضابط بالقوات المسلحة في سابقة لم تحدث، وعندما وجد أنهم يطلقون عليه في الجيش لقب "الشامي الممثل"، ويطلق عليه زملاؤه الممثلون "الشامي الضابط" قرر أن يوحّد هويته، وترك الجيش ليصبح "الشامي الممثل" فقط.
الشعراوي والمسرح
التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، شعبة تمثيل، وحصل على البكالوريوس، وكان من أوائل دفعته، كما حصل على شهادة تميز في فن التنكر، وشارك في مسرحيات كثيرة، أبرزها: سليمان الحلبي، النار والزيتون، حلاق بغداد، السلطان الحائر، دائرة الطباشير القوقازية، سر الحاكم بأمر الله، القضية، السبنسة، و"بحلم يا مصر" عن قصة حياة رفاعة الطهطاوي، حيث كان يقوم بدور رفاعة من سن 16عاما حتى وفاته وقد بلغ 72 عاما.
أيضا قدّم: "البلياتشو"، "مولد وصاحبه غايب"، و"عبود عبده عبود" مع أمين الهنيدي في الموسم الصيفي بالإسكندرية. وقد رفض الشامي تسجيلها للتليفزيون فقام بدوره أثناء التسجيل الفنان محمد الدفراوي.
وكانت آخر مسرحياته "دماء على ستار الكعبة" وهي المسرحية الوحيدة التي حضرها بالمسرح صديقه وجاره فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، والذي كان لا يصفق مع الجمهور أثناء العرض، بل كان يرفع يديه ويهلل.
أما مسرحية "السلطان الحائر" فكان يقوم بدور قاضي القضاة الفنان فاخر فاخر إلا أنه مرض أثناء عرض المسرحية، فقام الشامي بالدور فجأة دون أن يكمل حفظ الدور، ولجأ إلى حيلة ذكية تتيح له الفرصة ليتلقى من الملقن نص الكلمات، فقام بعمل مكياج رجل طاعن في السن، ليتسنى له الكلام ببطء وبطريقة متقطعة، حتى مر ذلك اليوم بنجاح وأتم حفظ دوره، إلا إنه عند تسجيلها للتليفزيون تحامل فاخر فاخر على نفسه، وطلب من الشامي أن يقوم بتمثيل دوره يوم التسجيل للتليفزيون ليكون تخليدا لعمله، وبالفعل قام بذلك.
شارك إبراهيم الشام في كثير من الأعمال التليفزيونية منها مسلسلات: "غوايش"، "علي الزيبق"، "المشربية"، "الأيام"، "الرحايا"، "الكنز"، "الشهد والدموع 1". وأفلام تليفزيونية: "عندما يأتي المساء" و"أيوب".
مقتل ابنه !
عام 1985 احتفل الشامي بحفل زفاف نجله "محمود"، وسافر في اليوم التالي للزفاف إلى تونس لتصوير مسلسل "غوايش" والذي قام فيه بدور رجل صعيدي قُتل ابنه بالرصاص يوم زفافه، ويحاول طول الحلقات معرفة القاتل والثأر لولده. بينما سافر العريس بعد الزفاف بيومين إلى اليونان، لكن عند عودته بعد انتهاء شهر العسل من رحلته، تم اختطاف الطائرة التي تقله بعد إقلاعها من مطار أثينا، ونزولها بمطار فاليتا بمالطا.
تم اقتحام الطائرة بمعرفة قوات الصاعقة المصرية بعد 24 ساعة من اختطافها، وقام العريس بالقفز من باب الطوارئ مع أربعة ركاب آخرين، إلا أنه تم استهدافه بالرصاص في صدره لاعتقادهم أنه أحد المختطفين ليستشهد على مدرج المطار، وتُنشر جريدة "أخبار اليوم" صورته في الصفحة الرئيسية نقلا عن "رويترز" وتكتب "أحد الإرهابيين ملقى على مدرج المطار.. هذا جزاء الإرهاب".
لذلك عند عرض مسلسل "غوايش" عقب استشهاد الابن ظن كثير من المشاهدين أنه مستوحى عن قصة وفاته.
أثّرت وفاة الابن بعد أيام من زفافه وبهذه الطريقة، في الأسرة بأكملها، خاصة الأب والأم، لكن ظهر الشامي الأب متماسكا على عكس الواقع، ورفض إقامة ما يُعرف بعزاء "الخميس" و"الأربعين" لأنها ليست عادات إسلامية، بل اصطحب الأسرة بأكمله في الأربعين لأداء مناسك العمرة على نفقته. بينما ارتدت الأم اللون الأبيض، ورفضت حضور أي حفلات زفاف حتى وفاتها.
السينما والكتابة
أعمال إبراهيم الشام السينمائية ليست كثيرة، ولكنه ترك بصمة مميزة فيها أهمها أفلام: بين القصرين، السكرية، الزوجة الثانية، الأرض، ثورة اليمن، رجل وامرأة، كتيبة الإعدام، الجزاء، راجل بمعنى الكلمة، آمال.
كان أول أفلامه: "إعدام ميت"، "ولا من شاف ولا من دري" الذي فاز عنه بجائزة أحسن ممثل من جمعية نقاد السينما. وقد اعتذر عن الفيلم في البداية لارتباطه بالسفر لتصوير عمل بالخارج، إلا أن عادل إمام أصر أن يقوم الشامي بالدور فقد كان يعتبره مثل والده، مؤكدا أنه سيتم ترتيب مواعيد التصوير، وتقديم تصوير المشاهد التي يقوم بها قبل ميعاد سفره، وهو ما تم بالفعل.
أيضا كان يفضل كتابة السيناريو، فشارك في كتابة فيلم "إسماعيل ياسين في الجيش" دون كتابة اسمه. كما روى الكاتب الكبير وحيد حامد أن الفنان إبراهيم الشامي قد أجرى بعض التعديلات على أول قصة إذاعية له.
ساهم كذلك في إنشاء شركة للإنتاج الفني مع الملحن محمد الموجي، والمخرج السيد بدير والمخرج السوري نذير عقيل، إلا أن الشركة خسرت خسارة فادحة، وضاعت مدخراته ومصوغات زوجته فيها.
صداقاته مع النجوم
عاش الشامي منذ نزح إلى القاهرة في الأربعينيات في حي الحسين، وكان لا يتصور أن يعيش خارجه، حيث انتقل بين عدة مساكن بالحي حتى استقر بمسكنه الأخير بناصية شارعي الخرنفش والمعز لدين الله، وكان يسكن بنفس الشارع الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كان والده صديقا لإبراهيم الشامي ضمن دائرة أصدقائه الواسعة.
كان الفنان حسن عابدين من أقرب أصدقاء الشامي، حيث تعرف عليه أثناء توقف قطار الرحمة بمحافظة بني سويف، حيث تقدم حسن عابدين للشامي ليخبره أنه يهوى التمثيل، ويقوم ببطولة مسرحيات محلية، فأخبره أن يزوره بالمسرح العسكري، وبالفعل زاره وأخبره أنه استقال من وظيفته بمحكمة بني سويف، فقام الشامي بتعيينه بالمسرح العسكري، ومن هنا كانت بداية حسن عابدين.
ومن أصدقائه أيضا عبد المنعم إبراهيم زميله بالمسرح القومي و"بلدياته"، وعبد البديع العربي، والملحن والممثل عبد العظيم عبد الحق، والملحن والمطرب أحمد عبد القادر صاحب أغنية "وحوي يا وحوي" الذي ختم حياته منشدا للتواشيح الدينية بمسجد الحسين في رمضان، والصحفي الساخر عبد الله أحمد عبد الله الشهير بـ"ميكي ماوس".
كان إبراهيم الشامي محبا لكل الفنون، وعاشقا لصوت أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب في أغانيه القديمة. أيضا كان يجيد الرسم، إذ كان يرسم الشخصية التي سيقوم بتمثيلها، ويضع لها المكياج، ويختار الملابس المناسبة، ويحدد إلى أي محافظة تنتسب الشخصية ويدرس اللهجة التي يتكلم بها.
وفاته
توفي إبراهيم الشامي في 5 سبتمبر 1990 بمستشفى كوبري القبة العسكري، التي أقام بها لمدة ثلاثة أيام بعد مرض قصير، فقد كان مستعدا للموت، إذ امتنع عن قبول أي عمل جديد حتى لا تؤدي وفاته لتعطل العمل، كما قام بتسوية حساباته مع الضرائب، حتى لا يترك لأولاده أي أزمات معهم. أيضا امتنع عن التدخين رغم أنه كان مدخنا شرها، ثم أوصى ابنه إبراهيم بأن يهتم بإخوته وأن يوّد أصدقائه بعد وفاته.
المفارقة أن الوفاة كانت في نفس يوم زفاف حفيده خالد الغطاس، الذي كان قد قرر عدم إقامة حفل زفاف والاكتفاء بالسفر لقضاء شهر العسل، إلا أن الشامي قبل مرضه رفض ذلك، وأصر على عمل حفل زفاف لحفيده و قام بدفع تكاليفه، قائلا: "عشان تفتكروني"، وخلال الحفل وعند دخول الابن لقاعة الزفاف أخبروه بوفاة والده فتوجه له على الفور، تاركا الزفاف مستمرا حتى نهايته.
خرجت الجنازة من خشبة المسرح القومي، ثم تم الصلاة على الجثمان بمسجد الحسين، و تم دفنه بجوار ابنه محمود بمدافن الأسرة بمدينة نصر.
اقرأ أيضا:
"فتنة" شعبان عبد الرحيم
كيف تأثر شكل "طومان باي" بالمخرج الأجنبي لـ"ممالك النار" وعلاقته بـ"جيم أوف ثرونز"؟