العمق لا يعني التعقيد، البساطة الصادقة أصعب كثيرا من تصنع الأمور، وللنجاح "فتنة" سقى الله أرض الذين نجوا منها.
"الفنان" شعبان عبد الرحيم، وتعمدت وضع لقب الفنان بين علامتي تنصيص لإيماني أن "شعبولا" استحق هذا اللقب بمعنيين مختلفين، المعنى الأول هو الشائع الذي يتصف به كل من يقدم فنا، أما الثاني؛ فأقصد به فنان في إدارة شخصيته، الذي يتفرد به القلة النادرة من الناجين.
الجميع يتحدث عن إدارة النجاح أو المشروع الفني، القليلون "جدا" من ينتبهون إلى إدارة "الشخصية"، فيتعب الكثيرون جدا في إدارة مشاريعهم ثم تجرف تعبهم وتجرفهم فشل شخصياتهم، ولسنا بحاجة لذكر أمثلة حاضرة بقوة بيننا الآن، فكل لبيب بالإشارة يفهم.
"شعبولا" ليس من بينهم ... شعبولا اهتم أكثر _ بموهبة "فطرية"_ بشخصيته، حباه الله بروح قوية وشخصية راسخة، لم تهزها رياح الشهرة العاتية التي اقتلعت مئات الفنانين وغيرهم ألقت بهم في غيابات النسيان.
لم يفكر شعبان عبد الرحيم، العفوي للنهاية، البسيط بدون تصنع، أن يطور من شخصيته ليدخل في شكل ليس له، لم تفقده الشهرة الكبيرة إيمانه بنفسه وتصديقه لنفسه وتقبلها كما هي، لم يفقد توازنه عندما وجد نفسه يقف – مرحبا به- بين أساطين فنية وسياسية لم يتصور في أبعد أحلامه المرور من أمامها.
نحو 34 عملا فنيا بين السينما والمسرح والتليفزيون، لم يخرج منها يتحدث كمن عركته تجارب الفنون كشخص موسوعي كما نرى من شخصيات تتحدث إلينا من مكانة العارف ببواطن الأمور لمجرد مرورها من أمام مخرج كبير.
مخرج كبير وقامة فنية شامخة مثل داود عبدالسيد وصفه في كلمات قليلة لخصت شخصيته قائلا: "شعبان شخصية شعبية يتمتع بطيبة القلب وخفة الدم، وكانت أهدافه بالحياة بسيطة، وكان الفن لديه رزق فكان شخصية جميلة أحببتها كثيرا".
مثل هذه الشخصيات المتصالحة مع ذاتها، صاحبة هذا القدر الكبير من الرضا، يفتح الله عليه من فضله وكرمه، استمع إلى قصة طريفة رواها المخرج داود عبد السيد أثناء حديثه عام 2015 عن شعبان في كواليس فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" عندما قال عنه إنه "ولي من أولياء الله" فعندما قمنا بتصوير مشهد البولينج أمسك شعبان الكرة وخبط عليها مثل البطيخة، واسقط بها كل الزجاجات في أول مرة يمسك فيها كرة بولينج، وعندما أردنا تصوير المشهد بطريقة عكسية طالبنا من أحد المدربين في الصالة أن يلقي بالكرة فقام بالتجريب عشرين مرة ولم يسقط شيئا.
قصة طريفة ليس المقصود أكثر من التوفيق الذي يمنحه الله اللراضين القانعين، وليس أكثرمن شعبولا قناعة ورضا، ويكفي أن تستمع لكلمات أغنيته الأشهر (هبطل السجاير) لتعرف بساطة أحلامه وأحلام طبقة عريضة من بسطاء هذا الوطن.
رحم الله شعبان الذي كان أقوى من "فتنة" الشهرة والمال والقوة، رحم الله كل من حافظ على حقيقته وثبت على أصله ولم يتلون، فمات حصانه بعده حزنا عليه.