في 11 فبراير 2003 لم تكن السوشيال ميديا قد دخلت مصر بعد، كانت أساليب قياس ردة فعل الناس مختلفة، لكنني كمعاصر لهذا الحدث، أستطيع أن أجزم بأمرين، الأول أن المصريين لم يصابوا بصدمة في وفاة أحد النجوم كما حدث مع الغياب المفاجئ لعلاء ولي الدين، والثاني أن تلك الصدمة ظلت بلا منافس حتى رحيل هيثم أحمد زكي، بل إن الحزن على الأخير تجاوز حزن الجمهور على الكثير من النجوم المحبوبين، وبات الأمر أقرب لوداع جديد لوالده النجم الأسمر أحمد زكي.
فارق آخر بين صدمة ولي الدين وفاجعة هيثم زكي، الأول كان ملء السمع والبصر تحديدا في السنوات الخمس التي سبقت رحيله، بات من نجوم الشباك، أفلامه وأدواره رغم قلتها انطبعت في الذاكرة، أما هيثم وللإنصاف لم يأخذ فرصته كاملة كممثل، قدم أدوارا لافتة وأدوارا لم تعبر إلى ذاكرة الناس.
عبر 13 عاما من الاحتراف، لم يحصل هيثم زكي على فرصته الكاملة كممثل، عاني منذ يومه الأول أمام الكاميرا من مقارنة ظالمة ومجحفة مع والده، لم يكن نجم سهرات وحفلات وعروض خاصة، بل لم يحقق انتشارًا عبر السوشيال ميديا.
رغم ذلك قوبل خبر رحيله المفاجئ بحالة من الصعب وصفها، فالناس ليسوا فقط حزانى كما فعلوا مؤخرا مع عزت أبو عوف وفاروق الفيشاوي، الناس ليسوا فقط مصدومين كما يحدث كلما فقدوا نجما فجأة كما علاء ولي الدين، ولاعب الكرة محمد عبد الوهاب والمذيع عمرو سمير، كل هؤلاء رحلوا فجأة وفي سن مبكرة، لكن رد الفعل مع هيثم زكي كان مختلفًا.
لأول مرة يصدر عن الجمهور والنجوم ردة فعل متطابقة، كلا الطرفان تعامل وكأنه مقصر في حق النجم الراحل، وفي حق والده، تُشعرك ردود الفعل وكأنهم يعتذرون لزكي الأب لأنهم لم يراعوا الوريث اليتيم كما تحتم الأصول، لأول مرة يعلن نجوم شباب بشكل واضح أنهم قصروا في حق زميلهم، لم يسألوا عليه بما يكفي، ودهسهم الخبر دون إنذار مسبق، وبدا هيثم أحمد زكي وكأنه ينظر من أعلى للجميع، مراقبا شعورا بالذنب ربما لم يتوقع أن ينهمر من صدور محبيه بهذه الكثافة فور رحيله الموجع .
المصريون الذين يقول بعض الفنانين إنهم لا يحترمون الفن، ويعاملون النجوم بغلظة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدافعوا لتكريم الفنان الراحل بكل الوسائل، رغم أنه كان آخر من يتواصل مع المشاهدين بل كان يخشى دائما ردات فعل غبية من هؤلاء الذين يضعونه في مقارنات غير منصفة.
هؤلاء الذين يقولون إن أهل المحروسة بدون كتالوج، يحاولون الهروب من وضوح القاعدة الأولى في هذا الكتالوج الموجود فعلا، وهو أن الناس تصدق ما يخرج من القلب دون حاجة لكلمات أو حملات دعاية.
الناس أحبوا أحمد زكي بحق وأحبوا ابنه، أحبوهم كبشر قبل أن يقيّموهم كفنانين، أحبوهم دون النظر للأدوار والبطولات والأفيشات والأضواء، لهذا جاءت كل وسائل تكريم الابن بعيدة عن الفن بمعناه المباشر، عمرات في الحرم المكي، ختم المصحف على روحه، سبيل مياه تم تنفيذه في وقت قياسي، مواطن بسيط يقدم حلوى المولد في العزاء لبعض الحضور ليتذوقونها، بدلا من هيثم الذي رحل دون أن يتذوقها كما قال الرجل.
هذه تصرفات لا يفهمها محللو الترندات وخبثاء السوشيال ميديا (أقصد خبراء لكنها غلطة إملائية)، هذه تصرفات لا يدرك مغزاها من تخصص في تجميع مساوئ المصريين ومدى التغير الذي طال شخصية المصري في السنوات الأخيرة، هذه التصرفات تخرج من مناطق في النفس المصرية لم تتلوث بعد، النفس المصرية التي تعجز كل حملات "التشويه" أو "التجميل" في جعلها تكره هذا وتقبل على ذاك، لتنتهي الحملات ويذهب زبدها جفاء، ويبق في الأرض ما ينفع الناس كصدقة جارية على روح هيثم أحمد زكي.
اقرأ أيضا:
13 ملاحظة من عزاء هيثم أحمد زكي
لماذا لم تنقذه خطيبته؟!... صديق هيثم أحمد زكي يوضح سبب تركه بمفرده