عشرون سنة مضت على مشروع ”الفارس والأميرة“ ليتحول من مجرد فكرة طموحة إلى فيلم تحريك طويل مصري طويل، شهد عرضه الأول في مهرجان الجونة في دورته الثالثة في القسم الرسمي خارج المسابقة. بقدر ما قطعت الكثير من الدول طفرات كبيرة في عالم التحريك منذ ظهور أول فيلم تحريك طويل عام 1937 ”سنووايت والأقزام السبعة“ من إنتاج ديزني، فإن مصر -رغم تاريخها الطويل في السينما- لم تنجح في دخول هذا العالم من الأساس، باستثناء أفلام قصيرة متفرقة.
”الفارس والأميرة“ كما يقدمه صناعه هو أول فيلم تحريك طويل مصري، كتب له السيناريو أخرجه بشير الديك، الذي لديه علامات سينمائية لا تنسى خاصة في مجال السيناريو، وشارك في الإخراج إبراهيم موسى، بينما تقاسمت مصر والسعودية إنتاج الفيلم.
البطل العربي
وقع الاختيار على القائد العربي الشاب محمد بن القاسم الذي أدخل الإسلام إلى بلاد السند ليكون هو بطل الفيلم، وهو اختيار جيد بالنسبة لفيلم توجهه الأساسي للأطفال كما سنوضح لاحقًا. يبدأ الفيلم باستيلاء القراصنة على سفن التجار العرب وأخذ النساء كسبايا للملك داهر ملك بلاد السندستان، مما يحرك القادة العرب لمحاولة استردادهن. بعيدًا عن القادة الذين استبعدوه لصغر سنه، يحاول الشاب محمد بن القاسم تحرير الأسيرات وفي أثناء ذلك يقع في حب الأميرة لولا بيني أو لبنى التي يحررها من الأسر من قراصنة آخرين، قبل أن يكتسب ابن القاسم ثقة القادة العرب فيعود بجيش ودعم كبيرين لمحاربة الملك داهر.
تحتوي قصة الفيلم على الكثير من العوامل الجذابة بالنسبة لفيلم رسوم متحركة. فلدينا بطل شاب يحمل هدفًا واضحًا وقصة حب مع أميرة، صحيح أن البطل بدا مثاليًا إلى حد كبير، ولم ينهزم في أي من معاركه، لكنه في الوقت نفسه انهزم أمام إرادة واختيارات المحيطين به ورضخ للارتباط بأميرة أخرى لا يحبها، مما جعل قصة الحب بين الفارس والأميرة تحديًا آخر، وإن كان هناك القليل من التناقض في كون الأمير الذي يخالف أوامر قادته ويذهب لتحرير الأسيرات بمساعدة أصدقائه فقط يرضخ في النهاية لقرار مصيري مثل الزاوج من فتاة لا يحبها.
يجب علينا أيضًا أن نذكر الرسم الجيد لشخصية الأميرة لولا بيني التي لم يتوقف دورها على أن تكون الجميلة التي يحبها البطل بل شاهدناها تشاركه في تحرير الأسيرات وفي الحرب الأخيرة أيضًا، وهو أمر جيد يحسب للسيناريو أيضًا، إذ لم يهمش الشخصية النسائية الرئيسية.
لدينا على الجانب الآخر الملك الشرير داهر الذي يبحث عن بن القاسم ليقتله بناء على نبوءة الكاهن، بالإضافة لوجود شخصيات ثانوية تضفي بعض الكوميديا أبرزها بالطبع الجنيين بختوع وشمهورش، وتأتي تتابعات النهاية لتقدم حربًا مثيرة بين الجيش العربي وجيش داهر.
كل هذه العوامل جعلت سيناريو الفيلم أحد أفضل عناصره بالتأكيد، وهو أمر ليس بغريب على السيناريست بشير الديك. لكن الحوار كان عليه بعض الملاحظات.
اختار صناع الفيلم أن يكون الحوار بالعربية الفصحى، يأتي هذا في الوقت الذي بدأت فيه أفلام ديزني بالعودة تدريجيًا إلى الدبلجة المصرية، ربما هو قرار مفهوم للرغبة في الوصول إلى أنحاء الدول العربية كافة، وإن كانت اللهجة المصرية مفهومة ومقبولة بالنسبة لأغلب الدول العربية بالفعل.
رغم هذا بقيت شخصيتان تتحدثان بالعامية المصرية وهما الجنيين وذلك لاستخدامهما في إضفاء بعض الكوميديا والتعليقات الساخرة، وإن كان الجمع بين العامية والفصحى ليست الطريقة المثلى في الحوار، بالإضافة لأن بعض المفردات المستخدمة كانت خارج زمن الأحداث تمامًا، بل هي مفردات إنجليزية بالأساس مثل ”Zoom“ و“Break“، وهو الأمر الذي بدا مثل النغمة النشاز وسط الحوار المستخدم.
ديزني الحاضرة دائمًا
الملاحظة الأبرز في ما يخص تصميم الشخصيات الذي قام به مصطفى حسين هي الشبه الشديد بين أغلب شخصيات الفيلم وشخصيات مشهورة من أفلام ديزني بوجه عام وفيلم ”علاء الدين“ (1992) بوجه خاص.
فمحمد بن القاسم يشبه علاء الدين، ووالد الأميرة يشبه والد الأميرة ياسمين والملك داهر يشبه قائد الشرطة من الفيلم نفسه، بينما الجنيين يشبهان Pain وPanic أو وجع وهلع في النسخة المدبلجة من فيلم ديزني ”هرقليز“ (1997).
ربما يكون هذا التشابه غير مقصود، إذ أن ديزني هي المصدر الأكبر لأفلام التحريك وبالتالي التأثر بشخصياتها محتمل، ولكن لا يمكن تجاوز الأمر دون الإشارة إلى أن التشابه كان في بعض الأحيان يضع حاجزًا أمام وصف الفيلم بالأصالة. بعيدًا عن هذا التشابه الواضح، بدا تأثرٌ واضح بأفلام ديزني أيضًا في إخراج الأغنيات خاصة أغنيتي ”أبو الرياح“ و“أغمض عيني“. لكننا نجد إخراج الفيلم إجمالًا جيدًا ومناسبًا لطبيعة العمل في الكثير من المشاهد، خاصة في الحرب الأخيرة قبل نهاية الفيلم.
علامات الزمن
بالتأكيد يترك الزمن علاماته على تجربة ”الفارس والأميرة“، فمستوى التحريك ورسم بعض الشخصيات جاء متفاوتًا، فالنظر مثلا إلى شخصية ابن هارون ولحيته التي تبدو مثل مستطيل صغير لا يتناسب مع الرسم الأفضل بالتأكيد لشخصيات أخرى على رأسها ابن القاسم بالطبع، وهذا الأمر قد لا يكون مريحًا بالنسبة لمشهاد معتاد على أفلام التحريك، وتابع طفراتها على مدى السنوات الماضية، وهذا يعيدنا للنقطة التي ذكرناها في البداية، وهي أن الفيلم موجه للأطفال بشكل أساسي، إذ يحتوي على الكثير من القيم التربوية والبطولية بشكل مباشر ومبسط، يناسب الشريحة العمرية الصغيرة، وقد لا يستسيغها بالقدر نفسه الأكبر سنًا، وقد يكون الشكل النهائي للفيلم، من حيث الرسوم تحديدًا، مقبولًا بشكل أكبر بالنسبة للأطفال.
ولا نعني هنا بالتأكيد أي تقليل من الفيلم، فليس التحدي في كونه يخاطب شرائح مختلفة بل في نجاحه في مخاطبة الشريحة التي يود التوجه إليها. في هذا يمكن القول إن ”الفارس والأميرة“ نجح في هدفه للكثير من الأسباب التي ذكرناها سابقًا، ورغم بعض المآخذ التي ذكرناها فإنه يبقى تجربة جيدة في مجملها. لكن هل تكون بمثابة فتحًا لتجارب أخرى مشابهة؟
الأمر سيحدده بالطبع الإقبال الجماهيري على الفيلم قبل أي شيء، وإن كان تنفيذ الفيلم في عشرين سنة ليس بالأمر المطمئن على مستقبل هذا النوع من الأفلام الذي نود بالتأكيد أن نشهد منه المزيد من الأفلام.