"البعيد عن العين بعيد عن القلب" هكذا وصف السابقون حالة الجفاء لشخص ابتعد طويلا لدرجة نسيانه أو عدم المبالاة بعودته ؛ لكن ليس البعيد عن العين فقط هو الذى يسقط من دائرة الإهتمام والحسابات إنما البعيد عن الأذن أيضا ؛ تلك الحالة التى أصابت العدد الأكبر من نجوم الأغنية المصرية فى تسعينيات القرن الماضى الذين نطلق عليهم مجازا "نجوم التسعينات"؛ منهم من لم يملك القدرة على التطور فكان مصير الديناصورات هو ما انتهى إليه ؛ وهم كثر أو الأغلبية أمثال الكبار علاء عبد الخالق وعلى حميدة وحنان وفارس وغيرهم الكثيرين ؛ ومنهم من ظل متعلقا بمسمار جحا الذى وضعه فى خريطة الأغنية المصرية وملك بعض القدرة على التطور للبقاء نجما تحت الأضواء حتى لو قل إنتاجه أمثال محمد فؤاد وهشام عباس ومصطفى قمر وإيهاب توفيق وحكيم ؛ ومنهم الأذكى الذى رفض الأمر الواقع وعاش سنوات نضجه متماشيا مع فترة مراهقة أجيال متتالية مثل عمرو دياب.
لم ولن يخلق الإنسان القادر على إيقاف حركة الزمن عن الدوران والتى تدير كرها عجلة التغيير ؛ هذه سنة الحياة وكما ولد نجوم التسعينات من رحم فترة انتقالية قادها عدد من النجوم الكبار أمثال محمد منير وعلى الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو وهانى شاكر ؛ وهى الفترة الفاصلة ما بين زمن عبد الحليم ومحرم فؤاد ورشدى والعزبى إلى تكوين كتيبة جيل الشباب فيما بعد "نجوم التسعينات" .. دارت عليهم عجلة التغيير بعد عشرون عاما قضوها بلا منافسين من جيل أحدث ؛ حتى بداية الألفية الجديدة التى أفرزت عشرات الأصوات الجديدة – لم يستمر منها سوى القليل - ؛ إلا أن جيل الألفية كان له من الحظ أوفره فظهر ضمن معطيات جديدة وأفاق أرحب من القدرة على إيصال صوته بطرق شتى لم تتوافر لنجوم التسعينات الذين كانت غاية أحلامهم أن تذاع أغنياتهم على القناتين الأولى والثانية أو فى برنامج "أمانى وأغانى" ؛ ليتحول هذا الجيل مع الوقت إلى حالة "نوستالجيا" يلجأ لها من تخطى عمره الثلاثون عاما ممن حضر ألبوماتهم وقت صدورها لتمثل له أغنياتهم القديمة حالة حنين إلى ماض يستحيل العودة له إلا من خلال بعض ذكريات الطفولة والمراهقة اللذيذة .
هذه الفترة من المتوقع عودة بعض جنود كتيبة التسعينات بألبومات جديدة أمثال هشام عباس الذى إختار اسما لألبومه "عامل ضجة" وأصدر سينجل جديدة منذ أيام بعنوان "شارى بالغالى" وكان أخر ظهور له بألبوم "متبطليش" فى العام 2009 أى منذ عشر سنوات ؛ وكذلك محمد محيى الذى إنتهى من العمل على ألبومه الجديد والمؤجل منذ 11 عاما "أخر ألبوماته مظلوم 2008 " ؛ وطرح مصطفى قمر بالفعل ألبومه الجديد " ضحكت ليا" منذ أيام قليلة .. عودة أتمنى أن تحمل قدرا كبيرا من النجاح ؛ فالغناء حق أصيل لكل موهوب ولا يمكن أن نصدر حكما مسبقا على هؤلاء النجوم الكبار بأنهم خارج الحسابات حتى وإن لم يقدموا هم أنفسهم ما يشفع لهم ويجعلنا فى حالة من الإصرار على وجودهم .. حتى وإن أخطأ بعض رموز جيل التسعينات فى حق نفسه وحق جمهور طالما إنتظر منه أى جديد فلازالت لدينا نفس الحالة من الحنين لأصواتهم التى شكلت طفولة ومراهقة الكثير منا .. اتمنى أن يصلوا إلى لغة مشتركة مع جمهور الشباب المتمرد على كافة المستويات ؛ وأن يحاولون حل المعادلة الأصعب بإرضاء جيلهم "التسعينات" ومعهم جيل الألفية الجديدة فى ظل منافسة أكبر من ذى قبل بدخول أشكال جديدة على خريطة الغناء فى مصر سواء فرق "الأندر جراوند" أو فرق "المهرجانات" .. التحدى عظيم والنجاح لا يذهب سوى لمن أراده أولا ثم حارب لتحقيقه ثانيا.