لو سألتني عن أعظم فيلم كوميدي مصري شاهدته، فلن اتردد لكي اختار فيلم "الناظر"، كانت تلك هي إجابة السؤال منذ المرة الأولى التي شاهدته فيها في السينما صيف سنة 2000، وبقت لمدة 19 عامًا وستظل هي الإجابة حتى يأتي مجموعة أخرى من المبدعين ليقدموا فيلم يزيحه من قمة أفلامي الكوميدية المفضلة.
قصة الفيلم تدور حول "عاشور صلاح الدين" ناظر وصاحب مدارس عاشور، رجل التربية والتعليم شديد الصرامة، الذي يتوفى ليرثه ابنه الوحيد "صلاح الدين"، الطالب الفاشل الذي لم ينجح في الحصول على شهادة الثانوية العامة منذ سنوات، وتنتقل إدارة المدارس إلى صلاح، ليبدأ مغامرة مليئة بالمفارقات الكوميدية التي يستعين فيها بأصدقائه في محاولة تحقيق تجربة "الناظر".
اسم الفيلم كان في البداية "الناظر صلاح الدين" في محاولة كوميدية لصناعة إيفيه التشابه مع اسم فيلم "الناصر صلاح الدين" الذي لعب بطولته أحمد مظهر وأخرجه يوسف شاهين سنة 1963، لكن الرقابة على المصنفات الفنية رفضت اسم "الناصر صلاح الدين" على اعتبار أن السخرية من فيلم تاريخي شهير غير مقبولة ! وقد تكون الرقابة أسدت جميلًا إلى صناع الفيلم، لأن اختصار اسمه إلى "الناظر" جعل من الأسهل على الجمهور ترديده.
برغم مرور 19 عامًا على عرضه، إلا أن جميع مشاهد "الناظر" تحمل كوميديا قادرة على إضحاك الجميع، كوميديا تكسر حاجز الزمن وتغير مصطلحات الحياة ومفاهيمها، وحتى بعد أن تحولت الأفلام الكوميدية إلى كوميكس على مواقع التواصل الاجتماعي، كان لفيلم "الناظر" نصيب كبير منها، دون أن يقتصر ذلك على علاء ولي الدين الذي برغم تقديمه لستة شخصيات في الفيلم، إلا أنه لم يستأثر بتقديم الكوميديا وحده.
المخرج شريف عرفة استطاع تحقيق معادلة صعبة في فيلم "الناظر"، وهي أن يكون لأي ممثل ينطق بجملة في الفيلم مساهمة في الكوميديا بالفيلم، وبعض الممثلين ظهروا في مشهد واحد أو مشهدين، لكنهم تركوا بصمة وساهموا في أن يبقى الفيلم في ذاكرة المشاهدين بإيفيهاته التي لا تتوقف طوال أحداثه.
في كل مكان ذهب إليه صلاح مع عاطف صديقه الوحيد، يلتقي بممثل يترك بصمته، بداية من مشهد الديسكو، الذي يتعرض صلاح وعاطف خلاله للضرب من أحمد التهامي دون أن ينطق بحرف، فيقول علاء ولي الدين عبارته الشهيرة "كابتن هو كله ضرب مفيش شتيمة؟"، لاحقًا يذهبان إلى فرح اللمبي، فتقول العروسة التي قدمت دورها سحر كامل عبارة شهيرة أخرى وهي "الله وأنا مالي يا لمبي؟"، وبعد أن ينضم اللمبي إلى صلاح وعاطف، يذهب صلاح مع اللمبي إلى "ميخا" مدرب الفنون القتالية، الذي لعب دوره حسين أبو حجاج، فيقول له "ودعه يا لمبي".
كل الأمثلة السابقة تتناول ممثلين ظهروا في مشهد واحد، وهو إثبات أن كل من مر أمام الكاميرا في فيلم "الناظر" ترك ذكرى لدى المشاهدين، أما الممثلين أصحاب الشخصيات الثانوية، فيكفي أن تذكر كلمة أو إثنين من مشاهدهم لتتدفق ذكريات كوميدية، مثل أن تقول "زكريا الدرديري" لتتذكر كم من العبارات المضحكة التي قالها الممثل الراحل العبقري يوسف عيد، بكل جدية وانطباعات وجه تميل إلى إظهار الضجر "زكريا الدرديري مدرس رياضيات وفرنساوي عقبال ما يجيبوا مدرس فرنساوي", "ما تنطق يابني مين اللي قتله؟".
الكثير من العبارات التي تحولت من إيفيهات في فيلم كوميدي إلى جمل دارجة في الحوار اليومي بين جمهور الفيلم، وفي كل ما سبق لم نتطرق إلى الكوميديا في حوار أي من الشخصيات الرئيسية.
فيلم "الناظر" دارت أحداثه حول مدارس عاشور، لكن الفيلم نفسه كان مدرسة تخرج منها عدد من نجوم السينما أمام الكاميرا وخلفها، وبعد عرضه ازدادت نجومية علاء ولي الدين لدرجة تقديمه لثلاث مسرحيات في أقل من ثلات سنوات، قبل وفاته في فبراير 2003، كما قدم أحمد حلمي ومحمد سعد اللذان استغلا نجاحهما في "الناظر" لتقديم فيلم من بطولتهما وهو "55 إسعاف"، لينطلق بعدها كل منهما في مسيرة فنية مليئة بالأعمال الناجحة حتى الآن.
قدم الفيلم لأول مرة "بسمة أحمد" التي اكتفت باسم "بسمة" بعدها، في دور الأول كممثلة بعد أن عرفها المشاهدين كمذيعة لأحد برامج المنوعات بالتليفزيون المصري، إلى جانب الطفل كريم محمود عبد العزيز الذي كبر ليصبح ممثل يعُرض له مسلسلين من بطولته في شهر رمضان الماضي.
عادة يتم وصف الممثلين بأبطال العمل، لكن فيلم "الناظر" هو بطولة كل من عمل به، وهو من تمثيل علاء ولي الدين، حسن حسني، أحمد حلمي، محمد سعد، هشام سليم، بسمة، سامي سرحان، حنان الطويل، يوسف عيد، حجاج عبد العظيم، سليمان عيد ومحمد يوسف، من سيناريو وحوار أحمد عبد لله، موسيقى تصويرية نبيل علي ماهر، مدير التصوير أيمن أبو المكارم، إنتاج مجدي الهواري، مونتاج معتز الكاتب، قصة وإخراج شريف عرفة.