ليس من السهل على الإطلاق اختيار فيلم بعنيه ووصفه بالمفضل، دائمًا هناك قائمة طويلة من الأفلام المرشحة لحمل اللقب، ودائمًا هناك صعوبة في الاختيار بينها، وهكذا أجد نفسي في كل مرة أختار فيلمًا مفضلًا أحاول تذكر هذه القائمة وأخرج منها ما يأتي إلى ذهني أولًا، وفي هذه المرة كان فيلم "اضحك.. الصورة تطلع حلوة"، ولكن قبل البدء اسمح لي أن أضع قاعدة صغيرة، الفيلم المفضل لا يعني بالضرورة أنه الأفضل فنيًا بين كل الأفلام، بل هو واحد من الأفلام التي يمكن أن أشاهدها مرارًا وتكرارًا دون ملل، ويمكن أن أعود لمشاهدة مشاهد منه بعينها كل فترة.
إذا كان هناك علامة مميزة أتذكر بها هذا الفيلم فهي البساطة، كل شيء في هذا الفيلم بسيط، ولكنه مفاجئ في بساطته، ويجعل المشاهد دائم الابتسام لهذه الدقة في تجسيد البساطة، الأمر يبدأ من العنوان "اضحك.. الصورة تطلع حلوة" عبارة دارجة ومستخدمة، ربما كانت مستخدمة أكثر في الماضي عندما كانت الكاميرا تعتمد على فيلم ذو عدد محدد من الصور، وبالتالي كان يجب إعداد الصورة جيدًا قبل التقاطها، وواحدة من أهم عناصر الصورة هي الضحك، عشان الصورة تطلع حلوة.
السيناريست وحيد حامد يتعاون مع المخرج شريف عرفة مرة سادسة وأخيرة -حتى الآن- بعد أن حقق الثنائي علامات في أعمالهما الخمسة السابقة التي كانت من بطولة عادل إمام. يعود وحيد حامد إلى الشخصية البسيطة، مثل التي قدمها في "الإرهاب والكباب"، وتعمل في مهنة من النادر تقديمها عن قرب، سيد غريب (أحمد زكي) الذي ينتقل من مدينة ههيا إلى القاهرة مع أمه العجوز وابنته التي قُبلت في كلية الطب في جامعة القاهرة.
على عكس أحمد فتح الباب بطل "الإرهاب والكباب"، الذي وقع في مشكلة غير تقليدية بسبب رغبته في نقل ابنه إلى مدرسة قريبة من المنزل، نجد سيد ينتقل بسلاسة من مدينته إلى القاهرة، لكن أزماته تبدأ في القاهرة، ولا يوجد منها ما هو مفاجئ أو صادم، جميعها مشاكل بسيطة من التي يمكن أن نواجهها في الحياة، ومن التي شاهدناها في أفلام أخرى. قصتي حب، كلتاهما بين طرفين مختلفين سواء في المستوى الاجتماعي أو في الشخصيات، وصراع طبقات. فلماذا يبدو هذا الفيلم مقبولًا عن الأفلام الأخرى التي تقدم نفس الصراع؟
بالتأكيد توجد أسباب كثيرة يمكن أن نرجع إليها في مقال آخر، لكننا سنذكر البساطة مرة أخرى. هذه الشخصيات المكتوبة بعناية ولها تاريخها، تاريخ غير لافت بشكل خاص، لكنه يترك آثاره على الحاضر فيجعل كل شخصية حية نستطيع أن نصدقها ونشعر بمشكلاتها، فالأم روحية (سناء جميل) على سبيل المثال تشجع ابنها على الانتقال للقاهرة وترك ههيا، ويرجع هذا إلى أنها اختبرت الانتقال من قبل أكثر من مرة بسبب هجرتها من السويس أثناء الحرب.
البساطة أيضًا هي عنوان الحوار، وحيد حامد من أهم كتاب الحوار في السينما المصرية، يتميز بقدرته على كتابة حوار لافت وغير تقليدي على الإطلاق، ولهذا يحفظ المشاهد الكثير من جمل أفلامه، وهو ما يستمر في فيلمنا هذا، لكنه هنا يعطي درسًا مهمًا يتجاهله الكثير من كتاب السيناريو حاليًا، إذ يلجأون إلى العبارات الشرطية، والتركيبات المقعرة، متناسين أن جملة الحوار قيمتها يجب أن تكون بمكانها داخل الفيلم وارتباطها بالشخصية ومناسبتها للمشهد، ولهذا عندما نقول "ده احنا صغيرين أوي يا سيد" نستدعي فورًا سناء جميل وأداءها في هذا المشهد، رغم بساطة الجملة التي قد تبدو تقليدية إذا ظهرت في مشهد آخر أو أداها ممثل آخرها، أو كان الفيلم من إخراج مخرج غير شريف عرفة.
يمكن كتابة الكثير عن أداء الممثلين بالطبع والرؤية الإخراجية المميزة لشريف عرفة، لكن سنتوقف عند مشهد واحد في بداية الفيلم، مشهد عودة سيد بنتيجة الثانوية العامة، وهو مشهد صغير في الفيلم، لكن يمكن أن نشاهد فيه أغلب العناصر الفنية للعمل، هذه الأسرة الصغيرة، مثل أي بيت مصري، نتيجة الثانوية العامة هي واحدة من أهم تحدياتها، والنتيجة هنا يتوقف عليها مستقبل الأسرة، ولهذا يجب أن يتشوق المشاهد إلى معرفة النتيجة مثل روحية وتهاني (منى زكي)، وهكذا يقدم المخرج عائقًا بسيطًا مستمدًا من قلب البيئة ليضفي بعض التشويق قبل أن نعرف النتيجة.
روحية وتهاني تقفان في الشرفة في انتظار سيد، هذا الأخير يظهر في الشارع حاملًا غزل البنات، ويهتف "نجحتي" ليمر القطار فيمنع صوته من الوصول بالنتيجة كاملة، ليحقق شريف عرفة الكثير من العلامات، يقدم لنا قيمة هذه النتيجة لدى الأسرة، وهو ما يعكسه الممثلون بالطبع، ويجعل المشهد طريفًا لا يخلو من الابتسام، ولكنه بسيط كما هي العادة في هذا الفيلم.
تحدثت في البداية عن مفهوم الفيلم المفضل بالنسبة لي، وينبغي في النهاية أن أقول إنني لكتابة هذا المقال عدت لمشاهدة بعض مشاهد الفيلم، ولكني وجدت نفسي -كما هي العادة- أتابع الفيلم بالكامل حتى نهايته، وأكتشف عناصر جديدة أستمتع بها لأول مرة، ولهذا سيظل "اضحك.. الصورة تطلع حلوة" دائمًا في قائمة أفلامي المفضلة.