قد تعتقد أنها نهاية كارثية لمحمد صلاح مع منتخب بلاده في كأس العالم 2018 بعد موسم تاريخي حققه مع فريقه ليفربول، لكن ربما هذه الصورة التي أصر طوال رحلة عودته أن يظل ممسكا بها كطفل صغير لا يترك لعبته، هي العزاء الوحيد له.
ربما سر تعلق صلاح بهذه الصورة أنها خير دليل أنه بذل كل ما في وسعه ليحقق حلم الملايين، فربما مع الوقت سيحاول تناسي الهزائم الثلاثة لمصر في كأس العالم، لكنه لن ينسى أبدا أنه حاول الفوز، أنه سعى بكل ما يملك من قوة لكي يحارب الخصم الوحيد الذي لا يقدر على هزيمته، ألا وهو نفسه. فكل خصومه في الدوري الإنجليزي كان يستطيع مراوغتهم، لكن كيف يراوغ الإصابة! هذه الصورة هي الدليل أنه في يوم من الأيام لم يعجز عن مراوغة جسده.
تخيل أن صورة واحدة فقط تحمل كل هذه المعاني، لذلك كان علينا أن نعرف كواليسها هي وغيرها من الصور التي التقطها هيثم أبو عقرب لمنتخب مصر في المونديال، والتي تبدو أقرب إلى فيلم سينمائي له بداية ونهاية وحبكة درامية أكثر من كونها مجرد صور لحدث رياضي.
يستعرض لكم FilFan.com في السطور التالية حوارنا مع المخرج والمصور المصري هيثم أبو عقرب الذي رافق المنتخب المصري منذ التصفيات لكأس العالم مرورا بالمباريات الودية ووصولا للمونديال، وذلك في إطار التعاون بين شركته Sawarly.com وشركة Presentation Sports في التغطية الخاصة للمنتخب المصري.
- إلى أي مدى أنت مهووس بكرة القدم لدرجة أن تقرر السفر مع المنتخب لتصوير ذكرياتك الخاصة عن هذه اللحظة التاريخية؟
أنا شخص غير رياضي إطلاقا، لم يكن لدي أي احتكاك بكرة القدم إلا بعد فيلم صورته منذ خمس سنوات في تصفيات كأس العالم 2014، عملت عليه أنا والمخرج إياد صالح، اسمه "سنوات الكور الضائعة"، وخلال الفيلم دوري كان كمصور ومونتير فقط ولم يكن لدي علاقة بالمنتخب أو تاريخه أو أسماء اللاعبين، كل معلوماتي الأولية علمتها من هذا الفيلم.
سفري مع المنتخب ليس قرارا شخصيا مني ولكن شركة "صورلي" التي أعمل بها تعاقدت مع شركة "بريزنتيشن" لتغطية كواليس تصفيات كأس العالم، ثم المباريات الودية، ثم رحلة كأس العالم، وكان دورنا أن نصور محتوى فيديو وبث حي للتدريبات، ثم تطور الأمر وطلبوا مننا صورا فوتوغرافية من أجل حساب المنتخب على موقع "تويتر"، وهذه كانت بداية فكرة أن أصور صورا فوتوغرافية للمنتخب.
-المصورون الرياضيون يهتمون بالصور داخل الملعب من أهداف أو أخطاء لكن صورك كان معظمها تحكي ما قبل أو بعد المباراة، ما السر؟
تمسني مثل هذه اللقطات تحديدا، يمكن لأنني لست مهووسا بالكرة، لا أحب للدرجة صور اللاعبين أثناء المراوغة أو وهم يؤدون الحركات المهارية، كنت مهتما بدرجة أكبر بالقصص الإنسانية، مثل لحظة مساعدة زملاء صلاح له وهو يخلع قميصه.
ربما لأن خلفيتي ليست عن التصوير الرياضي كان لدي نظرة مختلفة للملعب، يمكن لأنني بالأساس صانع أفلام وثائقية وعملت فترة من حياتي في الأفلام الوثائقية وبعدها كـ " One Man Crew"، مما ساعدتني أن تكون طريقة تفكير في الكادر أو القصة تكون مختلفة وبها حالة إنسانية أو لقطة أو جماليات تعتمد على التكوين أكثر من مجرد تغطية لتمرين.
-صورة صلاح وهو وحده وسط مدافعي روسيا، هل مثل هذه الصور تلمحها في لحظة عفوية أم أنك تبحث عنها عن قصد لأنك تتوقع مسبقا أنه سيكون وحيدا بينهم طوال المباراة؟
وقت المباراة يكون الأصعب لأنك لا تعرف ما الذي سيحدث، أعمل بعدسة طويلة بها "زوم" بعيد المدى وأظل أبحث في المباراة وفي أرض الملعب حتى أكتشف شيء ما، كانت هذه الصورة بعد هجمة لصلاح على مرمى روسيا لكن فشلت الهجمة وعاد بمفرده، وكنت أقصد من اللقطة أن كل الفرقة عادت لتنقذ مرماها من هجمة صلاح، خاصة أنه كان يتحمل جزء كبيرا من الضغط النفسي لأنها أول مباراة له بعد الإصابة وسط فرقة كبيرة وثقيلة.
-لماذا اخترت أن تكون هذه الصورة لصلاح بالأبيض والأسود؟ وهل قصدت رسالة ما من الظل؟
اخترتها أبيض وأسود لشعوري بأمرين، أنني لا أحتاج تشتيت عين المشاهد بالألوان، خاصة أن الشمس أضافت الكثير من الأحمر والتباين إلى الصورة، الأمر الثاني أنني عندما دققت في الصورة بتمهل على الشاشة الكبيرة وجدت أن بطلي هو الظل، والظل دائما ليس له لون، فالظل طوال عمره أبيض وأسود، ذلك قررت أن تكون الصورة بالأبيض والأسود.
-ما أكثر صورة محببة إليك، ولماذا؟
أكثر صورة محببة لي هي صورة ظل صلاح لأن بها مجهود فني أخذ مني الكثير من الوقت، كالصياد الذي ينتظر سمكة معينة، استمر تركيزي مع الظل حتى وصل للتكوين الذي أريده، ثم قضيت الكثير من الوقت لكي أقرر تعديلها بالأبيض والأسود أم لا، أيضا قرار نشرها هكذا وهل ستلاقي الاستحسان أم لا، أحب هذه الصورة على المستوى الشخصي.
يمكن من حبي لها بحثت في مدينة جروزني على معمل لكي أطبعها، وطبعت منها نسختين ووضعت إحداهما في برواز. أثناء التمرين ذهبت لمحمد صلاح ووقع لي عليها، وأرسلتها له أيضا عبر البريد الالكتروني وشكرني جدا، احتفظت بالصورة التي وقع عليها لأعلقها في مكتبي، وأثناء عودتنا على الطائرة أعطيته نسخته التي بالبرواز وظل ممسكا بها في يده طوال إجراءات الخروج.
-في تقديرك، ما السر وراء تحقيق صورة أحمد فتحي "قهر الرجال" هذا العدد الكبير من المشاركات؟ أو هل كنت تتوقع أن تقهر الناس لهذه الدرجة؟
يمكن لأنها... شعرت فعلا عندما التقطتها أن بها كمية مشاعر كثيرة، طريقة وقفته وبعده عن المجموعة ونظرة عينه إلى الأرض، كمية تفاصيل إنسانية كثيرة، أعتقد أن الأشياء التي تتضمن مشاعر إنسانية أو عندما تشعر أن الصورة تحاول أن توصل لك مشاعر ما، تتجاوب معها.
هذا بخلاف الاتجاه الذي خلقته الصورة لدى البعض، من لوم فتحي على الهدف إلى محاولة مساندته بعد نشر الصورة.
- لماذا فضلت التقاط صورة لكوبر وحيدا بدلا من أن يكون وسط لاعبيه كأي مدرب؟
لأن صوره وسط اللاعبين مثل أي مدرب موجودة في وكالات وصحف ومواقع كثيرة فهي صورة عادية، لكن قبل التجمع أمام حافلة المنتخب للذهاب للمران على الملعب الرئيسي الذي لعبوا عليه مباراة أوروجواي هو أمر لن تراه كل يوم. نزل من غرفته قبل الفريق وجلس في مكان بعيد بأحد الأركان وأخذ يركز في أوراق التشكيل ويفكر في أمر ما، كنت أقف لانتظر تصوير اللاعبين، فرأيت هذه اللقطة ولم استطع تفويتها، اقتربت منه بهدوء حتى لا يشعر بي وصورتها.
بعدها عرضتها على فايز المترجم ومساعد المدرب معه فسعدوا بها جدا، فطبعتها ووضعتها في برواز ووقع لي عليها، فهو رجل لطيف جدا وأخذ يمزح مع الجهاز المعاون وقال لهم: انظروا، تركتموني أجلس وحدي، الصورة أضافت أجواء لطيفة.
- كم انتظرت لكي تسنح لك فرصة التقاط صورة "المشجع الوحيد"، وهل حاولت الالتقاء به بعدها لتعرف فيما كان يفكر؟
المشجع الوحيد كان صديقي الكاتب الصحفي محيي الدين أحمد، كان متواجدا هو وزوجته لحضور المباراة، كانت المباراة الوحيدة التي حضرها للمنتخب وكانت بلا فائدة لأنها تحصيل حاصل، كان يمكنه أن يلغي الحجز والطيران لكنه أصر على الحضور والتقيت به، ويوم المباراة ذهبنا سويا، وطوال المباراة كنت مشغولا بالتصوير وهو كان يشاهد من المدرجات مع زوجته.
بعد المباراة جلسنا في الكافيتيريا ثم ذهب الناحية الأخرى عند مقاعد البدلاء، قال لي بعدها أنه ذهب لكي يشاهد المكان الذي كان يجلس به شيكابالا الذي سافر له خصيصا لكي يشاهده نظرا لأنه من المحتمل أن يلعب في المونديال، نظر قليلا على الإستاد وتأمل مكان شيكابالا وكانت نظراته كلها حزن كما شاهدنا الصورة، ونظرا لأن أمن الاستاد كان يخليه من الجماهير وكان آخر مشجع متواجد، اضطروا أن يخرجوه بعدها بثوان بسيطة. أخبرته أنني التقط لك صورة لكن لم استطع أن أجعله يشاهدها بسبب صغر الشاشة، عندما نشرتها في المساء تفاجأ من تكوين الصورة، ثم بعدها فوجئنا نحن الاثنين من ردود الفعل عليها.
- هل لو كانت نتائج المنتخب إيجابية، هل تعتقد أنها كانت ستقلل من تأثير صورك في النفوس؟
لا أعتقد أن التفاعل مع الصور كان بسبب النتائج أو بسبب المكسب أو الخسارة، لأنها في الأساس ليست صورا رياضية بل إنسانية، أعتقد أن ذلك العنصر الأهم في نجاحها أنها لمست جزء من إحساس الناس، أو لأن الناس كانوا يبحثون عن إجابات لأسئلة ما مثل إصابة صلاح وهل سيشارك أم لا، أعتقد أن الصور كانت بعيدة كل البعد عن موضوع المكسب والخسارة.
ربما الصورة الأخيرة للمشجع الوحيد هي التي تم التفاعل معها بدرجة أكبر بسبب الخسارة.
-هل تعتقد أن الأزمات التي لازمت بعثة المنتخب مثل التخوف من عدم مشاركة صلاح خدمتك في التقاط صور أكثر درامية؟
أعتقد أن إصابة صلاح كان الحدث الأكثر درامية في معسكر المنتخب لأن بقية الأقاويل كانت مجرد شائعات، لكن إصابة صلاح بداية من تواجده مع مدربه ثم تماثله للشفاء ثم تطور الأمر مع بداية إجرائه للإحماء ثم نزوله أرض الملعب ثم مشاركته في المباريات ثم مشاركته في المباراة الثانية، أعتقد أنها كانت القصة الأكثر درامية في المعسكر، قصة محمد صلاح مع الإصابة.
وهو الحدث الذي التقطت منه قصتين، القصة الأولى الشهيرة بالظل أثناء أول تمرين له على أرض الملعب، والقصة المصورة الثانية عندما كان زملاؤه يساعدونه على خلع القميص لكي يشارك في التمرين.
-هل توجد أي صورة تتمنى لو لم تنشرها، أو صورة فضلت الاحتفاظ بها لنفسك بعيدا عن أعين الجمهور؟
طبعا توجد الكثير من الصور التي لم أنشرها، ليس من أجل الاحتفاظ بها لنفسي، لكن لأنني أحب نوع معين في التصوير وتكوينات جمالية معينة لم أشعر أن هذا الوقت المناسب لنشرها أو لأنه يوجد أشياء أهم تستحق النشر الآن نظرا لترتيب الأحداث واهتمامات الناس، بالطبع أي مصور لديه مكتبة خاصة من الصور يحبها بشكل شخصي ليس بالضرورة أن ينشرها وحتى لو نشرها ليس بالضرورة أن يتماثل ذوقه مع ذوق الجمهور، فعلا لدي الكثير من الصور عليا إعادة النظر فيها، توجد الكثير من الصور التقطها للمدينة ووجوه الناس، أشياء بعيدة تماما عن الرياضة.
-ما سر كراهيتك لوضع علامة مائية على صورة؟
ليست كراهية بل موقف، للأسف الكثير من المصورين يضطرون للعلامة المائية نظرا لأن الناس لا ينسبون الصورة لمصدرها، حتى الكثير من وسائل الإعلام لا تعترف بحقوق الملكية أو نسب الصورة لمصدرها، وأي مصور يسعد بانتشار عمله ويحب أيضا أن يعرف الناس اسمه مثلما تنتشر الصورة. أرى أن العلامة المائية تضعف من جمال الصورة وتفقدها جزء من تكوينها البصري وتفقد العين راحتها في رؤية الصورة، أشعر أنها عنصر دخيل على الصورة، لذلك أكتفي فقط بتوقيع على يمين الصورة أو بالأسفل.
لكن للأسف جزء كبير من وسائل الإعلام والأشخاص يقصون هذا الجزء ولا أفهم لماذا يفعلون ذلك، مازلت على موقفي أنني لا أريد أن أضع علامة مائية على الصورة وأتمنى أن نساهم كلنا في طرح ومناقش هذا السؤال، وأن نساهم في زيادة وعي الجمهور بنسب الصور أو الفديوهات أو الأخبار لمصدرها.
-هل ستسافر لتغطية كأس العالم المقبل لو تأهلت مصر؟
أتمنى فقط ألا ننتظر 28 عاما وسأذهب.
اقرأ أيضا
السويد تنضم لمحمد هنيدي في السخرية من ألمانيا بعد خروجها من كأس العالم
نجيب ساويرس: هل يعقل أن نحمل الفنانين مسؤولية خروج مصر من كأس العالم؟