لا يحتاج مهرجان لوكارنو السينمائي الذي افتتح مساء أمس الأربعاء 2 أغسطس دورته السبعين بأي مظهر إضافي للاحتفال بالدورة ذات الرقم التاريخي.
فطبيعة العرض المسائي للمهرجان في بياتزا جراندى، ساحة العرض المكشوفة الأكبر في العالم، تجعل كل ليلة في لوكارنو هي في حد ذاتها احتفاء بالسينما. احتفال يجتمع فيه ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص في الساحة الهائلة، في إعادة لتقاليد السينما الكلاسيكية التي نسيناها وسط مجمعات المالتي بليكس والسينمات الأشبه بالصفوف الدراسية.
في لوكارنو، المنتج السياحي سويسري الجنسية إيطالي الهوى، الواقع على بحيرة ماجيور عند قاعدة جبال الألب، والذي لا تتجاوز مساحته 20 كيلومتر مربع وعدد سكانه 15 ألف نسمة، تحتفل السينما سنوياً بالكلاسيكية والحداثة معاً. الكلاسيكية في عروض بياتزا جراندي الهائلة، وفي البرنامج الحافل بمختارات كلاسيكية يشرف عليها واحد من المثقفين السينمائيين الموسوعيين، المدير الفني للمهرجان كارلو شاتريان. والحداثة متمثلة في اهتمام المهرجانات بالتجارب الشابة والجريئة سردياً، خاصة في مسابقته الثانية "صناع سينما الحاضر" المخصصة لأفلام العمل الأول للمخرجين.
حضر يسري والمومياء.. وغابت السينما المصرية الحديثة
مصر كانت حاضرة في افتتاح المهرجان ممثلة في المخرج الكبير يسري نصر الله، والذي تم اختياره ليكون رئيس لجنة تحكيم مسابقة صناع سينما الحاضر، في اختيار يعكس التقدير الكبير الذي يكنه المهرجان له بعد علاقة طويلة منذ أن شارك فيلمه الثاني "مرسيدس" في مسابقة المهرجان الدولية عام 1993، قبل أن يعود ويشارك مرتين بفيلمي "المدينة" عام 1999 و"الماء والخضرة والوجه الحسن" العام الماضي، والذي شكل وقتها مع "أخضر يابس" لمحمد حماد عودة السينما المصرية للمهرجان بعد سبعة عشر عاماً من الغياب.
كذلك يعرض المهرجان النسخة المرممة من تحفة شادي عبد السلام "المومياء: يوم أن تُحصى السنين" في قسم خاص بعنوان "تاريخ السينما - لوكارنو 70" يعرض فيه المهرجان مجموعة من أهم الأفلام السينمائية التاريخية.
السينما المصرية تغيب بأفلامها الحديثة عن الدورة السبعين، بعدما رفض صناع فيلم "شيخ جاكسون" لعمرو سلامة دعوة من المهرجان لعرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية، مفضلين تلبية دعوة مهرجان تورنتو الذي اختار الفيلم لختام قسم العروض الخاصة، وهو مكان عرض أهم وأكبر بالطبع كان من الحكمة أن ينحاز صانعو الفيلم له، حتى وإن كان معناه غياب الأفلام المصرية مجدداً عن لوكارنو.
ليبقى يسري نصر الله هو ممثل السينما المصرية الوحيد في المهرجان، في موقع نادراً ما يصل إليه صانع أفلام مصري في أحد مهرجانات العالم الكبرى. بل لا أذكر ـ والمعلومة تحتاج تدقيق ـ أن مخرجاً بخلاف يوسف شاهين قد اختير لمكان مُناظر. وإذا وضعنا في الاعتبار كونها دورة احتفالية بسبعينية المهرجان، فالاختيار يحمل في طياته تكريماً من المهرجان لنصر الله ومسيرته.
بينما يرأس لجنة تحكيم المسابقة الدولية للمهرجان، المسابقة الأكبر والأعرق، المخرج الفرنسي الشهير أوليفيه أساياس.
خمسة أفلام عربية.. آن ماري جاسر الأبرز
البرامج الرسمية للمهرجان تضم هذا العام خمسة أفلام عربية جديدة متنوعة، أربعة طويلة وواحد قصير، على رأسها يأتي "واجب"، الفيلم الجديد للمخرجة الفلسطينية البارزة آن ماري جاسر، التي نالت تقديرات كبيرة بفيلميها السابقين "لمّا شفتك" و"ملح هذا البحر"، وتتنافس بجديدها الذي يجمع نجم السينما الفلسطينية محمد بكري بابنه صالح بكري على الشاشة، في المسابقة الدولية للوكارنو.
المخرجة الجزائرية الفرنسية نرمين ماري تشارك في مسابقة صناع سينما الحاضر بتسجيلي عنوانه "قوى المخابيل"، يمزج حسب الملخص بين مواد أرشيفية عن الاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا، وحكاية مجموعة من البدو تركوا المدن لتكوين مجتمع طوباوي بعيداً عن العالم المعاصر.
في قسم أسبوع النقاد يُعرض فيلم من إنتاج ألماني سعودي مشترك بعنوان "الشاعرة" من إخراج ستيفاني بروكهاوس وأندرياس وولف. تسجيلي عن الشاعرة السعودية المنقبة حصة هلال، التي برزت في برنامج "شاعر المليون" التلفزيون بقصائد تواجه التطرف الإسلامي! كل المؤشرات توحي بفيلم يهدف لإثارة الجدل، لاسيما مع رسالة تلقاها الصحفيين المعتمدين تخبرنا أن الشاعرة المنقبة ستحضر المهرجان في سويسرا التي يمنع القانون فيه تغطية الوجه، وكأن هذا عامل جذب!
الفيلم الطويل الرابع والأخير هو "بان أوبتيك" للبنانية رنا عيد، والمعروض في قسم "علامات للحياة". وفيه تستكشف المخرجة التناقض الذي يعيشه لبنان بين المعاصرة والمحافظة، بسرد ننتظر أن يمتلك حساً تجريبياً سمعياً بصرياً، بناء على القسم وعلى خلفية المخرجة التي تعد من أشهر مصممي الصوت في السينما اللبنانية المعاصرة.
أما الفيلم القصير الوحيد فهو فيلم لبناني آخر بعنوان "تشويش" للمخرجة فيروز سرحال والمعروض خارج المسابقة، عن تشويش تتعرض له أجهزة البث التلفزيوني في بيروت خلال إحدى مباريات كأس العالم لكرة القدم، ليكتشف الأهالي أن سبب التشويش هو هجوم اسرائيلي على المدينة.
الافتتاح فرنسي بنجاح محدود
أما فيلم الافتتاح فقد اختار المهرجان أن يكون الفيلم الفرنسي "غداً وبعد ذلك" من إخراج وبطولة ناعومي لفوفسكي. قصة لفتاة صغيرة تعيش مع أمها المضطربة عقلياً، فتحوّل عالمها إلى قصة خيالية للتعايش مع وضعها.
الفيلم الذي لم نتمكن من مشاهدته بسبب الوصول المتأخر للوكارنو لاقي استقبالاً فاتراً كشفته معظم المقالات التي نُشرت عنه، ففي مجلة "فارايتي" كتب الناقد جاي وايسبرج واصفاً الفيلم بأنه "غير مُرض، وإن كان قصة خرافية عن الخطر والتحرر في بعض أجزائه". وهو وصف تكرر في معظم المقالات بأن الفيلم امتلك طموحاً لم يتمكن من إشباعه.
سنحاول مشاهدة الفيلم وتقديم رؤيتنا عنه، مع المزيد من التغطيات للأفلام العربية وأهم الأفلام المشاركة في رسائل مقبلة عن مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في دورته السبعين.