كانت ابنتي فاتن لامعة الذكاء منذ طفولتها، كانت أذكى طفلة في العائلة حتى أن والدتها كانت تخشى عليها من الحسد، ولكنها لم تكلف نفسها هذا العناء الضائع في صنع التعاويذ والأحجبة لكي تحفظ فاتن من الحسد، لم يتعد الأمر حد الخوف لأن أم فاتن كانت سيدة مثقفة.
هكذا تحدث أحمد حمامة والد سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والذي نشر كلامه الناقد طارق الشناوي في كتابه "فاتن" الصادر عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لدورته الـ 37.
وفي الذكرى الثانية لرحيل فاتن حمامة ينشر موقع FilFan.com كلام والدها عنها نقلاً عن كتاب "فاتن".
عندما كانت فاتن في السادسة من عمرها كانت موضع حب سيدات الأسرة جميعاً وكانت إحداهن كلما ذهبت إلى السينما صحبت فاتن معها، وكانت فاتن تعود من السينما وتجلس إلى لتروي لي قصة الفيلم بتسلسل عجيب، لم يكن يفوتها مشهد واحد، ثم تعقب تلخيصها للقصة بأسئلة عن الهدف الذي ترمي إليه وهذا هو أول الدروس ومعرفة نواحي القوة والضعف في كل فيلم لأنها كانت ناقدة بفطرتها.
كانت فاتن لا تمل من مشاهدة الأفلام مع هذه السيدة أبدا، بل كانتا أحياناً تدخلان السينما في حفلتين متعاقبتين، حفلة الساعة الثالثة ثم حفلة الساعة السادسة، وتعود فاتن أكثر نشاطاً وأكثر تفتحاً لمذاكرة دروسها، وكانت لي هواية هي تصوير فاتن في مشاهد ومواقف مختلفة ومازلت أحتفظ بألبوم حافل من صور فاتن وهي بين الخامسة والسابعة وكما قلت كانت فاتن ذكية تفهم ما أعنيه دون إفصاح، وفي أثناء زيارة بعض الأقارب لنا ذات مرة نظرت إلى فاتن نظرة فهمت منها ما أعنيه على الفور ولم تتمالك إحدى السيدات نفسها ففالت "الله إحنا في سينما ولا إيه؟"، ثم ضحكنا وعقبت أنا قائلاً أنني سأقدم فاتن للسينما فعلاً وبالطبع لم أكن أعني ما أقوله ولكن الأمر تحول جد، وأرسلت صورتها وهي ترتدي ثياب الهلال الأحمر إلى المسابقة التي نظمتها مجلة "الاثنين" لاختيار أجمل طفلة وفوجئت بفاتن تفوز بلقب أجمل طفلة.
وبعد أيام من نشر الصورة تلقيت خطاباً من المخرج محمد كريم يستدعيني لمقابلته أنا وفاتن، وبعد أيام وقفت فاتن تؤدي الامتحان أمام محمد كريم الذي أعجب بها وقال لي أنه سيخطرني عند البدء في تصوير الفيلم الذي سيحتاجون به إلى طفلة، وتصادف إن نقلت للعمل في المنصورة في اللحظة التي أرسل فيها محمد كريم خطاباً، يستدعيني للاتفاق معي على أن تعمل ابنتي في السينما، ولكن الرسالة لم تصلني وردت إليه مرة ثانية، وحدث أن جاء محمد كريم في تلك الفترة إلى المنصورة ليحضر عرض أحد أفلام عبد الوهاب، وعندما سمعت بوجوده ذهبت لأزوره وما كان يراني حتى صاح: "أنت فين أنا بعت لك جواب ولم تستلمه"، واتفق معي كريم على أن أزوره في القاهرة لتوقيع الاتفاق وهنأني لأن ابنتي هي أذكى طفلة في الدنيا.
وبدأ العمل في فيلم "يوم سعيد" وهو أول فيلم تظهر فيه فاتن وكان الدور في البداية صغير جداً، ولكن إعجاب كريم بفاتن وذكائها جعله يُطيل الدور حتى أصبح دوراً بارزاً في الفيلم وأثناء التصوير أبد المسئولون في استوديو مصر رغبتهم في احتكار جهور فاتن وما كاد كريم يسمع بهذه الرغبة حتى سارع يتعاقد معي على أن تظهر فاتن في فيلمين جديدين لعبد الوهاب.
وظهرت فاتن بعد ذلك في عدد من الأفلام ثم بدأ يوسف وهبي في إخراج فيلم "ملاك الرحمة" وكانت شركة النحاس المنتجة للفيلم، قد جاءت بفتاة من لبنان حاولت أن تجعل منها ممثلة بلا جدوى، وذهب يوسف وهبي مصادفة ليشاهد فيلم "رصاصة في القلب" وشاهد فاتن تمثل فيه وفوجئت به يدعوني إلى مقابلته وذهبت أنا وفاتن لنقابله وما كاد يراها حتى قال لي "بكرة فاتن في (ملاك الرحمة)"، وتقاضت أكبر أجر تقاضته طفلة.
فاتن كطالبة كانت مثالاً للطالبة النشيطة، ولم يحدث أن رسبت خلال دراستها الابتدائية في أي امتحان، وكانت متقدمه على زميلاتها دائماً وعندما انتقلت إلى دراستها الثانوية خشيت أن يؤثر عملها السينمائي على نشاطها المدرسي، ولكن فوجئت بها في الفترة الأولى بالسنة الأولى الثانوية الأولى على فصلها، وعندما فتح معهد التمثيل فوجئت بفاتن تطلب مني أن أقدم أوراقها في المعهد، وعبثاً حاولت أن أقنعها بألا ترهق نفسها بدارسة جديدة إلى جانب دراستها الثانوية خصوصاً وقد كانت تعمل في عدة أفلام، ولكنها أصرت على الالتحاق بالمعهد ووضعت يدي على قلبي وأنا أتوقع أن تهمل إحدى الدراستين ولكن النتيجة جاءت مفاجأة نجحت في دراستها الثانوية، ونجحت في المعهد ونجحت أيضا في كل أفلامها التي مثلتها.
وتوجد فترة جمعتني ظروف العمل مع ثلاث سيدات من مفتشات وزارة التربية ودار بيننا الحديث عن فاتن خصوصاً أن إحداهن ناظرة لها، وكانت الأخريان تدرسان لها خلال دراستها في مدرسة الأميرة فوقية الثانوية "الأورمان الثانوية حالياً"، وقالت لي الناظرة إن فاتن كانت أبرز التلميذات بل كانت تتزعم الحركة الوطنية فيما كانت زعيمة الطالبات تنظم المظاهرات الاحتجاجية على تعسف العهد البائد، وكانت تصنع الهتافات للمتظاهرين وتقودهن وكم من مرة حاولت أن أقنعها بألا تقحم نفسها في أمور السياسة، ولكن في دخيلة نفسي كنت أبتهج بالمشاعر الوطنية التي تدور في رأسها ولم يكن هذا هو كل نشاط فاتن أيام الدراسة، بل كانت تقوم بأدوار البطولة في الروايات التي تقدمها المدرسة وتخرجها بنفسها وتدرب زميلاتها على تمثيل أدوارهن.
ومن ذكرياتي الطريفة عن فاتن أن أحد الزملاء وكان أستاذاً للغة الإنجليزية في مدرسة السعيدية تقدم لطلب يد فاتن وقبلت مبدأ خطبتها له ولكن اشترطت أن يؤجل كل شيء حتى تبلغ فاتن سن السادسة عشرة وكانت أيامها في الثالثة عشرة من عمرها، ولكن الزميل أصر على أن يتم الزواج فوراً لأنه سيسافر في بعثة دراسية إلى لندن ويريد أن يأخذها معه، ورفضت رغم أنه وسط بعض الأصدقاء الذين أحتفظ لهم بمكانة طيبة في نفسي، وسافر وحده وقضى أربع سنوات وعاد بعدها ليصبح أحد أكبر رجال التعليم وكثيراً ما تجمع المصادفة بيني وبينه ونضحك عندما نستعيد ذكريات تقدمه لخطبة فاتن.
اقرأ أيضا
في ذكرى وفاتها .. عبد الرحمن الأبنوي يرثي فاتن حمامة بكلمات مؤثرة
في ذكرى وفاتها- 3 وصايا لفاتن حمامة قبل رحيلها.. أسرتها تلتزم بواحدة
القاهرة السينمائي 38- أحمد حلمي: فخور بتكريمي بجائزة تحمل اسم فاتن حمامة.. وأهديه لمحمود عبد العزيز
شريهان تحتفل بذكرى ميلاد فاتن حمامة قبل تكريمها