في غرفتين متجاورتين من أحد فنادق الدوحة جلست مجموعتان من الصحفيين، إثنا عشر صحفياً للدقة اختصتهم ضيفة المهرجان النجمة ميج ريان بإجراء حوار جماعي معها، مقسم لجلستين إحداهما بالإنجليزية والأخرى بالعربية، من أجل مناقشة تجربتها الإخراجية الأولى "إيثاكا Ithaca". الفيلم الذي استضاف مهرجان أجيال في نسخته الرابعة عرضه الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ريان بدت سعيدة بتواجدها في الدوحة وتحدثت بثقة وهدوء وانفتاح، مع خفة ظل واضحة، عن جلوسها للمرة الأولى على مقعد الإخراج، وسمح قيام كاتب هذه السطور بإدارة الجلستين أن يكون هو الشخص الوحيد الذي حضر اللقاء بالكامل بينما حضر باقي الصحفيين كل في مجموعته، ليتمكن "في الفن" من نشر هذا الحوار المكوّن من أسئلة مختارة من بين ما طُرح على ريان خلال زيارتها لمهرجان أجيال السينمائي.
* كيف وجدت الانتقال من مقعد التمثيل إلى الإخراج؟ خاصة وأنت تشاركين كممثلة أيضاً في أول فيلم تقومين بإخراجه؟
لن أكون مبالغة حين أقول أنني تعلمت التمثيل عبر تجربة الإخراج، وأنني خلال ثلاثة وعشرين يوماً هي كل أيام تصوير "إيثاكا" عرفت عن فن التمثيل مالم أدركه في كافة الأفلام التي شاركت فيها قبله. لاحظت الطرق المختلفة التي يعمل بها كل ممثل، واكتشفت أن المتغير الوحيد داخل موقع التصوير ـ بخلاف حالة الطقس ـ هو الممثل، كل ممثل يعمل بطريقة بالغة الاختلاف عن الآخر، لكن عليهم في النهاية أن يأتوا للتصوير من أجل تحقيق هدف واحد هو بث الحياة في لحظة مصوّرة. طاقم التصوير يقف في انتظار هذه اللحظة السحرية، لحظة يقف فيها الجميع وعلى رأسهم الممثل آملين في تجسد الحياة في اللقطة.
هذا يختلف كلياً عن دور المخرج كقائد للأوركسترا المتوجب عليه ملاحظة كيف يقوم كل فرد بعمله. متعة التمثيل تأتي من رفاهية امتلاك قصة شخصية عاطفية واحدة عليك الاهتمام بها، أما المخرج فعليه أن يبحر وسط هذا، يشارك في العملية الإبداعية لكل فرد من فريقه، ويقوم في الوقت ذاته بتوصيل كل الجهود معاً. شخصياً، وجدت هذه المهمة مرهقة ومحيرة، أن تنتقل كل لحظة بين الشخصي والموضوعي، حقيقة لا أعلم كيف يمارسون هذه المهنة طيلة أعمارهم.
* هل يعني هذا أنك لن تخرجي أفلاماً أخرى؟
بالطبع لا، سأمارس الإخراج مجدداً لكنّي لن أشارك بالتمثيل في فيلم أخرجه. كنت أنهي تصوير المشاهد التي أمثل فيها وأذهب لأهمس في آذان أعضاء فريقي: هل كنت جيدة؟ هل أديته بالشكل الصحيح؟ وفي المشهد الختامي بالغ الأهمية الذي أتلقى فيه نبأ موت ابني ضبطت نفسي أتابع حركة الكاميرا وأفكر في أنها أبطأ من المطلوب، لذا فممارسة التمثيل والإخراج معاً أمر مُشتِت، لكنّي بالتأكيد ساستمر في كليهما بشكل منفصل.
* هذا رابع تعاون بينك وبين توم هانكس، كيف تصفي عمله معك في الفيلم؟
في البداية لابد وأن أشير أن شركة "بلايتون" المملوكة لهانكس كانت هي الأب الروحي للمشروع الذي ساعده على الخروج إلى النور. بخلاف ذلك لا يمكنني أن أصدق ما فعله كي يشارك بالتمثيل كضيف شرف في الفيلم، ترك منزله وطار إلى فرجينيا ليصل في الموعد، قضى معنا عشرة أو اثنتي عشر ساعة في شاحنة ضيقة، أدى ما عليه ثم اجتمع بفريق التصوير ليمازحهم ويوصيهم بدعمي.
عندما بدأنا تسجيل الحوار كان كل ما عليه فعله أن يقول كلمة واحدة هي "ماركوس"، جاء وأخذ يرددها لقرابة الساعة بكافة الأصوات والأشكال المختلفة حتى أجد من بينها ما أريده. إنه حقاً شخص رائع والعمل معه ممتع دائماً.
* ما مدى صعوبة العمل مع ابنك ممثلاً في فيلمك الأول؟
جاك ابني شخص دؤوب بطبعهـ عندما جاء للمشاركة في "إيثاكا" كان بالفعل قد عمل قبلها مع مارتن سكورسيزي في مسلسل بعنوان "فاينل Vinyl" صنع لحساب شبكة إتش بي أو HBO، أي أنه جاء من موقع تصوير سكورسيزي بكل ما فيه من ضخامة إنتاجية إلى فيلمي الصغير المصنوع بأقل الإمكانيات الممكنة. لدرجة أنه كان هو من يطمأنني أنه لا يشعر بفارق بين موقعي التصوير. إنه بالفعل شخص رائع.
* هل شعرتي خلال التصوير بلحظات من الخوف أو عدم الثقة؟
بالتأكيد، أذكر بالتحديد يوماً كنت أجلس بجوار سام شيبارد أثناء الإعداد لتصوير لقطة، أخذت أفكر في وضعي، أنا امرأة أخرج فيلمي الأول عن الرجال، هذا فيلم كله عن الرجال، جميع شخصياته المؤثرة رجال، حكايته الرئيسية لتحول طفل إلى رجل، وعن حرب كل من يشاركون فيها رجال، لأجدني أسأل نفسي فجأة عما أفعله هنا، وعما أعرفه عن هؤلاء كي أروي حكايتهم.
فما كان من شيبارد، وهو كاتب متمرس بخلاف كونه ممثلاً رائعاً، إلا أن قال لي: "ميج ما خطبك؟ المرأة هي صانعة الرجال. من في نظرك يستحق أن يصنع هذا الفيلم؟ لا أجد غيرك"، أعتقد أن ما قاله كان رائعاً، وقد ساعدني بالفعل على اكتساب المزيد من الثقة.
* يروى الفيلم بشكل ما من خلال رسائل المحارب إلى شقيقه الأصغر في المدينة، لماذا اخترتي هذا المدخل لحكايتك؟
الاعتماد على الخطابات التي يرسلها ماركوس من الجبهة إلى شقيقه هومر في إيثاكا هو حل توصلنا إليه بعد التصوير لأكبر مشكلة في الحكاية: معرفة الجميع بمصير ماركوس. الكل يعرف أنه سيموت على الجبهة، وبالتالي سيكون من الخطأ أن نقدم فيلماً تقليدياً من بداية ووسط ونهاية. لذا جاء الحل في صورة هذه الخطابات الشعرية المليئة بالحياة، المكتوبة بمزيج من الأخوة وحب الوطن. هذه الخطابات منحت الفيلم اختلافاً حتى عن الرواية، لكنها الأداة السردية التي وجدناها مناسبة لتقديم حكاية يعرف الجميع مسارها.
* لماذا "إيثاكا" اسماً للمدينة التي تدور فيها الأحداث؟
عندما كتب ويليام ساوريان رواية "الكوميديا البشرية" التي أخذنا عنها الفيلم، ملأها بإشارات إلى هوميروس ودانتي. وعندما اختار اسم مدينة "إيثاكا" التي تمثل معادلاً موضوعياً لفكرة الوطن أو المكان المثالي، ربطها بقصيدة كافافيس الشهيرة التي يقول فيها
لقد منحتك إيثاكا رحلة جميلة..
فلولاها لما شرعت في رحلتك..
لم يعد لديها شيء آخر تمنحك إياه..
وإن وجدتها فقيرة، فإيثاكا لم تخدعك..
فبعد أن أضحيت حكيماً..
وبعد أن تمتعت بهذه التجربة المديدة..
لا بد أنك أصبحت تفهم ماذا تعني إيثاكا
بهذا المعنى إيثاكا ليست تماماً هي الوطن، بل هي الرحلة إلى الوطن، وما الذي تصير عليه خلال هذه الرحلة. وإذا كان هناك أمر واحد أريد أن أقوله عبر هذا الفيلم، سيكون قيمة الفرد الواحد، أن كل جندي يموت هو ماركوس، ليس مجرد رقم.
اقرأ أيضا
5 معلومات قد لا تعرفها عن فيلم توم كروز The Mummy.. لأول مرة المومياء شخصية نسائية
MAD Solutions في مهرجان دبي السينمائي الدولي بـ 15 فيلما.. من بينهم "يوم للستات"
Arrival.. كيف تقدم فيلما يستند على أفكاره الخاصة ويتعمق بك في أحداثه