الناقد السينمائي الراحل روجر إيبرت يقول "معظم الأفلام الجيدة تكون معبرة عن رؤية وذوق صانعها، فالمخرج سيلعب على وتر حساس في خيالك ليتمكن من توصيل أحاسيسه وأفكاره عن عمله الفني، وبذلك يصبح المخرج الجيد صديقك".
هذه المقولة تنطبق على المخرج ويس أندرسون، من الصعب أن تشاهد فيلما لأندرسون، دون أن تدرك من الوهلة الأولى أن هذا الفيلم يحمل توقيعه؛ فالصور السينمائية المبهرة والكادرات المرسومة والمقطوعات الموسيقية المميزة المصاحبة للأفكار الحالمة، هي أدواته التي يستخدمها لتوصيل إبداعته الفنية، وهي من جعلت له أصداقاء من محبي السينما حول العالم كله.
عام 2012 وأثناء عرض فيلم Moonrise Kingdom في افتتاحية مهرجان كان السينمائي، قال السيد أندرسون: "أنا سعيد لأنني هنا، سعيد لأنني أفعل دائماً ما أحبه، وأن هناك البعض في هذا العالم يشاركونني في ما أحب، سعيد لكوني بين أفراد عائلتي، وأنها تتسع كل يوم"، ليس غريب أن يأتي هذا الحديث من مخرج الفيلم الذي يبحث بطله عن الحب والعائلة الحقيقية التي يمكنها أن تحتضنه.
مواجهة الإعصار بالمغامرات الطفولية
أحداث الفيلم تمزج بين عالم الأساطير والواقع في عام 1965، فتبدأ القصة في جزيرة خيالية تسمى "نيو بيزنس" قبالة سواحل نيو إنجلد، وهي جزيرة معرضة للدمار بالكامل بعد ثلاثة أيام نظرًا لتوقع عاصفة ورياح عنيفة تضرب السواحل وتقضي عليها تمامًا، فيظهر الطفلان البالغان من العمر 12 عامًا؛ "سام" الطفل اليتيم المنبوذ في معسكر الكشافة الصيفي، وصديقته "سوزي" التي تعرف عليها في إحدى حفلات الكنيسة، وهما يحاولان الهرب من جحيم حياتهما ليقضيان فترة معًا يفعلان فيها ما يحلو لهما.
وبدلا من أن يهتم ساكنى الجزيرة بوضع الخطط لمواجهة العاصفة، ينشغلوا بالبحث عن الطفلين، فيتحرك قائد المعسكر وأطفال الكشافة للبحث عن سام فيما تحاول عائلة سوزي معرفة أين ذهبت بعد أن وجدوا خطاب بخط يدها تخبرهم فيه أنها تركت المنزل، ومن هنا تتوالى الأحداث وتبدأ المغامرات الطفولية.
"اندرسون" هو "سام" و"سوزي"
من يتابع أعمال هذا المخرج يعرف أنه يستخدم بعض تفاصيل حياته الشخصية في أفلامه، وظهر ذلك من خلال هذا الفيلم إذ جاءت التفاصيل المصاحبة لشخصية "سام" متقاربة من ويس اندرسون. فيظهر "سام" وهو يرسم اللوحات الفنية طوال الفيلم والتي تتميز بأنها جميعها عن المناظر الخلابة، وهذا يتشابه مع ولع "اندرسون" بالرسم والألوان، حتى أن بعض النقاد وصفوه بأنه "مهندس الديكور السينمائي".
كما أن هناك مشهد يظهر فيه اكتشاف "سوزي" لكتاب عنوانه كيف تتعامل مع طفلك المضطرب، فتعرف أن والديها يعتبرونها مضطربة وذلك يزيد حجم الخلافات بينهم، وهذا الكتاب وجده "اندرسون" حين كان طفلًا بمنزله.
المؤثرات البصرية
نظرًا لتطور التقنيات والمؤثرات البصرية أصبحت معظم الأفلام تتمتع بكادرات ملونة حتى شبهها بعض النقاد بأنها كالفيديو كليب المصور الذي يعتمد على عنصر الجذب البصري فقط دون الحاجة لقصة قوية ليقدمها. لكن الكادرات في سينما "أندرسون" ليست مناظر خلابة وملونة فقط، بل هي لوحات مرسومة ومرتبة بعناية، لها روح تخدم الفكرة والقصة التي يريد توصيلها، وهذا يتضح في أفلامه مثل The Grand Budapest Hotel، وThe Darjeeling Limited.
فظهرت مشاهد Moonrise Kingdom، كأنها لوحات تعتمد في تكوينها على المزج بين الألوان الباردة والساخنة، وساعد على ذلك أن الأحداث في حقبة الستينات ذات الألوان المبهجة في جميع التفاصيل بدءًا من الملابس وصولا إلى مسجل الموسيقي والكتب والخرائط التي كانت بحوزة الطفلين.
الموسيقي التصويرية
من أهم العناصر المميزة للفيلم هي الموسيقي التي ألفها الفرنسي الكسندر ديسبلا، إذ أضفت روح من البهجة والمغامرة خاصة في المشاهد المصاحبة لقدوم العاصفة واجتياحها لمعسكر فورت ليبنون الذي لجأ إليه الطفلين حين أرادا أن يتزوجا.
فيلم Moonrise Kingdom من إخراج ويس أندرسون وكتبه بالتعاون مع رومان كوبولا، ومن بطولة تيلدا سوينتون، وفرانسيس ماكدورماند، وإدوارد نورتن، وبروس ويلس، وبيل موراي، وإنتاج عام 2012.