كما هو متوقع شهدت شوارع مدينة "كان" لاسيما لاكروازيت والمناطق المحيطة بقصر المهرجان زحاماً هائلاً خلال اليومين المنقضيين، السبت والأحد اللذان يشكلان أول عطلة نهاية أسبوع فرنسية في دورة المهرجان التاسعة والستين، والتي يقصد المدينة خلالها مئات من الشباب ومحبي السينما، معظمهم لا يمتلك بطاقة المهرجان، لكنهم يأتون ليعيشوا أجواء كان، وبالطبع يقفون أمام القصر يرفعون اللافتات المعتادة من أجل استعطاف من يمتلك دعوة إضافية لحضور أحد الأفلام، ويتنافسون كل على طريقته في لفت الانتباه كي ينال البطاقة المرجوة، فإن لم ينجح يكفيه متعة التواجد في كان ومراقبة السجادة الحمراء لمشاهدة كبار نجوم العالم يسيرون عليها.
أكبر اسم سار على السجادة خلال اليومين هو بالطبع ستيفن سبيلبيرج الذي جاء ليعرض فيلمه الجديد "العملاق الكبير اللطيف" The BFG خارج المسابقة، في واحد من نوعية العروض التي أشرنا إليها في الرسالة الماضية، التي يعتمد فيها المهرجان على استقدام السينما الأمريكية ونجومها لإضفاء المزيد من البريق.
فيلم سبيلبيرج من إنتاج ستوديوهات ديزني، وهو فيلم ملائم لجهة إنتاجه في بساطته وملائم لمخرجه في إتقانه، لكن يبقى المكسب الأكبر من إدارجه في المهرجان هو وجود سبيلبيرج.
فيلم أمريكي آخر خارج المسابقة جذب أبطاله الأضواء هو "الرجال الطيبون The Nice Guys"، والذي حضر افتتاحه المخرج شاين بلاك ومعه نجوم الفيلم وعلى رأسهم راسل كرو وريان جوسلنج. لم نشاهد الفيلم بعد للحديث عن مستواه، لكن توقف السير في منطقة المهرجان بسبب ازدحام المئات لإلقاء نظرة على السجادة الحمراء كان أبسط تأكيد على ضرورة وجوده ضمن العروض.
سباق السعفة يشتعل
بعيداً عن أفلام الأضواء والسجادة الحمراء، فإن المنافسة على السعفة الذهبية بدأت في الاشتعال مع توالي عرض الأعمال المتسابقة، وبعدما كان أول الأسماء المطروحة "أنا دانيل بيلك" فيلم البريطاني كين لوتش، ظهر الفيلم الألماني "طوني إيردمان" للمخرجة مارلين أدي، الذي منحته مجموعة النقاد الذين يشكلون لجنة التحكيم الصحفية التي تتابع من خلالها مجلة "سكرين انترناشونال" المنافسة، منحته تقييم ممتاز بلغ متوسطه 3.8 نجمة من أربع نجمات، بينما يليه لوتش بتقييم 2.4 فقط (تناولنا كلا الفيلمين بالتحليل في رسائل سابقة).
المجلة لم تحتف كثيراً بفيلم "الخادمة The Handmaiden" للكوري بارك تشين ووك، بالرغم من كونه واحد من أفضل أفلام المسابقة التي عرضت حتى الآن، حيث حافظ فيه المخرج المخضرم على أسلوبه الذي يمزج بين الحكاية ذات الحس الجماهيري (هنا عن عملية نصب مركبة تدور في أروقة قصر ياباني خلال احتلال اليابان لكوريا)، وبين الأسلوب الإخراجي الثري القائم على صورة ذات جمال سوداوي يدعمها مونتاج يفضل السرعة على التأمل، بالرغم من زمن الفيلم البالغ ساعتين ونصف (والزمن الطويل سمة تجمع ثلث أفلام المسابقة تقريباً).
أما الفيلم الذي عُرض للصحافة فقط حتى الآن لكنه قفز فوراً إلى قائمة الترشيحات فهو "باترسون Patterson" للأمريكي الممتع جيم جارموش، والذي يتخلى هنا قليلاً عن الإمتاع ليقدم فيلماً أداة سرده الرئيسية هي الرتابة والتكرار. أسبوع بلا أحداث تذكر نشاهده يوماً بيوماً في حياة سائق حافلة يحلم أن يكون شاعراَ، وربة منزل تؤمن أنها موهوبة في تصميم الأزياء والموسيقى، ومدينة بأكملها تعيش على حلم الخروج عن المألوف أو تحقيق بعض النجاح أو الإثارة التي تكسر وتيرة حياة يكاد يتماثل فيها كل يوم مع سابقه.
تساؤل حول الأفلام الفرنسية
عُرض حتى لحظة كتابة هذه السطور 3 أفلام فرنسية من أصل 4 تتنافس في المسابقة الرسمية، يثير مستواها تساؤلاً حول حجم الاستثناء الذي يخص به المهرجان السينما المحلية، في ظل كون الأفلام الثلاثة هي الأقل في المستوى من بين كل الأفلام المعروضة. أفضلهم على الإطلاق هو "من أرض القمر From the Land of the Moon" للمخرج نيكول جارسيا وبطولة النجمة ماريون كوتيار، وإن كان يظل حكاية تدور في زمن كلاسيكي عن امرأة اخلافها وبحثها عن الاستقلال في مجتمع لا يسمح بذلك جعلها تعاني من حياة شخصية وزوجية مأزومة، حكاية لو كانت تحمل جنسية دولة أخرى نشك كثيراً في أنها كانت ستقدم في أي قسم من المهرجان ناهيك عن مسابقته الرسمية.
أما عن الأسوأ فهو للأسف فيلم لمخرج كبير هو برونو دومون، الذي قدم أيضاً عملاً كلاسيكياً هو "خليج الركود Slack Bay"، لكنه كوميدياً حركية من طراز صار خارج إطار الزمن، ويكفي أن أول عشر دقائق من الفيلم تحتوي على أربع مرات تتعثر فيها إحدى الشخصيات وتسقط، ومن المفترض منّا أن نضحك في كل مرة على التعثر الجديد!
الفيلم الثالث تحدثنا عنه من قبل ووصفناه بالغريب، وهو فيلم "البقاء واقفاً Staying Vertical" لآلان جويرود. ولا يبقى من الأفلام الفرنسية سوى أكثرها ترقباً، "متسوق شخصي Personal Shopper" للمخضرم أوليفيه أسايا الذي نتمنى أن يحمل فيلمه تحسيناً لصورة السينما الفرنسية في كان 2016.
اقرأ أيضا
خاص في الفن - رسالة كان (2) : "اشتباك".. الانحياز للحيرة في افتتاح نظرة ما
خاص في الفن - رسالة كان (1): "كافيه سوسايتي".. وودي آلان يفتتح المهرجان بفيلم اعتيادي ومتقن
بالصور- جورج كلوني ينقذ أمل علم الدين في مهرجان "كان"
إشادة نقدية عالمية بفيلم"اشتباك" ورصده لما بعد ثورة 25 يناير
صورة- ابن نيللي كريم وشقيقها يساندوها في مهرجان كان
خاص في الفن - رسالة كان (4): روائع المهرجان تبدأ في الظهور