عندما تكون مهدداً بالجلوس فى المنزل ولا يوجد أمامك سوى فرصة واحدة للعمل فأنت لن تتردد فى فعل أى شئ للحفاظ على تلك الفرصة، خاصة إذا كنت معتاد على الكاميرات والأضواء وحديث الصحافة والجمهور سواء بالسلب أو الإيجاب، فهذا يجعلك لديك رغبة للإستمرار فى مهنة لا تعترف بالسن ولا يوجد لها "سن معاش"، لذلك فإن إنحصار الأضواء عنك قد يسبب لك ألم نفسياً أصعب من ذلك الذى شعر به محمود مرسى عندما تخلى عنه رجاله فى فيلم "شئ من الخوف" وتركوه يواجه أهل بلده وحيداً عاجزاً.
هذا الأمر ينطبق على أحمد آدم، فالرجل يعمل فى السينما والدراما والمسرح قبل أن أولد أنا، وبالرغم من أننى وولدت وتعلمت وتخرجت في الجامعة وعملت فى الصحافة وقاربت على الزواج إلا أنه لم يحقق نجاحاً ملموسا مثل العديد من نجوم جيله، قدم أدوار ثانوية فى بعض الاعمال، ثم أدوار ممثل مساعد، ليرقى لمرحلة البطولة التى لم يحقق فيها أى نجاح بالرغم من المحاولات المتتالية فى السينما والدراما والمسرح.
ظهر أحمد آدم فى أعمال شهيرة ولكنها كانت لنجوم أخرين شارك هو فيها بأحد الأدوار، مثل مسرحية "الهمجى"، أفلام "الهروب"، "ضحك ولعب وجد وحب"، "يا مهلبية يا" و"المنسى"، مسلسلات "سنبل بعد المليون" و"النوة"، كلها أعمال معروفة، لكن عندما بدأ فى العمل منفرداً لم يجد لنفسه مكان على الساحة ولم تنجح أعماله.
قد أذكرك ببعض أعماله حتى لا تتهمنى بظلم الفنان، إن كنت تراه كذلك، والتى قدمها بداية من الألفية الجديدة، وقل لى أين تلك الأعمال الآن ومنها أفلام "لا مؤاخذة يا دعبس"، "شعبان الفارس"، "شجيع السيما"، "صباحو كدب"، "فيلم هندى"، "تحت الربع بجنية وربع"، ومسرحيات "العصمة فى أيد حماتى"، "برهومة وكلاه البرموة"، "حودة كرامة" و"ربنا يخلى جمعة"، ومسلسلات مثل "الفوريجى"، "حياتى انت"، "عالم رغم انفه".. هل تذكر أياً منها؟ هل تعتبره عملاً يسجل فى تاريخ الفن؟ هل حقق أياً منهم النجاح الذى يؤهل أحمد آدم ليكون كوميديان يسخر ممن حوله؟.
عدم النجاح دفع أحمد آدم للتمسك بفرصة تقديم برنامج "بنى آدم شو" على الحياة، وبالرغم من "تقل دمه"، أقصد البرنامج، وعدم إمكانية تصنيفه كبرنامج كوميدى، إلا أنه مستمر لسبب لا يعلمه إلا الله والمسئولين عن القناة، لذلك يبذل أحمد آدم كل ما لديه من مجهود للحفاظ على تلك الفرصة لأن ضياعها يعنى جلوسه فى منزله، لذلك لا تلومه عندما يخرج على الشاشة ساخراً من مقتل أطفال وشيوخ ونساء فى قصف جوى رأه العالم كله على مدينة حلب السورية من قبل نظام بشار الأسد، وأبكى عيون وقلوب الأوروبيين قبل العرب، فى حين رأه أحمد آدم وحده مادة دسمة للسخرية وإطلاق النكات التى لا يضحك عليها سوى الجمهور القابع فى الاستديو، والذى يعتبر جزء من ديكور المكان.
الفنان قبل أن يكون ممثل يؤدى أدوار على الشاشة هو روح، يشعر بشكل أسمى ممن حوله، حواسه تعمل بشكل أرقى، أخلاقه وسماته الشخصية مميزة، يشعر بالأخرين ويحاول تجسيد معاناتهم على الشاشة، صاحب رأى فى الدفاع عن المظلوم من خلال أعماله، ولكن أحمد آدم فعل عكس ذلك تماماً، فقد كل ما يجعله فنان، وأعتبر أن الدماء المسالة على أراضى حلب، والروح الطاهرة البريئة الصاعدة إلى ربها، مادة تصلح للسخرية، فهو قد يفعل أى شئ أو يقول أى كلام للحفاظ على أمله الأخير فى التواجد على الشاشة، لدرجة تناسيه إنسانيته وآدميته.
الجدير بالذكر أن أخر الأعمال الفنية التى ظهر فيها أحمد آدم على الشاشة كانت مسلسل "الفوريجى"عام 2010، عندما كان نجوم "مسرح مصر" مازالوا فى الجامعة، وكان الدولار بـ 5 جنيهات، ومن يومها لم يطلبه أحد فى عمل ولم يقدم سوى "بنى آدم شو".
ملحوظة: إحقاقاً للحق فإن شخصية "القرموطى" التى قدمها فى عدة أعمال هى النقطة الوحيدة المضيئة فى حياته، ولأنها "كاركتر" بملامح وطريقة كلام وأسلوب مختلف عن طبيعة أحمد آدم، فطبقاً لقانون الملكية الفكرية للمشاهد فيمكن إعتبار القرموطى شخص أخر منفصل تماماً عن أحمد آدم.