ما أسهل أن تدير ظهرك لكل من يهاجموك، تقول لهم بمنتهى الاستبياع "مش لاعب، أنا حر"، تذهب لمكان يزيح عن رأسك أوجاع الانتقاد وأذى ترصد الناس لأقوالك وأفعالك، تغلق هاتفك وتعلنها صراحة لا أريد الاستمرار، لو كنت شخصًا عاديا سيسأل عن اختفائك من يحبوك ويهمهم أمرك فقط، أما لو كنت شخصية عامة فابتعادك سيدعو بالطبع لمزيد من التساؤلات حول خلفيات هذا القرار.
"لقد اتخذت قراراً أريدكم جميعاً أن تساعدوني عليه، لقد قررت أن أتنحى تمامًا ونهائيًا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر" - الرئيس الأسبق لمصر جمال عبد الناصر يوم 9 يونيو 1967 بعد النكسة بخمسة أيام.
ناصر تراجع عن تنحيه في اليوم التالي، وذكرت مراجع تاريخية -التاريخ كتبه ويكتبه من يحكمون البلاد حتى الآن- أن مظاهرات حاشدة خرجت تطالب الزعيم المنتكسة بلاده، هاتفين: "نحن جنودك يا جمال"، يوسف شاهين أيضًا حاول تجسيد الواقعة في فيلم "العصفور"، من خلال شخصية بهية "محسنة توفيق"، التي خرجت تجري عقب بيان التنحي هاتفة "هنحارب هنحارب".
منذ أربعة أيام، أعلنت شيرين عبر رسالة صوتية نقلها الصحفي رئيس قسم الفن بمجلة زهرة الخليج ربيع هنيدي، اعتزالها الفن بشكل لا رجعة فيه، كانت رسالة قصيرة مدتها 30 ثانية، أغلقت هواتفها بعدها متجنبة اتصالات متكررة ممن يسعون للتأكد من صحة التسجيل الصوتي.
توقف شيرين عن الغناء يعني خسارة لصوت مصري يحظى بجماهيرية واسعة في مصر والعالم العربي، صوت مميز واختيارات موفقة ثابتة للكلمات والألحان، خبرة تكونت عبر السنين عادة ما تفتقدها الأصوات النسائية.
قرار الاعتزال جاء صادمًا على مستوى الجماهير وأيضًا على مستوى زملاء العمل، عدد لا يمكن حصره من زملاء شيرين "ممثلين وملحنين ومطربين"، أبدوا حزنهم لقرارها، أصدقاء العمل ومحبين وحتى عمرو مصطفى الذي كان بينه وبينها حرب تصريحات على أشدها وصفت إلى تبادل الإهانة بين النجمين الكبيرين، تلك الصدمة هي خير دليل على مدى الفراغ الذي -كادت- أن تتركه شيرين باعتزالها الفن.
ورغم ما ورد في الفقرتين السابقتين إلا أن شيرين الـ "Idol"، عرضت موهبتها لكثير من الأذى جعلها محل استياء وسخرية جمهورها الذي ربما يكون رغم استيائه وسخريته متيمًا بأغانِ عدة للنجمة التي أعلنت في أكثر من مناسبة أنها تتصرف دومًا بعفوية، غير مدركة أنها بالفعل تحيطها الأضواء من كل جانب اتجاه، وكل هفوة تقترفها، كل حرب تخوضها، كل لفتة عابرة، لا تمر مرور الكرام، الكلمات تحرف والمعاني تتغير لتجد شيرين نفسها تصريحات لم تدل بنصفها وحروب لم تكن تتوقع أن تخوضها.
افتقدت شيرين خلال الأشهر الأخيرة أية فرصة لالتقاط الأنفاس، هجوم شديد تعرضت له عقب تصويتها بالحذاء في برنامج اكتشاف المواهب The Voice، خرجت بعدها واعتذرت عن هذا التصرف، ثم خنثت باعتذارها بأسرع مما يتوقع الجميع وقامت بنفس الفعل مرة أخرى، الجمهور لم يرحمها هذه المرة.
حرب دخلتها دون سابق إنذار مع الملحن عمرو مصطفى، استخدم فيها الأخير كل ما يتقنه من أساليب لتحطيم صورة شيرين، زاعمًا أنه كان من بين الملحنين الذين عرض عليهم سماع صوت شيرين في بدايتها الفنية وأنها كانت غير مصدقة وقوفها أمامه، تطرف هجوم عمرو مصطفى عليها ووصل لحد وصفها بأنها كانت تمتلك رائحة قدم كريهة، غير مبال هذه المرة بما يمكن أن يمثله زعمه من أذى نفسي للفنانة ذات الجماهيرية الكبيرة.
شيرين أيضًا لم تسكت على الهجوم واستمرت في وصفه بأنه "أكتر واحد ودانا في 60 داهية وصوته وحش جدًا جدًا"، ويبدو أن عمرو مصطفى في الأخير استجاب لضغوط "جماعة الصلح خير" في الوسط الفني ليعلن بعدها أنه قرر مسامحة شيرين مدعيًا أن خطبة الجمعة كانت تتحدث وقتها عن قيمة التسامح، الجمهور هذه المرة متفرج ورغم أنه ليس له أي دور في هذه الحرب إلا أن حربًا كهذه بالطبع تنقص من رصيد النجمين لدى جماهيرهما.
قبل أن تعلن شيرين اعتزالها بأيام ظهرت في حلقة من برنامج "العاشرة مساءً"، لتحكي عن حلمها بأنها اجتمعت في مجلس بالرئيس عبد الفتاح السيسي، والفنان محمد منير وكان السيسي يطعمها عنبًا يسيل منه عسل، وطلبت منه أن يزيد الرواتب.
الجمهور كان فاعلًا وبقوة هذه المرة، سيل من التعليقات الساخرة و"الكومكس" انهال كمياه باردة في يناير على رأس شيرين، لم تكد تستفيق من حرب تصريحات مع عمرو مصطفى حتى دخلت بإرادتها الحرة عش دبابير مواقع التواصل الاجتماعي، لدغات هذا العش الأزرق موجعة أكثر من تصريحات الملحن عدو الماسونية.
شيرين التي ولدت عام 1980، تعاملت مع أزماتها المتعاقبة بعقلية ناصرية صريحة، تكثر المشكلات، يزداد الضغط، تكابر وتحاول التماسك مرة تلو الأخرى، تأخذها العزة بالإثم فتوقع نفسها بمشكلات أكثر، وحينما تخرج الأمور عن السيطرة، يبقى القرار الوحيد "مش لاعب".
بمرور الوقت، يشعر الجميع بالفراغ الذي يسببه رحيلها يتحدثون عن أسباب شخصية أو مهنية دفعتها لاتخاذ هذا القرار، زملاء ومحبون يطلبون التفكير في القرار، فكرت، ترددت، عدلت عن قرارها نزولًا على رغبة جماهيرها.
تراجعت شيرين عن قرار اعتزالها الذي وصفتها بنفسها بأنه نهائي ولا رجعة فيه، أربعة أيام فقط، فصلت النجمة المترددة بين القرارين، قرارها الأخير وصفته بأنه "احتراما لمحبيها والفنانين الذين أسروها بأخلاقهم العالية"، وسيكون من الظالم الحديث عن سعي شيرين وراء الشو الإعلامي، هي لا تحتاج ذلك الشو، هي في الأساس من نجمات الصف الأول، شيرين كررت نصًا ما فعله ناصر بفاصل زمني قدره 49 عاما.
ربما كان الاختلاف الوحيد بين تنحي عبد الناصر وتنحي شيرين، كان أن الأخيرة أخذت أربعة أيام حتى تفكر وتتردد وتنزل على رغبة الجماهير العريضة التي بالطبع لا يمكنها أن ترد لهم طلبا.