ترجمت موضوع شيق عن عناصر وتيمات وأفكار متكررة في أفلام عدد من صناع السينما العالميين الأسبوع الماضي(راجع الموضوع هنا). خلال الترجمة وجدتني تلقائيا أقلب في ذاكرتي، وأراجع مشاهداتي من الأفلام المصرية خاصة من أعمال أشهر صناعها الموهوبين، لأخرج بهذه القائمة التي ربما تحتاج للمزيد من الإضافات والتعديلات والمناقشات.
١) يوسف شاهين والفتيشية
من بين جميع مخرجي السينما المصرية في تاريخها، امتلك يوسف شاهين القدرة الأكبر على إثارة الجدل، فهو أكثر مخرج تتعرض له الآراء باستقطاب كامل، بين من يراه إله السينما المصرية ومن يعتبره أخذ من الشهرة أكثر مما يستحق. لكن مالا يمكن لأحد أن ينكره أن شاهين هو أكثر مخرج مصري أجاد التعبير عن هواجسه الخاصة، أحلامه وآراءه ومواقفه وما يحب ويكره، كلها أمور يمكن أن يعرف عنها من يشاهد أفلامه بقليل من التركيز.
المرحلة الأخيرة من فيلموجرافيا شاهين، والتي ضمت 11 فيلما بدأها بـ "اسكندرية ليه؟" هي المرحلة الأكثر ذاتية من سينماه، والتي لا يتبلور فيها فقط أسلوبه وأفكاره، بل يظهر فيها بوضوح الهواجس الجنسي، وبالتحديد ما يثيره من أمور فتيشية fetish يحب عرضها على الشاشة. وهي على الترتيب: الأقدام والرقص والمثلية.
الفيتيشات الثلاثة ظهرت من قبل في أفلام شاهين، لكن في المرحلة المذكورة لا يكاد فيلم يخلو من اثنين منها على الأقل، سواء كان من أفلام السيرة الذاتية الأربعة أم لا. في "اسكندرية كمان وكمان" يجتمع الثلاثة في مشهد واحد: رقصة مهرجان برلين مع عمرو عبد الجليل. مشهد تقديم هاني سلامة وخروجه من الماء في "المصير"، مشهد الجندي الغارق في "اسكندرية ليه؟"، نزوة السائق أندرو في "حدوتة مصرية"، نظرة الأميرة سميهيت لأقدام رام في "المهاجر"، والرقصات ذات الحس الجنسي في كل الأفلام تقريبا، كلها صور للفتيشية دائمة الظهور في سينما شاهين.
٢) عاطف الطيب والسلطة
"محامي الشعب"، لقب يبدو ركيكا حقاً إذا ما ارتبط بصانع أفلام موهوب، لكنه لسبب ما يصبح مدحاً عندما يصف الراحل عاطف الطيب، أحد مؤسسي تيار الواقعية الجديدة، وأغزر بني جيله إنتاجاً، حتى أنه في سنوات نشاطه المحدودة التي لم تتجاوز 15 عاماً، قام بإخراج 21 فيلماً، وكأنه ـ كما يقول الجميع ـ كان يشعر بأن حياته لن تطول، فأصر على عدم التوقف للحظة عن العمل.
بالنظر إلى اللقب ومحاولة تحليل أفلام الطيب، سنكتشف أن الهم الأكبر في الغالبية العظمى من أفلامه لم يكن "هموم البسطاء" قد كونه "تسبب السلطة في إتعاسهم". ففي معظم أفلام عاطف الطيب تتسبب السلطة في إدخال بطل بسيط في خبرة مروعة لم يكن يتصور أن يخوضها، سواء كان ذلك في صورة فساد منظم ومنهجي مثلما نجد في "البرئ" و"الهروب" و"الزمار"، أو ضعف في القوانين التي تحمي المواطنين يسمح لرجل دولة فاسد أو مضلل أن يؤذي الأبرياء كما يحدث في "ملف في الآداب" و"التخشيبة".
سوء إدارة السلطة للبلاد يحطم أحلام الشرفاء والحالمين كأبطال "سواق الأتوبيس" و"الحب فوق هضبة الهرم" و"الدنيا على جناح يمامة"، بل ويدفعهم دفعاً للتحول بدورهم إلى فاسدين مثلما نجد في "ضد الحكومة" و"كشف المستور". بل أن الأمر وصل في أكثر من حالة بعاطف الطيب للانتصار للحل الفردي، بجعل أبطاله ينجزون العدالة بأيديهم خارج النظام القانوني كمشهد المحاكمة الشعبية في "كتيبة الإعدام"، ومشهد النهاية في "ليلة ساخنة"، آخر فيلم أنجزه الطيب بالكامل قبل رحيله.
٣) محمد خان والمركبة كرمز الفروسية
لدى محمد خان، أحد مؤسسي موجة الثمانينيات في السينما المصرية التي عُرفت بالواقعية الجديدة، عدد من الهواجس الواضحة والمتكررة في أفلامه. من أشهرها ولعه بمشاهد الطعام، وهو ولع مرتبط بشخصية خان نفسه، الذي يقدر الطعام الشهي ويجيد صناعته، وكثيرا ما يكتب على صفحته الشخصية وصفا لإحدى وجباته المفضلة. لذا فلن تجد فيلماً لمحمد خان لا يحتوي على مشهد تتناول فيه الشخصيات الطعام أو تقوم بالطهي، والعلاقة مع الأكل دائما حسية بها متعة يذكرها كل من شاهد "خرج ولم يعد".
أما الهاجس الأهم والمرتبط بموضوعات أفلامه، فهو بالتأكيد العلاقة الحميمية بين البطل ووسيلة تنقله أو مركبته، التي قد تكون سيارة مثل أفلام "طائر على الطريق" و"مشوار عمر" و"الحريف" و"فارس المدينة"، أو دراجة بخارية كما في "ضربة شمس" و"في شقة مصر الجديدة"، حصان في "الغرقانة"، أو حتى المترو في "بنات وسط البلد" و"أحلام هند وكاميليا".
العلاقة ترتبط عادة بما تطرحه أفلام خان عادة من احترام لقيمة الفروسية وخوض معركة الحياة طبقا لقواعد يضعها البطل لنفسه ويحترمها ـ لاحظ تكرار اسم فارس بين أبطاله ـ والفارس لابد له دائما من فرس يمتطيه في معاركه الدائمة، يجد نفسه فيه ويصير جزءًا من شخصيته، تماما مثلما تغيرت حياة فارس "الحريف" مباشرة بعدما جرب قيادة السيارة الفاخرة المملوكة لصديقه القديم فاكتشف بعدها أن "زمن اللعب راح".
٤) أسامة فوزي وصراع المتعة مع الجسد
فيلموجرافيا قصيرة لم تتجاوز أربعة أفلام في قرابة العقدين، تمكن أسامة فوزي من خلالها أن يضع اسمه بين كبار مخرجي السينما المصرية المعاصرين، بأعمال تدخل عادة لعوالم خاصة، جيتوهات بشكل أو بآخر مغلقة على المنتمين إليها، سواء كان الجيتو هو عالم سائقي الميكروباص أو المسيحيين المتطرفين أو حتى طلبة الفنون الجميلة. لكن الأهم من العالم المغلق، هو أن الانتماء لهذا العالم يحتاج إلى صراع يخوضه الإنسان مع جسده.
في افتتاحية "عفاريت الأسفلت" يقول والد البطل لجده عبارة سمعها منه قديما: "الدخان للرجالة واللي يحافظ على صحته راجل خسيس". عبارة تحمل فلسفة امتصاص متعة الحياة لآخر قطرة، وعدم التفكير للحظة في تبعات ذلك على الجسد. ونتأكد من ذلك باكتشاف أن الجد والأب والابن، جميعهم مصابين بالربو في مراحل مختلفة هي مراحل خوضهم لحياة تحطم جسدهم تدريجيا. أما "جنة الشياطين" فيبدأ بعد أن حُسم هذا الصراع، ومات رب الأسرة الذي قرر أن يترك قيود طبقته ومركزه الاجتماعي، ليهبط إلى جنة الشياطين ويعيش وسط الأوباش والعاهرات مستمتعا بحياتهم التي تقدس الانغماس في المتعة الجسدية، وتقدس الجسد نفسه لدرجة قرار أصدقاءه بأخذ جثته معهم في جولة وداع أخيرة، لكنه وداع لم يمنع رفيقته لبلبة من تقبيل شاب بجوار جثة رجلها الذي تعرف أنه سيتفهم أن في المتعة "الحي أبقى من الميت".
صراع بطل "بحب السينما" النفسي سببه رفضه لأي متعة جسدية لأسباب دينية، موقف يحافظ عليه حتى يتعرض لانتهاك جسدي وصل لقيامه بالتبول على نفسه، لتدفعه التجربة لحسم الصراع وانتصار لرغبة الحياة داخله. بينما عاني يوسف بطل "بالألوان الطبيعية" من دراسته لفن يرتبط بالتحرر الجسدي، بينما هو محمل بتراث وقناعات وأشباح اجتماعية وأسرية ودينية تمنعه من التصالح مع عالمه الجديد. وكلها كما يتضح تنوعيات نسجها أسامة فوزي لهاجس واحد متكرر.
٥) فطين عبد الوهاب والبيروقراطية
هو مخرج الأفلام الكوميدية الأفضل في تاريخ السينما المصرية بلا منازع، إذا ما حاول أي شخص أن يتذكر أفضل عشرة كوميدية قديمة شاهدها، سيكون فطين عبد الوهاب هو مخرج سبعة منها على الأقل. قائمة أفلامه الضخمة تشعرك لوهلة بأنها تضم كل الأفكار والتجارب، لكن نظرة أدق تكشف عن تكرار هاجس البيروقراطية في العديد من أفلامه. البيروقراطية بمعنى النظام والروتين ووجود علاقة رئيس ومرؤوس تحرك الكوميديا داخل الفيلم.
"مراتي مدير عام" يدور بالكامل داخل المكاتب الحكومية ويبدأ بقرار تعيين شادية مديرة لزوجها صلاح ذو الفقار. في "الزوجة 13" يعين رشدي أباظة والد حبيبته الوزير السابق في شركته كي يصل لابنته، أي يجعله خاضعا له ضمن نظام هيراريكي يسمح له بالسيطرة عليه. مسعود أبو السعد بطل "أرض النفاق" يشتري النفاق ليستخدمه في مداهنة مديريه والترقي بسرعة في عمله الحكومي.
في "إشاعة حب" لا يكتفي فطين بكون عمر الشريف وعبد المنعم ابراهيم أقارب ليوسف وهبي، بل يجعلهم يعملون تحت إدارته في نفس الشركة، مجددا ليستخدم مشاهد المكاتب المفضلة لديه، ويضفي على العم سطوة مزدوجة أسرية وبيروقراطية. وفي "ابن حميدو" يحتاج البطلان إلى الباز أفندي لينهي لهم اجراءات حكومية، وحتى الباز نفسه يستمد وجاهته الاجتماعية من عمله المكتبي رغم كونه ساقط توجيهية، وتذكر مقولة القصري "ده راجل أنا نفسي أتمناه"!
أضف إلى كل هذه الأمثلة سلسلة الأفلام التي أخرجها لاسماعيل يس في أسلحة الجيش المختلف، لنكتشف امتلاك فطين عبد الوهاب هوس ما بالروتين والحياة العملية والتراتب الهيراريكي، ربما لأن فترة نشاطه تزامنت مع أزهى سنوات ثورة يوليو وصعود القطاع العام وقيمة الترقي داخله.
٦) داود عبد السيد والجنس غير الشرعي
في أحد أشهر أحاديثه الصحفية قال داود عبد السيد أن الجنس مكون طبيعي من حياة أي إنسان، ومن الطبيعي أن يتواجد في أي فيلم يحاول أن يعرض جزءًا من حياة البشر. قناعة يظهر منها تصالح عبد السيد الشديد مع حدوث الجنس بشكل طبيعي ـ وتلقائي أحياناً ـ بين الشخصيات، حتى لو لم يكن ذلك في إطار من الشرعية القانونية والدينية.
وعلاقات مثل ما وقع بين يسرا ومحمود عبد العزيز في "الصعاليك"، وبسمة وآسر ياسين في "رسائل البحر"، والعلاقات الجنسية المتشابكة بين شخصيات "مواطن ومخبر وحرامي"، كلها كانت ستُعرض ومعها صكوك الإدانة لو قدمها مخرجون آخرون. كذلك عرض داود بتفهم كامل المداعبات الجنسية بين لوسي وماجد المصري في "سارق الفرح"، وكل العلاقات الجنسية السرية التي فضحها الشيخ حسني في "الكيت كات".
بل إن الأمر يمتد إلى أن معظم العلاقات المعروضة بقدر من الإدانة في أفلام داود هي علاقات داخل منظومة الزواج الشرعية، مثل شكل الزواج بين بسمة وأحمد كمال في "رسائل البحر"، أو زيجة أحمد زكي بمراهقة لم يراها من قبل، ثم اعتداءه الجنسي على زوجته الثانية في "أرض الخوف". وكأن أفلام المخرج الكبير تخبرنا دائما أن الاعتراف القانوني ليس هو المعيار الأنسب لإصدار أحكام على من يمارس فعلاً كالجنس، يستخدمه الإنسان بشكل فطري بحثا عن السعادة والسكينة والتعايش مع الصعاب.
٧) رأفت الميهي والمستشفيات
أول ما يقفز في الأذهان عند سماع اسم رأفت الميهي هو ارتباطه بالفانتازيا، الذي ربط الإعلام أفلامه بها بالرغم من عدم انضباط الوصف لأن الغالبية العظمي لأفلامه تنتمي للخيال المفرط داخل إطار واقعي أكثر من كونها أعمالاً فانتازية. لكن مالا ينتبه له الكثيرون هو التواجد الدائم للمستشفى في كل أفلام المخرج الراحل تقريبا، كرمز دائم للخوف يرتبط غالبا بلحظة ضعف لدى الأبطال أو قرار مصيري في مسار حكايتهم.
على رأس مستشفيات الميهي الشهيرة بالطبع الوحدة الصحية التي يُعرف فيها مرض يحيى الفخراني القاتل في "للحب قصة أخيرة"، المستشفى التي تجري فيها فوزية عملية تحولها الجنسي إلى فوزي في "السادة الرجال"، والمستشفى الكابوسية التي يدور فيها التتابع الأهم في "سمك لبن تمر هندي". لكن وجود المستشفيات لا يقتصر على هذه النماذج الشهيرة، فمغامرة بطل "سيادتي آنساتي" تبدأ في مشهد بعيادة الأسنان يتحدث فيه مع إحدى زوجاته الأربعة، وفي المستشفى تتلقى بطلة "تفاحة" بعد أن تجري فحصا شاملا عرض مديرتها العجيب بأن تتزوج زوجها.
مأساة النهاية في "عيون لا تنام" تبدأ بزيارة التمرجي للورشة وملاحظته لحمل الزوجة مديحة كامل، وحتى تتابعات الصراع الأخير الذي يخوضه "الأفوكاتو" حسن سبانخ فتنطلق من نقله لمستشفى السجن بعد مشاجرة مع صلاح نظمي. المستشفى حلت دائما في سينما رأفت الميهي كمكان ثقيل على القلب، يتعرض فيه البطل عادة لإهانة أو انتهاك جسدي أو لحدث يجبره على خوض حياة أصعب مما كان عليه قبل دخوله، ولعل هذا الهاجس كان استشرافا مبكرا من الميهي لسنوات حياته الأخيرة التي قضاها في المستشفى بسبب أزمته الصحية.
٨) حسن الإمام وميلودراما العوالم
هو الهوس الذي تحول إلى تخصص ونوع سينمائي امتاز به حسن الإمام الذي عُرف بمخرج الروائع. تخصص جعله صاحب أنجح وأشهر حكاية عالمة في تاريخ السينما المصرية، زوزو ألمظية بطلة "خللي بالك من زوزو"، وجعل قائمة أفلامه تتضمن عناونين مثل "بديعة مصابني" و"بمبة كشر" و"لواحظ" و"ليال" و"سلطانة الطرب" و"بنت بديعة" و"امتثال" و"دلال المصرية" و"الحلوة عزيزة"، وكلها حرفيا أفلام سير ذاتية لراقصات وعوالم ومغنيات، بعضهن شخصيات حقيقية والأخريات من وحي الخيال.
لا يقتصر هوس الإمام بوجود العوالم والكباريهات فقط، بل لابد وأن يرتبط الأمر بميلودراما عنيفة إما دفعت امرأة لأن تصير عالمة أو لأن تخرج من عالم الكباريهات. "بديعة مصابني" أتت لمصر بعدما تعرضت للاغتصاب في لبنان، "دلال المصرية" تفقد عذريتها وتطرد من القصر فتضطر للرقص، "الحلوة عزيزة" تتجه لإدارة الكباريه بعدما ألقي على وجهها ماء نار، و"ليال" اكتشفت أن زوجها قد نصب عليها وباع نصيبها في الملهى دون علمها.
ولعل أبرز تعبير عن هوس حسن الإمام بميلودراما العوالم هو ما فعله عند إخراج ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" مع شخصية جليلة العالمة، والتي تترك وظيفتها بتقدم العمر وتصبح قوّادة عندما كان البغاء مقنناً. الإمام تجاوز تغيير المهنة، وغير من صفات بيت الدعارة الذي وصفه محفوظ بالتفصيل في روايته، ليحوله إلى مكان أشبه ـ كالعادة ـ بالكباريه، يقدم لزبائنه بخلاف الغناء والرقص خدمات أخرى.
٩) كمال الشيخ والخيانة الزوجية
مسيرة طويلة وفيلموجرافيا حافلة يمتلكها كمال الشيخ الملقب بهيتشكوك مصر. لقب أتى من إجادته التامة لحرفية التشويق وأفلام الجريمة النفسية، التي أتت دائمة في أفلامه بمستوى أبعد بكثير عن أي منافس من معاصريه أو حتى من مخرجي عصرنا الحالي. الملاحظ أن الخيانة الزوجة تكررت مرات عديدة في أفلام كمال الشيخ، كحدث مفجر لدراما الفيلم أو نتيجة لأحداث سابقة، بل أن أشهر وأنجح أفلامه كانت هي المرتبطة بالخيانة الزوجية.
"اللص والكلاب" رواية نجيب محفوظ التي حولها الشيخ لفيلم ربما هو الأفضل من بين الأعمال المأخوذة عن أدب محفوظ، المحرك الرئيسي فيها لانتقام البطل سعيد مهران خيانة زوجته له مع مساعده عليش عندما كان هو داخل السجن. ودراما "الخائنة" كما يتضح من العنوان تنطلق من الفيلم الذي شاهده المحامي محمود مرسي لزوجته وهي تخونه مع صديق لم يتمكن من تحديد هويته. المشهد الأشهر في "غروب وشروق" يسحل فيه ابراهيم خان زوجته سعاد حسني عندما وجدها في منزل صديقه رشدي أباظة فاعتقد أنها قد خانته. ومصير الباشا في "شيء في صدري" يحسمه فضيحة أخلاقية يتعرض لها عندما يضبط وهو في سرير واحد مع امرأة متزوجة.
الخيانة الزوجية ستجدها أيضا في أفلام أخرى للشيخ مثل "من أجل امرأة" و"قلب يحترق" و"وثالثهم الشيطان" و"الطاووس". التواجد الدائم مرتبط بالطبع بالنوع الذي تخصص كمال الشيخ في تقديمه، فالجريمة النفسية تحتاج دوما لدوافع، ولا يوجد دافع أكثر منطقية من الانتقام للشرف.
١٠) أحمد عبد الله السيد والكاميرات المحمولة
المخرج الأغزر إنتاجا بين صناع السينما المنتمين لتيار السينما المغايرة أو المستقلة حسب المصطلح المنتشر رغم عدم دقته. حتى الآن أخرج عبد الله أربعة أفلام مختلفة في أشكال السرد والمعادلات الإنتاجية، لكن يجمعها كلها هوس المخرج الشاب بالتصوير وتحديدا بالكاميرات المحمولة. أمر يحتمل تفسيرين، أولهما ارتباط تيار السينما المغايرة بأكمله بالكاميرات الرقمية الحديثة التي سهلت صناعة الأفلام والتواجد للعديد من الموهوبين الآتين من خارج نظام الدراسة الرسمي الكلاسيكي، وثانيهما ما توحي به الكاميرا المحمولة دائما من استكشاف للأسرار وأحيانا التوثيق لحوادث وتجاوزات.
في فيلمه الأول "هليوبوليس" يجمع الخطوط المتوازية قيام خالد أبو النجا باستخدام كاميرا محمولة في عمل فيلم تسجيلي عن حي مصر الجديدة. يتكرر التوظيف نفسه تقريبا لكاميرا أحمد مجدي ويسرا اللوزي في "ميكروفون"، لكن هذه المرة لاستكشاف عالم الفن المستقل السري في الإسكندرية، وعلاقته المضطربة مع السلطة غير القادرة على تقنينه أو وضعه تحت السيطرة. أما في "فرش وغطا" فتستخدم كاميرا الهاتف المحمول لتسجيل هروب المساجين خلال أحداث 25 يناير، وتستخدم الكامبرا المحمولة مجدداً في توثيق بعض المصادمات الواقعية ودمج المادة الأرشيفية بدراما الفيلم.
وحتى في فيلمه الرابع الأكثر اقترابا من الشكل الكلاسيكي للأفلام المصرية ـ والذي يحمل تحية لها بشكل ما ـ لم يبتعد عبد الله كثيراً عن الكاميرات، فالبطلة الفصامية حورية فرغلي تعيش حياتين إحداهما كفنانة تتواجد دائما بين الكاميرات في مواقع التصوير.