هو واحد من أذكى أبناء جيله وأحد أعضاء نادي المائتي فيلم.. بدأ مسيرته الفنية مع بداية نهوض السينما المصرية في الأربعينيات، واستمرت حتى وفاته في 22 أغسطس سنة 2011.. بدأ حياته فنانا تشكيليا ومدرسا للرسم بمحافظات الصعيد ومنها إلى السودان، ثم عاد إلى القاهرة وقرر اقتحام عالم السينما، وقدم أول أدواره في فيلم "غني حرب" بسنة 1947.
ويضم رصيد كمال الشناوي حوالي 227 عملا فنيا ما بين سينما وتلفزيون وإذاعة، كما أسس شركة إنتاج وكتب عدد من الأفلام السينمائية، وكانت له تجربة إخراجيه وحيدة في فيلم "تنابلة السلطان" في سنة 1965، وفي هذه المسيرة الحافلة والمليئة بالأدوار المميزة يوجد عدد من الأدوار الهامة التي شكلت محطات في حياة واحد من أشهر "دنجوانات السينما المصرية".
* الشرير وسيم الطلعة
في سنة 1950، قدم المخرج الكبير هنري بركات فيلمه "أمير الانتقام" من تأليف يوسف جوهر ويوسف عيسى، وهو بطولة أنور وجدي، وفريد شوقي، ومحمود المليجي، وسراج منير، وكمال الشناوي، ومديحة يسري، وسامية جمال، وحسين رياض، وفي هذا الفيلم قدم الشناوي دور "شاهين" وهو أحد الثلاثة الذين يوقعون بـ "حسن الهلالي" أو أنور وجدي، لتبدأ رحلة انتقامه منهم.
وقدم الشناوي دور الشرير في هذا الفيلم ببراعة يُحسد عليها، وبأداء متماسك وجيد، بل وتكمن أهميه دور "شاهين" في حياة كمال الشناوي هو إثبات قدرته التمثيلية وخروجه من أدوار "فتى الشاشة الأول" أو الشخص وسيم الشكل والمهذب والأنيق، ليدخل مرحلة الشرير الخبيث أو الشخص الذي يتلاعب بالبطل، بينما مظهره يوحي بعكس ذلك، لتنفتح أمام الشناوي منطقة جديدة في التمثيل.
* "رؤوف علوان" في "اللص والكلاب"
وعودة مرة أخرى لأدوار الشرير والقادر على التلاعب بالبطل والأشخاص المحيطين به، ففي سنة 1962 قدم المخرج الكبير كمال الشيخ عن رواية نجيب محفوظ وسيناريو وحوار صبري عزت فيلم "اللص والكلاب"، والذي قام ببطولته شكرى سرحان، وشادية، وكمال الشناوي، وزين العشماوي، وصلاح جاهين.
شكري سرحان "سعيد مهران" وكمال الشناوي "رؤوف علوان" في فيلم "اللص والكلاب"
وفي هذا الفيلم قدم كمال الشناوي دور الشرير الذي يحرّض "سعيد مهران" على السرقة، ويحوله إلى مجرم، وفي رأيي فإن دور "رؤوف علوان" الذي قدمه كمال الشناوي باقتدار هو واحد من أهم أدواره على الإطلاق، والذي استحضر فيه الشناوي كل ملكاته وموهبته التمثيلية، واستغل فيه كل أدواته من الشكل إلى حركات الجسم إلى الصوت، ليصل إلى حافة الكمال في الاداء بهذا الدور.
"خالد صفوان".. حينما يصبح الأمن العام هدف شخصي
في سنة 1975، قدم المخرج علي بدرخان فيلمه الجريء والمثير للجدل "الكرنك"، عن قصة نجيب محفوظ وسيناريو وحوار ممدوح الليثي، وبطولة نخبة من ألمع نجوم الفن وقتها، على رأسهم سعاد حسني، ونور الشريف، وكمال الشناوي، وفريد شوقي، وتحية كاريوكا، وعلي الشريف، وشويكار، وعماد حمدي، وحسن حسني، ومحمد صبحي، ومصطفى متولي، وصلاح ذو الفقار، ويونس شلبي وغيرهم.
كمال الشناوي "خالد صفوان" وسعاد حسني في فيلم "الكرنك"
وهذه المرة لا يمكنك أن تثبت أن كمال الشناوي قدم دور الشرير، بل أن دور أحد الممثلين لمراكز القوى "خالد صفوان" والذي قدمه الشناوي هو دور مركب ومعقد يوازي دور "إسماعيل الشيخ" أو نور الشريف تركيبا وتعقيدا، فهو المأمور وفي نفس الوقت المستقر في منصبه والمهدد في أي لحظة بالاستبعاد بسبب وشاية أحد زملائه، وفي نفس الوقت هو لا يريد الترقي إلى منصب أكبر، فهو يرى السلطة كلها في منصبه هذا، ويرى أن أي ترقية هي مجرد عقاب مستتر على تقصير في واجبه، وبالتالي فإن قسوته لها ما يبررها بداخله، فهو المحافظ على النظام والأمن العام والذي اختلط بأمنه الشخصي، فصارا شيئا واحدا، فالأمن لن يستتب إذا غادر "خالد صفوان" منصبه.
كل هذه التفاصيل التي أبرزها كمال الشناوي وهو يؤدي دور "خالد صفوان" جعلت من دوره "أيقونة" أخرى في مسيرته الفنية، ليثبت أنه ليس قادر على التعامل مع الشخصيات المركبة فحسب، وإنما قادر أيضا على التعامل مع المراحل العمرية المختلفة، وقادر على أن يكون ممثلا قديرا في أي مرحلة من مراحل عمره.
"العوامة 70".. هل تستطيع أن تمثل دور الزمن؟
في سنة 1982، قدم المخرج خيري بشارة واحدا من أهم أفلامه، وهو فيلم "العوامة رقم 70"، من تأليف خيري بشارة وفايز غالي، ومن بطولة أحمد زكي، وتيسير فهمي، وماجدة الخطيب، وأحمد بدير، وكمال الشناوي، ليقدم كمال الشناوي أهم وأجمل أدواره في رأيي، إذ قدم دور عم "أحمد الشاذلي" أو أحمد زكي المنبوذ بسبب تاريخه، وكونه سكير أضاع حياته في النزوات والخمر.
ولم يقدم كمال الشناوي في هذا الفيلم دور العم الناصح أو الشخص الذي يحاول مساعدة البطل فحسب، وإنما قدم جيلا كاملا انتهى دوره الفعلي في المجتمع المصري بنكسة 1967، فقدم النموذج الأكثر اتساقا مع ذاته، فلم يكن من الراغبين في العودة إلى الحياة بعد انتصار 1973 مثلما فعل العديد من أبناء هذا الجيل، بل ترك المساحة لجيل "أحمد الشاذلي" المختلف فكريا واجتماعيا عن جيله، ولكنه كان في نفس الوقت ناصحا ومرشدا له بخبرة وثقافة حياتية، وربما أصعب ما في هذا الدور هو أن الشناوي لم يقدم دور شخص بل قدم دور "زمن" وجيل بأكمله.
ومرة أخرى يبرهن كمال الشناوي على قدرته الفائقة في استيعاب مراحله العمرية، بل وأيضا في استيعاب الموجة الجديدة التي شهدتها السينما المصرية، بصعود المخرجين الجدد وقتها محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب ورأفت الميهي، ولحق بهم داوود عبدالسيد، والذين غيّروا كثيرا من ملامح السينما المصرية.